الرسم العثمانييُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُۥ مُسْتَطِيرًا
الـرسـم الإمـلائـييُوۡفُوۡنَ بِالنَّذۡرِ وَيَخَافُوۡنَ يَوۡمًا كَانَ شَرُّهٗ مُسۡتَطِيۡرًا
تفسير ميسر:
هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عين يشرب منها عباد الله، يتصرفون فيها، ويُجْرونها حيث شاؤوا إجراءً سهلا. هؤلاء كانوا في الدنيا يوفون بما أوجبوا على أنفسهم من طاعة الله، ويخافون عقاب الله في يوم القيامة الذي يكون ضرره خطيرًا، وشره فاشيًا منتشرًا على الناس، إلا مَن رحم الله، ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه، فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، وطفلا مات أبوه ولا مال له، وأسيرًا أُسر في الحرب من المشركين وغيرهم، ويقولون في أنفسهم; إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم. إنا نخاف من ربنا يومًا شديدًا تَعْبِس فيه الوجوه، وتتقطَّبُ الجباه مِن فظاعة أمره وشدة هوله.
أي يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر قال الإمام مالك عن طلحة بن عبدالملك الأيلي عن القاسم بن مالك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري من حديث مالك. ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد وهو اليوم الذي شره مستطير أي منتشر عام على الناس إلا من رحم الله قال ابن عباس فاشيا وقال قتادة استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض قال ابن جرير; ومنه قولهم استطار الصدع في الزجاجة واستطال ومنه قول الأعشى; فبانت وقد أسأت في الفؤاد صدعا على نأيها مستطيرا يعني ممتدا فاشيا.
قوله تعالى ; يوفون بالنذر أي لا يخلفون إذا نذروا . وقال معمر عن قتادة ; بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيره من الواجبات . وقال مجاهد وعكرمة ; يوفون إذا نذروا في حق الله جل ثناؤه . وقال الفراء والجرجاني ; وفي الكلام إضمار ; أي كانوا يوفون بالنذر في الدنيا . والعرب قد تزيد مرة ( كان ) وتحذف أخرى . والنذر ; حقيقته ما أوجبه المكلف على نفسه من شيء يفعله . وإن شئت قلت في حده ; النذر ; هو إيجاب المكلف على نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه . وقال الكلبي ; يوفون بالنذر أي يتممون العهود والمعنى واحد ; وقد قال الله تعالى ; ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم أي [ ص; 114 ] أعمال نسكهم التي ألزموها أنفسهم بإحرامهم بالحج . وهذا يقوي قول قتادة . وأن النذر يندرج فيه ما التزمه المرء بإيمانه من امتثال أمر الله ; قاله القشيري . وروى أشهب عن مالك أنه قال ; يوفون بالنذر هو نذر العتق والصيام والصلاة . وروى عنه أبو بكر بن عبد العزيز قال مالك . يوفون بالنذر قال ; النذر ; هو اليمين .قوله تعالى ; ويخافون أي يحذرون يوما أي يوم القيامة . كان شره مستطيرا أي عاليا داهيا فاشيا وهو في اللغة ممتدا ; والعرب تقول ; استطار الصدع في القارورة والزجاجة واستطال ; إذا امتد ; قال الأعشى ;وبانت وقد أسأرت في الفؤا د صدعا على نأيها مستطيراويقال ; استطار الحريق ; إذا انتشر . واستطار الفجر إذا انتشر الضوء .وقال حسان ;وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطيروكان قتادة يقول ; استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض . وقال مقاتل ; كان شره فاشيا في السماوات فانشقت ، وتناثرت الكواكب ، وفزعت الملائكة ، وفي الأرض نسفت الجبال وغارت المياه .
يقول تعالى ذكره; إن الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، برّوا بوفائهم لله بالنذور التي كانوا ينذرونها في طاعة الله.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) قال; إذا نذروا في حق الله.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) قال; كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والزكاة، والحجّ والعمرة، وما افترض عليهم، فسماهم الله بذلك الأبرار، فقال; ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ).حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) قال; بطاعة الله، وبالصلاة، وبالحجّ، وبالعمرة.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، قوله; ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) قال; في غير معصية، وفي الكلام محذوف اجتزئ بدلالة الكلام عليه منه، وهو كان ذلك. وذلك أن معنى الكلام; إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، كانوا يوفون بالنذر، فترك ذكر كانوا لدلالة الكلام عليها، والنذر; هو كلّ ما أوجبه الإنسان على نفسه من فعل؛ ومنه قول عنترة; &; 24-96 &;الشَّــاتِمَيْ عـرْضِي وَلَـمْ أشْـتُمْهُماوالنَّــاذِرَيْن إذا لَــمْ ألْقَهُمـا دَمـي (2)وقوله; ( وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ) يقول تعالى ذكره; ويخافون عقاب الله بتركهم الوفاء بما نذروا لله من برّ في يوم كان شرّه مستطيرا، ممتدّا طويلا فاشيا.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ) استطار والله شرّ ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض، وأما رجل يقول عليه نذر أن لا يصل رحما، ولا يتصدّق، ولا يصنع خيرا، فإنه لا ينبغي أن يكفر عنه، ويأتي ذلك، ومنه قولهم; استطار الصدع في الزجاجة واستطال; إذا امتدّ، ولا يقال ذلك في الحائط؛ ومنه قول الأعشى;فَبــانَتْ وَقــد أثـأرَتْ فِـي الفُـؤَادِ صَدْعــا عَـلى نَأْيِهـا مُسْـتَطيرا (3)يعني; ممتدّا فاشيا.
وقد ذكر جملة من أعمالهم في أول هذه السورة، فقال: { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } أي: بما ألزموا به أنفسهم لله من النذور والمعاهدات، وإذا كانوا يوفون بالنذر، وهو لم يجب عليهم، إلا بإيجابهم على أنفسهم، كان فعلهم وقيامهم بالفروض الأصلية، من باب أولى وأحرى، { وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } أي: منتشرا فاشيا، فخافوا أن ينالهم شره، فتركوا كل سبب موجب لذلك،
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الانسان٧٦ :٧
Al-Insan76:7