الرسم العثمانيقُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوٰنُكُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوٰلٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا حَتّٰى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفٰسِقِينَ
الـرسـم الإمـلائـيقُلۡ اِنۡ كَانَ اٰبَآؤُكُمۡ وَاَبۡنَآؤُكُمۡ وَاِخۡوَانُكُمۡ وَاَزۡوَاجُكُمۡ وَعَشِيۡرَتُكُمۡ وَ اَمۡوَالُ ۨاقۡتَرَفۡتُمُوۡهَا وَتِجَارَةٌ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَ مَسٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَاۤ اَحَبَّ اِلَيۡكُمۡ مِّنَ اللّٰهِ وَرَسُوۡلِهٖ وَ جِهَادٍ فِىۡ سَبِيۡلِهٖ فَتَرَ بَّصُوۡا حَتّٰى يَاۡتِىَ اللّٰهُ بِاَمۡرِهٖ ؕ وَاللّٰهُ لَا يَهۡدِى الۡقَوۡمَ الۡفٰسِقِيۡنَ
تفسير ميسر:
قل -يا أيها الرسول- للمؤمنين; إن فَضَّلتم الآباء والأبناء والإخوان والزوجات والقرابات والأموال التي جمعتموها والتجارة التي تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي أقمتم فيها، إن فَضَّلتم ذلك على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله ونكاله بكم. والله لا يوفق الخارجين عن طاعته.
ثم أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله ورسوله وجهاد في سبيله فقال " وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها " أي تحبونها لطيبها وحسنها أي إن كانت هذه الأشياء " أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا" أي فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم. ولهذا قال " حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين " وقال الإمام أحمد; حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن زهرة بن معبد عن جده قال; كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال; والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه "فقال عمر; فأنت الآن والله أحب إلى من نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الآن يا عمر "انفرد بإخراجه البخاري فرواه عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن حيوة بن شريح عن أبي عقيل زهرة بن معبد أنه سمع جده عبدالله بن هشام عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال; والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين " وروى الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له من حديث أبي عبدالرحمن الخراساني عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر قال; سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم زلالا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "وروى الإمام أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن أبي حباب عن شهر بن حوشب أنه سمع عبدالله ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا شاهد للذي قبله والله أعلم.
قوله تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقينلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه والأب لابنه والأخ لأخيه والرجل لزوجته ; إنا قد أمرنا بالهجرة ، فمنهم من تسارع لذلك ، ومنهم من أبى أن يهاجر ، فيقول ; والله لئن لم تخرجوا إلى دار الهجرة لا أنفعكم ولا أنفق عليكم شيئا أبدا . ومنهم من تتعلق به امرأته وولده ويقولون له ; أنشدك بالله ألا تخرج فنضيع بعدك ، فمنهم من يرق فيدع الهجرة ويقيم معهم ، فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان . يقول ; إن اختاروا الإقامة على الكفر بمكة على الإيمان بالله والهجرة إلى المدينة . ومن يتولهم منكم بعد نزول الآية فأولئك هم الظالمون [ ص; 32 ] ثم نزل في الذين تخلفوا ولم يهاجروا ; قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وهي الجماعة التي ترجع إلى عقد واحد كعقد العشرة فما زاد ، ومنه المعاشرة وهي الاجتماع على الشيء .وأموال اقترفتموها يقول ; اكتسبتموها بمكة . وأصل الاقتراف اقتطاع الشيء من مكانه إلى غيره .وتجارة تخشون كسادها قال ابن المبارك ; هي البنات والأخوات إذا كسدن في البيت لا يجدن لهن خاطبا . قال الشاعر ;كسدن من الفقر في قومهن وقد زادهن مقامي كسوداومساكن ترضونها يقول ; ومنازل تعجبكم الإقامة فيها أحب إليكم من الله ورسوله من أن تهاجروا إلى الله ورسوله بالمدينة . و ( أحب ) خبر كان . ويجوز في غير القرآن رفع " أحب " على الابتداء والخبر ، واسم كان مضمر فيها . وأنشد سيبويه ;إذا مت كان الناس صنفان ; شامت وآخر مثن بالذي كنت أصنعوأنشد ;هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها وليس منها شفاء الداء مبذولوفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله ، ولا خلاف في ذلك بين الأمة ، وأن ذلك مقدم على كل محبوب . وقد مضى في ( آل عمران ) معنى محبة الله تعالى ومحبة رسوله .( وجهاد في سبيله فتربصوا ) ; صيغته صيغة أمر ومعناه التهديد . يقول ; انتظروا . وفي قوله ; ( وجهاد في سبيله ) دليل على فضل الجهاد ، وإيثاره على راحة النفس وعلائقها بالأهل والمال . وسيأتي فضل الجهاد في آخر السورة . وقد مضى من أحكام الهجرة في ( النساء ) ما فيه كفاية ، والحمد لله . وفي الحديث الصحيح إن الشيطان قعد لابن آدم ثلاث مقاعد ؛ قعد له في طريق الإسلام فقال لم تذر دينك ودين آبائك فخالفه وأسلم ، وقعد له في طريق الهجرة فقال له أتذر مالك وأهلك فخالفه وهاجر ، ثم قعد في طريق الجهاد فقال له تجاهد فتقتل فينكح أهلك ويقسم مالك فخالفه وجاهد ، فحق على الله أن يدخله الجنة . وأخرجه النسائي من حديث سبرة بن أبي فاكه قال ; سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ; إن الشيطان . . . فذكره . قال [ ص; 33 ] البخاري ; " ابن الفاكه " ولم يذكر فيها اختلافا . وقال ابن أبي عدي ; يقال ابن الفاكه وابن أبي الفاكه . انتهى .
القول في تأويل قوله ; قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)قال أبو جعفر; يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; (قل) يا محمد، للمتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام، المقيمين بدار الشرك; إن كان المقام مع آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم = وكانت (أموال اقترفتموها)، يقول; اكتسبتموها (13) =(وتجارة تخشون كسادها)، بفراقكم بلدَكم =(ومساكن ترضونها)، فسكنتموها =(أحب إليكم)، من الهجرة إلى الله ورسوله، من دار الشرك = ومن جهاد في سبيله, يعني; في نصرة دين الله الذي ارتضاه (14) =(فتربصوا)، يقول; فتنظّروا (15) =(حتى يأتي الله بأمره)، حتى يأتي الله بفتح مكة =(والله لا يهدي القوم الفاسقين)، يقول; والله لا يوفّق للخير الخارِجين عن طاعته وفي معصيته. (16)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;16569- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد; (حتى يأتي الله بأمره)، بالفتح.16570- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد; (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره)، فتح مكة.16571- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي; (وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها)، يقول; تخشون أن تكسد فتبيعوها =(ومساكن ترضونها)، قال; هي القصور والمنازل.16572- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله; (وأموال اقترفتموها)، يقول; أصبتموها.-----------------------الهوامش ;(13) انظر تفسير " الاقتراف " فيما سلف 12 ; 76 ; 173 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .(14) انظر تفسير " الجهاد " فيما سلف من ; 173 ، تعليق ; 5 ، والمراجع هناك .= وتفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .(15) انظر تفسير " التربص " فيما سلف 9 ؛ 323 ; تعليق ; 3 ، والمراجع هناك .(16) انظر تفسير " الهدى " فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .= وتفسير " الفسق " فيما سلف من فهارس اللغة ( فسق )
ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك، وهو أن محبة اللّه ورسوله، يتعين تقديمهما على محبة كل شيء، وجعل جميع الأشياء تابعة لهما فقال: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} ومثلهم الأمهات {وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ} في النسب والعشرة {وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} أي: قراباتكم عمومًا {وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} أي: اكتسبتموها وتعبتم في تحصيلها، خصها بالذكر، لأنها أرغب عند أهلها، وصاحبها أشد حرصا عليها ممن تأتيه الأموال من غير تعب ولا كَدّ. {وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} أي: رخصها ونقصها، وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات، من الأثمان، والأواني، والأسلحة، والأمتعة، والحبوب، والحروث، والأنعام، وغير ذلك. {وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} من حسنها وزخرفتها وموافقتها لأهوائكم، فإن كانت هذه الأشياء {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} فأنتم فسقة ظلمة. {فَتَرَبَّصُوا} أي: انتظروا ما يحل بكم من العقاب {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} الذي لا مرد له. {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي: الخارجين عن طاعة اللّه، المقدمين على محبة اللّه شيئا من المذكورات. وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة اللّه ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من اللّه ورسوله، وجهاد في سبيله. وعلامة ذلك، أنه إذا عرض عليه أمران، أحدهما يحبه اللّه ورسوله، وليس لنفسه فيها هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا للّه ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه، على ما يحبه اللّه، دل ذلك على أنه ظالم، تارك لما يجب عليه.
(قل) فعل أمر، والفاعل أنت
(إن) حرف شرط جازم
(كان) فعل ماض ناقص مبنيّ في محلّ جزم فعل الشرط
(آباء) اسم كان مرفوع
(كم) ضمير مضاف إليه
(أبناؤكم ... عشيرتكم) أسماء مضاف إليها ضمير خطاب الجمع معطوفة بحروف العطف على آباء مرفوعة مثله
(أموال، تجارة، مساكن) أسماء معطوفة على آباء بحروف العطف مرفوعة
(اقترفتم) فعل ماض مبنيّ على السكون ... و (تم) ضمير فاعل و (الواو) زائدة هي إشباع حركة الميم و (ها) ضمير مفعول به
(تخشون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (كساد) مفعول به منصوب و (ها) مضاف إليه
(ترضون) مثل تخشون و (ها) ضمير مفعول به
(أحبّ) خبر كان منصوبـ (إلى) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (أحب)
(من الله) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أحبّ)
(الواو) عاطفة
(رسول) معطوف على لفظ الجلالة مجرور و (الهاء) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(جهاد) معطوف على لفظ الجلالة مجرور
(في سبيل) جارّ ومجرور متعلّق بـ (جهاد) ، و (الهاء) مثل الأخير
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(تربّصوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..والواو فاعل ،
(حتّى) حرف غاية وجرّ
(يأتي) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتّى
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(بأمر) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يأتي) ، و (الهاء) مثل الأخير.
والمصدر المؤوّلـ (أن يأتي الله) في محلّ جرّ بـ (حتّى) متعلّق بـ (تربّصوا) .
(الواو) استئنافيّة
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(لا) نافية
(يهدي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل هو (القوم) مفعول به منصوبـ (الفاسقين) نعت للقوم منصوب وعلامة النصب الياء.
جملة: «قل ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «إن كان آباؤكم ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «اقترفتموها» في محلّ رفع نعت لأموال.
وجملة: «تخشون ... » في محلّ رفع نعت لتجارة.
وجملة: «ترضونها» في محلّ رفع نعت لمساكن.
وجملة: «تربّصوا» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: «يأتي الله ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «الله لا يهدي ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لا يهدي ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الله) .
- القرآن الكريم - التوبة٩ :٢٤
At-Taubah9:24