الرسم العثمانيوَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجٰهَدُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُوٓا أُولٰٓئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
الـرسـم الإمـلائـيوَالَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا وَهَاجَرُوۡا وَجٰهَدُوۡا فِىۡ سَبِيۡلِ اللّٰهِ وَالَّذِيْنَ اٰوَوْا وَّنَصَرُوۡۤا اُولٰۤٮِٕكَ هُمُ الۡمُؤۡمِنُوۡنَ حَقًّا ؕ لَّهُمۡ مَّغۡفِرَةٌ وَّرِزۡقٌ كَرِيۡمٌ
تفسير ميسر:
والذين آمنوا بالله ورسوله، وتركوا ديارهم قاصدين دار الإسلام أو بلدًا يتمكنون فيه من عبادة ربهم، وجاهدوا لإعلاء كلمة الله، والذين نصروا إخوانهم المهاجرين وآووهم وواسوهم بالمال والتأييد، أولئك هم المؤمنون الصادقون حقًا، لهم مغفرة لذنوبهم، ورزق كريم واسع في جنات النعيم.
لما ذكر تعالى حكم المؤمنين في الدنيا عطف بذكر مالهم في الآخرة فأخبر عنهم بحقيقة الإيمان كما تقدم في أول السورة وأنه سبحانه سيجازيهم بالمغفرة والصفح عن الذنوب إن كانت وبالرزق الكريم وهو الحسن الكثير الطيب الشريف دائم مستمر أبدا لا ينقطع ولا ينقضي ولا يسأم ولا يمل لحسنه وتنوعه. ثم ذكر أن الأتباع لهم في الدنيا على ما كانوا عليه من الإيمان والعمل الصالح فهم معهم في الآخرة كما قال "والسابقون الأولون" الآية وقال "والذين جاءوا من بعدهم" الآية. وفي الحديث المتفق عليه بل المتواتر من طرق صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "المرء مع من أحب" وفي الحديث الآخر "من أحب قوما فهو منهم" وفي رواية"حشر معهم". وقال الإمام أحمد; حدثنا وكيع عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عن جرير قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء لبعض والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة" قال شريك فحدثنا الأعمش عن تميم بن سلمة عن عبدالرحمن بن هلال عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله تفرد به أحمد من هذين الوجهين.
حقا مصدر ، أي حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة . وحقق الله إيمانهم بالبشارة في قوله ; لهم مغفرة ورزق كريم أي ثواب عظيم في الجنة .
القول في تأويل قوله ; وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا)، آوَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه ونصروهم، ونصروا دين الله, أولئك هم أهل الإيمان بالله ورسوله حقًّا, لا من آمن ولم يهاجر دارَ الشرك، وأقام بين أظهر أهل الشرك، ولم يغزُ مع المسلمين عدوهم (39) =(لهم مغفرة)، يقول; لهم ستر من الله على ذنوبهم، بعفوه لهم عنها (40) =(ورزق كريم)، يقول; لهم في الجنة مطعم ومشرب هنيٌّ كريم, (41) لا يتغير في أجوافهم فيصير نجْوًا, (42) ولكنه يصير رشحًا كرشح المسك (43)* * *وهذه الآية تنبئ عن صحة ما قلنا; أن معنى قول الله; بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ في هذه الآية, وقوله; مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، إنما هو النصرة والمعونة، دون الميراث. لأنه جل ثناؤه عقّب ذلك بالثناء على المهاجرين والأنصار والخبر عما لهم عنده، دون من لم يهاجر بقوله; (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا)، الآية, ولو كان مرادًا بالآيات قبل ذلك، الدلالةُ على حكم ميراثهم، لم يكن عَقِيبَ ذلك إلا الحثّ على إمضاء الميراث على ما أمر. (44) وفي صحة ذلك كذلك، الدليلُ الواضح على أن لا ناسخ في هذه الآيات لشيء، ولا منسوخ.------------------الهوامش ;(39) انظر تفسير " هاجر " و " جاهد " ، و " آوى " فيما سلف قريبا ص 77 ، تعليق ; 1 - 4 ، والمراجع هناك .(40) انظر تفسير " المغفرة " فيما سلف من فهارس اللغة " غفر " .(41) انظر تفسير " رزق كريم " فيما سلف وكان في المطبوعة هنا " طعم ومشرب " ، والصواب من المخطوطة .(42) " النجو " ، ما يخرج من البطن .(43) روى مسلم وأبو داود من حديث جابر ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَأكُلُونَ فِيهَا ويَشْرَبُونَ ، وَلا يَتْفُلُونَ وَلا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ . قِيلَ ; فَمَا بَالُ الطَّعَامِ ؟ قال ; جُشاء ورَشْحٌ كَرَشْحِ المِسْك ، يُلهمون التسبيح والتحميد كما تُلهمُونَ النَّفَس "( صحيح مسلم 17 ; 173 ) .(44) في المطبوعة ; " إلا الحث على مضى " ، وفي المخطوطة; "على أمضى" ، وصواب قراءتها ما أثبت .
تفسير الآيتين 74 و75 :ـ الآيات السابقات في ذكر عقد الموالاة بين المؤمنين من المهاجرين والأنصار. وهذه الآيات في بيان مدحهم وثوابهم، فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ} أي: المؤمنون من المهاجرين والأنصار {هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} لأنهم صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة والنصرة والموالاة بعضهم لبعض، وجهادهم لأعدائهم من الكفار والمنافقين. {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} من اللّه تمحى بها سيئاتهم، وتضمحل بها زلاتهم، {و} لهم {رِزْقٌ كَرِيمٌ} أي: خير كثير من الرب الكريم في جنات النعيم. وربما حصل لهم من الثواب المعجل ما تقر به أعينهم، وتطمئن به قلوبهم ، وكذلك من جاء بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار، ممن اتبعهم بإحسان فآمن وهاجر وجاهد في سبيل اللّه. {فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} لهم ما لكم وعليهم ما عليكم فهذه الموالاة الإيمانية ـ وقد كانت في أول الإسلام ـ لها وقع كبير وشأن عظيم، حتى إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ آخى بين المهاجرين والأنصارأخوة خاصة، غير الأخوة الإيمانية العامة، وحتى كانوا يتوارثون بها، فأنزل اللّه {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فلا يرثه إلا أقاربه من العصبات وأصحاب الفروض،فإن لم يكونوا، فأقرب قراباته من ذوي الأرحام، كما دل عليه عموم هذه الآية الكريمة، وقوله: {فِي كِتَابِ اللَّهِ} أي: في حكمه وشرعه. {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ومنه ما يعلمه من أحوالكم التي يجري من شرائعه الدينية عليكم ما يناسبها.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الأنفال٨ :٧٤
Al-Anfal8:74