الرسم العثمانيوَالنّٰزِعٰتِ غَرْقًا
الـرسـم الإمـلائـيوَالنّٰزِعٰتِ غَرۡقًا
تفسير ميسر:
أقسم الله تعالى بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزعا شديدا، والملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين بنشاط ورفق، والملائكة التي تَسْبَح في نزولها من السماء وصعودها إليها، فالملائكة التي تسبق وتسارع إلى تنفيذ أمر الله، فالملائكة المنفذات أمر ربها فيما أوكل إليها تدبيره من شؤون الكون -ولا يجوز للمخلوق أن يقسم بغير خالقه، فإن فعل فقد أشرك- لتُبعثَنَّ الخلائق وتُحَاسَب، يوم تضطرب الأرض بالنفخة الأولى نفخة الإماتة، تتبعها نفخة أخرى للإحياء.
قال ابن مسعود وابن عباس ومسروق وسعيد بن جبير وأبو صالح وأبو الضحى والسدي "والنازعات غرقا" الملائكة يعنون حين تنزع أرواح بني آدم فمنهم من تأخذ روحه بعسر فتغرق في نزعها ومنهم من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حلته من نشاط وهو قوله "والناشطات نشطا" قاله ابن عباس وعن ابن عباس "والنازعات" هي أنفس الكفار تنزع ثم تنشط ثم تغرق في النار. رواه ابن أبي حاتم وقال مجاهد "والنازعات غرقا" الموت وقال الحسن وقتادة "والنازعات غرقا والناشطات نشطا" هي النجوم وقال عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى والنازعات والناشطات هي القسي في القتال والصحيح الأول وعليه الأكثرون.
قوله تعالى ; والنازعات غرقا أقسم سبحانه بهذه الأشياء التي ذكرها ، على أن القيامة حق . والنازعات ; الملائكة التي تنزع أرواح الكفار ; قاله علي - رضي الله عنه - ، وكذا قال ابن مسعود وابن عباس ومسروق ومجاهد ; هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم . قال ابن مسعود ; يريد أنفس الكفار ينزعها ملك الموت من أجسادهم ، من تحت كل شعرة ، ومن تحت الأظافير وأصول القدمين نزعا كالسفود ينزع من الصوف الرطب ، يغرقها ، أي يرجعها في أجسادهم ، ثم ينزعها فهذا عمله بالكفار . وقاله ابن عباس .وقال سعيد بن جبير ; نزعت أرواحهم ، ثم غرقت ، ثم حرقت ; ثم قذف بها في النار . وقيل ; يرى الكافر نفسه في وقت النزع كأنها تغرق . وقال السدي ; والنازعات هي النفوس حين تغرق في الصدور . مجاهد ; هي الموت ينزع النفوس . الحسن وقتادة ; هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق ; أي [ ص; 166 ] تذهب ، من قولهم ; نزع إليه أي ذهب ، أو من قولهم ; نزعت الخيل أي جرت . غرقا أي إنها تغرق وتغيب وتطلع من أفق إلى أفق آخر . وقاله أبو عبيدة وابن كيسان والأخفش . وقيل ; النازعات القسي تنزع بالسهام ; قاله عطاء وعكرمة . ( وغرقا ) بمعنى إغراقا ; وإغراق النازع في القوس أن يبلغ غاية المد ، حتى ينتهي إلى النصل . يقال ; أغرق في القوس أي استوفى مدها ، وذلك بأن تنتهي إلى العقب الذي عند النصف الملفوف عليه . والاستغراق الاستيعاب . ويقال لقشرة البيضة الداخلة ; ( غرقئ ) . وقيل ; هم الغزاة الرماة .قلت ; هو والذي قبله سواء ; لأنه إذا أقسم بالقسي فالمراد النازعون بها تعظيما لها ; وهو مثل قوله تعالى ; والعاديات ضبحا والله أعلم . وأراد بالإغراق ; المبالغة في النزع وهو سائر في جميع وجوه تأويلها . وقيل ; هي الوحش تنزع من الكلأ وتنفر . حكاه يحيى بن سلام . ومعنى غرقا أي إبعادا في النزع .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)أقسم ربنا جلّ جلاله بالنازعات، واختلف أهل التأويل فيها، وما هي، وما تنـزع؟ فقال بعضهم; هم الملائكة التي تنـزع نفوس بني آدم، والمنـزوع نفوس الآدميين.* ذكر من قال ذلك;حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال; ثنا النضر بن شُمَيل، قال; أخبرنا شعبة، عن سليمان، قال; سمعت أبا الضحى، عن مسروق، عن عبد الله وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا قال; الملائكة .حدثني أبو السائب، قال; ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق أنه كان يقول في النازعات; هي الملائكة .حدثنا ابن المثنى، قال; ثنا يوسف بن يعقوب، قال; ثنا شعبة، عن السُّدِّي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في النازعات قال; حين تنـزع نفسه .حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا قال; تنـزع الأنفس .حدثنا أبو كُريب، قال; ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله; وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا قال; نـزعت أرواحهم، ثم غرقت، ثم قذف بها في النار .وقال آخرون; بل هو الموت ينـزع النفوس.* ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو كُريب، قال; ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا قال; الموت .حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.وقال آخرون; هي النجوم تنـزع من أفق إلى أفق.حدثنا الفضل بن إسحاق، قال; ثنا أبو قُتَيبة، قال; ثنا أبو العوّام، أنه سمع الحسن في وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا قال; النجوم .حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله; وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا قال; النجوم .وقال آخرون; هي القسيّ تنـزع بالسهم.* ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو كُريب، قال; ثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا قال; القسيّ .وقال آخرون; هي النفس حين تُنـزع.* ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو كُريب، قال; ثنا وكيع، عن سفيان، عن السدّي وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا قال; النفس حين تَغرق في الصدر .والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال; إن الله تعالى ذكره أقسم بالنازعات غرقا، ولم يخصص نازعة دون نازعة، فكلّ نازعة غرقا، فداخلة في قسمه، ملكا كان أو موتا، أو نجما، أو قوسا، أو غير ذلك. والمعنى; والنازعات إغراقا كما يغرق النازع في القوس.
هذه الإقسامات بالملائكة الكرام، وأفعالهم الدالة على كمال انقيادهم لأمر الله، وإسراعهم في تنفيذ أمره، يحتمل أن المقسم عليه، الجزاء والبعث، بدليل الإتيان بأحوال القيامة بعد ذلك، ويحتمل أن المقسم عليه والمقسم به متحدان، وأنه أقسم على الملائكة، لأن الإيمان بهم أحد أركان الإيمان الستة، ولأن في ذكر أفعالهم هنا ما يتضمن الجزاء الذي تتولاه الملائكة عند الموت وقبله وبعده، فقال: { وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا } وهم الملائكة التي تنزع الأرواح بقوة، وتغرق في نزعها حتى تخرج الروح، فتجازى بعملها.
(الواو) واو القسم، والجارّ والمجرور متعلّق بفعل محذوف تقديره أقسم
(غرقا) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو ملاقيه في المعنى ،
(الواو) عاطفة في الموضعين وكذلك
(الفاء) في الموضعين
(أمرا) مفعول به لاسم الفاعل على المدبّرات.
جملة: «
(أقسم) بالنازعات ... » لا محلّ لها ابتدائيّة ... وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثنّ أيّها الكافرون.
- القرآن الكريم - النازعات٧٩ :١
An-Nazi'at79:1