الرسم العثمانيأَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحٰبِ الْفِيلِ
الـرسـم الإمـلائـياَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِاَصۡحٰبِ الۡفِيۡلِؕ
تفسير ميسر:
ألم تعلم -أيها الرسول- كيف فعل ربك بأصحاب الفيل; أبرهة الحبشي وجيشه الذين أرادوا تدمير الكعبة المباركة؟
هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود فأبادهم الله وأرغم آنافهم وخيب سعيهم وأضل عملهم وردهم بشر خيبة وكانوا قوما نصارى وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال ولسان حال القدرة يقول لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثه النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء "وهذه قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتقريب" قد تقدم في قصة أصحاب الأخدود أن ذا نواس وكان آخر ملوك حمير وكان مشركا وهو الذي قتل أصحاب الأخدود وكانوا نصارى وكانوا قريبا من عشرين ألف فلم يفلت منهم إلا دوس ذو ثعلبان فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام وكان نصرانيا فكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة لكونه أقرب إليهم فبعث معه أميرين أرياط وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم في جيش كثيف فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار وأسلبوا الملك من حمير وهلك ذا نواس غريقا في البحر واستقل الحبشة بملك اليمن وعليهم هذان الأميران أرياط وأبرهة فاختلفا في أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافا فقال أحدهما للآخر لا حاجة بنا إلى اصطلام الجيشين بيننا ولكن أبرز إلى وأبرز إليك فأينا قتل الآخر استقل بعده بالملك فأجابه إلى ذلك فتبارزا وخلف كل واحد منهما قناة فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف فشرم أنفه وفمه وشق وجهه وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله ورجع أبرهة جريحا فداوى جرحه فبرأ واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه ويتوعده ويحلف ليطأن بلاده ويجز ناصيته فأرسل إليه أبرهة يترقق له ويصانعه وبعث مع رسوله بهدايا وتحف وبجراب فيه من تراب اليمن وجز ناصيته فأرسلها معه ويقول في كتابه ليطأ الملك على هذا الجراب فيبر قسمه وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك فلما وصل ذلك إليه أعجبه منه ورضي عنه وأقره على عمله وأرسل أبرهة يقل للنجاشي إني سأبني كنيسة بأرض اليمن اليمن لم يبن قبلها مثلها فشرع في بناء كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء عالية الفناء مزخرفة الأرجاء سمتها العرب القليس لارتفاعها لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها وعرم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة ونادى بذلك في مملكته فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك وغضبت قريش لذلك غضبا شديدا حتى قصدها بعضهم وتوصل إلى أن دخلها ليلا فأحدث فيها وكر راجعا فلما رأى السدنة ذلك الحدث رفعوا أمره إلى ملكهم أبرهة وقالوا له إنما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذي ضاهيت هذا به فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة وليخربنه حجرا حجرا. وذكر مقاتل بن سليمان أن فتية من قريش دخلوها فأججوا فيها نارا وكان يوما فيه هواء شديد فاحترقت وسقطت إلى الأرض فتأهب أبرهة لذلك وصار في جيش كثيف عرمرم لئلا يصده أحد عنه واستصحب معه فيلا عظيما كبير الجنة لم ير مثله يقال له محمود وكان قد بعثه إليه النجاشي ملك الحبش لذلك ويقال كان معه أيضا ثمانية أفيال وقيل اثنا عشر فيلا غيره فالله أعلم يعني ليهدم به الكعبة بأن يجعل السلاسل في الأركان وتوضع في عنق الفيل ثم يزجر ليلقي الحائط جملة واحدة فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جدا ورأوا أن حقا عليهم المحاجبة دون البيت ورد من أراده بكيد فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله وما يريده من هدمه وخرابه فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم لما يريده الله عز وجل من كرامة البيت وتعظيمه وأسر ذو نفر فاستصحبه معه ثم مضى لوجهه حتى إذا كان بأرض خثعم اعترض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه شهران وناهس فقاتلوه فهزمهم أبرهة وأسر نفيل بن حبيب فأراد قتله ثم عفا عنه واستصحبه معه ليدله في بلاد الحجاز فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم الذي عندهم الذي يسمونه اللات فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال دليلا فلما انتهى أبرهة إلى المغمس وهو قريب من مكة نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها فأخذوه وكان في السرج مائتا بعير لعبدالمطلب وكان الذي أغار على السرح بأمر أبرهة أمير المقدمة وكان يقال له الأسود بن مقصود فهجاه بعض العرب فيما ذكره ابن إسحاق وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة وأمره أن يأتيه بأشرف قريش وأن يخبره أن الملك لم يجىء لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت فجاء حناطة فدل على عبدالمطلب بن هاشم وبلغه عن أبرهة ما قال; فقال له عبدالمطلب والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه وإن يخلي بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه فقال له حناطة فاذهب معي إليه فذهب معه فلما رآه أبرهة أجله وكان عبد المطلب رجلا جسيما حسن المنظر. ونزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط وقال لترجمانه قل له ما حاجتك؟ فقال للترجمان إن حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي فقال أبرهة لترجمانه قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتني أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟ فقال له عبدالمطلب إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سمينعه. قال ما كان ليمتنع مني قال أنت وذاك ويقال إنه ذهب مع عبدالمطلب جماعة من أشراف العرب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت فأبى عليهم ورد أبرهة على عبدالمطلب إبله ورجع عبدالمطلب إلى قريش فأمرهم بالخروج من مكة والتحصن في رؤوس الجبال تخوفا عليهم من معرة الجيش ثم قام عبدالمطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرون على أبرهة وجنده فقال عبدالمطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة. لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبدا محالك قال ابن إسحاق ثم أرسل عبدالمطلب حلقة الباب ثم خرجوا إلى رؤوس الجبال. وذكر عن ابن سليمان أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة لعل بعض الجيش ينال منها شيئا بغير حق فينتقم الله منهم فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وكان اسمه محمودا وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه ثم أخد بأذنه وقال ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا في رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقه فنزعوه بها ليعوم فأبى فوجههوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ووجوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك.
تفسير سورة الفيلوهي مكية بإجماع . وهي خمس آياتبسم الله الرحمن الرحيمألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيلفيه خمس مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; ألم تر أي ألم تخبر . وقيل ; ألم تعلم . وقال ابن عباس ; ألم تسمع ؟ واللفظ استفهام ، والمعنى تقرير . والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ; ولكنه عام ; أي ألم تروا ما فعلت بأصحاب الفيل ; أي قد رأيتم ذلك ، وعرفتم موضع منتي عليكم ، فما لكم لا تؤمنون ؟ وكيف في موضع نصب ب فعل ربك لا ب ألم تر كيف من معنى الاستفهام .الثانية ; قوله تعالى ; بأصحاب الفيل الفيل معروف ، والجمع أفيال ; وفيول ، وفيلة . قال ابن السكيت ; ولا تقل أفيلة . والأنثى فيلة وصاحبه فيال . قال سيبويه ; يجوز أن يكون أصل فيل فعلا ، فكسر من أجل الياء ; كما قالوا ; أبيض وبيض . وقال الأخفش ; هذا لا يكون في الواحد ، إنما يكون في الجمع . ورجل فيل الرأي ، أي ضعيف الرأي . والجمع أفيال . ورجل فال ; أي ضعيف الرأي ، مخطئ الفراسة . وقد فال الرأي يفيل فيولة ، وفيل رأيه تفييلا ; أي ضعفه ، فهو فيل الرأي .الثالثة ; في قصة أصحاب الفيل ; وذلك أن ( أبرهة ) بنى القليس بصنعاء ، وهي كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ، وكان نصرانيا ، ثم كتب إلى النجاشي ; إني قد بنيت لك [ ص; 169 ] أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي ، غضب رجل من النسأة ، فخرج حتى أتى الكنيسة ، فقعد فيها - أي أحدث - ثم خرج فلحق بأرضه ; فأخبر بذلك أبرهة ، فقال ; من صنع هذا ؟ فقيل ; صنعه رجل من أهل هذا البيت ، الذي تحج إليه العرب بمكة ، لما سمع قولك ; ( أصرف إليها حج العرب ) غضب ، فجاء فقعد فيها . أي أنها ليست لذلك بأهل . فغضب عند ذلك أبرهة ، وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ، وبعث رجلا كان عنده إلى بني كنانة يدعوهم إلى حج تلك الكنيسة ; فقتلت بنو كنانة ذلك الرجل ; فزاد أبرهة ذلك غضبا وحنقا ، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ، ثم سار وخرج معه بالفيل ; وسمعت بذلك العرب ، فأعظموه وفظعوا به ، ورأوا جهاده حقا عليهم ، حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام . فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم ، يقال له ذو نفر ، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة ، وجهاده عن بيت الله الحرام ، وما يريد من هدمه وإخرابه ; فأجابه من أجابه إلى ذلك ، ثم عرض له فقاتله ، فهزم ذو نفر وأصحابه ، وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا ; فلما أراد قتله قال له ذو نفر ; أيها الملك لا تقتلني ، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ; فتركه من القتل ، وحبسه عنده في وثاق ، وكان أبرهة رجلا حليما . ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك ، يريد ما خرج له ، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلتي خثعم ; شهران وناهس ، ومن تبعه من قبائل العرب ; فقاتله فهزمه أبرهة ، وأخذ له نفيل أسيرا ; فأتي به ، فلما هم بقتله قال له نفيل ; أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلتي خثعم ; شهران وناهس ، بالسمع والطاعة ; فخلى سبيله . وخرج به معه يدله ، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف ، فقالوا له ; أيها الملك ، إنما نحن عبيدك ; سامعون لك مطيعون ، ليس عندنا لك خلاف ، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة ، نحن نبعث معك من يدلك عليه ; فتجاوز عنهم . وبعثوا معه أبا رغال ، حتى أنزله المغمس فلما أنزله به مات أبو رغال هناك ، فرجمت قبره العرب ; فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس ، وفيه يقول الشاعر ;وأرجم قبره في كل عام كرجم الناس قبر أبي رغال[ ص; 170 ] فلما نزل أبرهة بالمغمس ، بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له ، حتى انتهى إلى مكة فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم ، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ; فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله ; ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به ، فتركوا ذلك . وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له ; سل عن سيد هذا البلد وشريفهم ، ثم قل له ; إن الملك يقول ; إني لم آت لحربكم ، إنما جئت لهدم هذا البيت ، فإن لم تعرضوا لي بحرب ، فلا حاجة لي بدمائكم ; فإن هو لم يرد حربي فأتني به . فلما دخل حناطة مكة ، سأل عن سيد قريش وشريفها ; فقيل له ; عبد المطلب بن هاشم ; فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة ; فقال له عبد المطلب ; والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك منه طاقة ، هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم - عليه السلام - ، أو كما قال ، فإن يمنعه منه فهو حرمه وبيته ، وإن يحل بينه وبينه ، فوالله ما عندنا دفع عنه . فقال له حناطة ; فانطلق إليه ، فإنه قد أمرني أن آتيه بك ; فانطلق معه عبد المطلب ، ومعه بعض بنيه ، حتى أتى العسكر ; فسأل عن ذي نفر ، وكان صديقا له ، حتى دخل عليه وهو في محبسه ، فقال له ; يا ذا نفر ، هل عندك من غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر ; وما غناء رجل أسير بيدي ملك ، ينتظر أن يقتله غدوا وعشيا ما عندي غناء في شيء مما نزل بك ، إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لي ، فسأرسل إليه ، وأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك ، فتكلمه بما بدا لك ، ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك ; فقال حسبي . فبعث ذو نفر إلى أنيس ، فقال له ; إن عبد المطلب سيد قريش ، وصاحب عين مكة ، ويطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير ، فاستأذن له عليه ، وانفعه عنده بما استطعت ; فقال ; أفعل . فكلم أنيس أبرهة ، فقال له ; أيها الملك ، هذا سيد قريش ببابك ، يستأذن عليك ، وهو صاحب عين مكة ، يطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رءوس الجبال ; فأذن له عليك ، فيكلمك في حاجته . قال ; فأذن له أبرهة .وكان عبد المطلب أوسم الناس ، وأعظمهم وأجملهم ، فلما رآه أبرهة أجله ، وأعظمه عن أن يجلسه تحته ; فنزل أبرهة عن سريره ، فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه . ثم قال لترجمانه ; قل له ; حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان ، فقال ; حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي . فلما قال له ذلك ، قال أبرهة لترجمانه ; قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا [ ص; 171 ] هو دينك ودين آبائك ، قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه . قال له عبد المطلب ; إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه . قال ; ما كان ليمتنع مني قال أنت وذاك . فرد عليه إبله . وانصرف عبد المطلب إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف الجبال والشعاب ، تخوفا عليهم معرة الجيش . ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش ، يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة ;لا هم إن العبد يمنع رحله فامنع حلالكلا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالكإن يدخلوا البلد الحرام فأمر ما بدا لكيقول ; أي شيء ما بدا لك ، لم تكن تفعله بنا . والحلال ; جمع حل . والمحال ; القوة وقيل ; إن عبد المطلب لما أخذ بحلقة باب الكعبة قال ;يا رب لا أرجو لهم سواكا يا رب فامنع منهم حماكاإن عدو البيت من عاداكا إنهم لن يقهروا قواكاوقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ;لا هم أخز الأسود بن مقصود الأخذ الهجمة فيها التقليدبين حراء وثبير فالبيد يحبسها وهي أولات التطريدفضمها إلى طماطم سود قد أجمعوا ألا يكون معبودويهدموا البيت الحرام المعمود والمروتين والمشاعر السودأخفره يا رب وأنت محمودقال ابن إسحاق ; ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة ، ثم انطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال ، فتحرزوا فيها ، ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها . فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله ، وعبأ جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا ، وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن ، فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب ، حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذ بأذنه فقال له ; ابرك محمود ، وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك [ ص; 172 ] في بلد الله الحرام . ثم أرسل أذنه ، فبرك الفيل . وخرج نفيل بن حبيب يشتد ، حتى أصعد في الجبل . وضربوا الفيل ليقوم فأبى ، فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى ; فأدخلوا محاجن لهم في مراقه ، فبزغوه بها ليقوم ، فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ، ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ، ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك . وأرسل الله عليهم طيرا من البحر ، أمثال الخطاطيف والبلسان ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار ; حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ; وليس كلهم أصابت . وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي جاءوا منها ، ويسألون عن نفيل بن حبيب ; ليدلهم على الطريق إلى اليمن . فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته ;أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالبوقال أيضا ;حمدت الله إذ أبصرت طيرا وخفت حجارة تلقى علينافكل القوم يسأل عن نفيل كأن علي للحبشان دينافخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون بكل مهلك على كل سهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة ، كلما سقطت منه أنملة أتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما ; حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون .وقال الكلبي ومقاتل بن سليمان - يزيد أحدهما وينقص - ; سبب الفيل ما روي أن فتية من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي ، فنزلوا على ساحل البحر إلى بيعة للنصارى ، تسميها النصارى الهيكل ، فأوقدوا نارا لطعامهم وتركوها وارتحلوا ; فهبت ريح عاصف على النار فأضرمت البيعة نارا ، فاحترقت ، فأتى الصريخ إلى النجاشي فأخبره ، فاستشاط غضبا . فأتاه أبرهة بن الصباح وحجر بن شرحبيل وأبو يكسوم الكنديون ; وضمنوا له إحراق الكعبة [ ص; 173 ] وسبي مكة . وكان النجاشي هو الملك ، وأبرهة صاحب الجيش ، وأبو يكسوم نديم الملك ، وقيل وزير ، وحجر بن شرحبيل من قواده ، وقال مجاهد ; أبو يكسوم هو أبرهة بن الصباح . فساروا ومعهم الفيل . قال الأكثرون ; هو فيل واحد . وقال الضحاك ; هي ثمانية فيلة . ونزلوا بذي المجاز ، واستاقوا سرح مكة ، وفيها إبل عبد المطلب . وأتى الراعي نذيرا ، فصعد الصفا ، فصاح ; واصباحاه ثم أخبر الناس بمجيء الجيش والفيل . فخرج عبد المطلب ، وتوجه إلى أبرهة ، وسأله في إبله . واختلف في النجاشي ، هل كان معهم ; فقال قوم كان معهم . وقال الأكثرون ; لم يكن معهم . ونظر أهل مكة بالطير قد أقبلت من ناحية البحر ; فقال عبد المطلب ; " إن هذه الطير غريبة بأرضنا ، وما هي بنجدية ولا تهامية ولا حجازية " وإنها أشباه اليعاسيب . وكان في مناقيرها وأرجلها حجارة ; فلما أطلت على القوم ألقتها عليهم ، حتى هلكوا . قال عطاء بن أبي رباح ; جاءت الطير عشية ; فباتت ثم صبحتهم بالغداة فرمتهم .وقال الكلبي ; في مناقيرها حصى كحصى الخذف ، أمام كل فرقة طائر يقودها ، أحمر المنقار ، أسود الرأس ، طويل العنق . فلما جاءت عسكر القوم وتوافت ، أهالت ما في مناقيرها على من تحتها ، مكتوب على كل حجر اسم صاحبه المقتول به . وقيل ; كان على كل حجر مكتوب ; من أطاع الله نجا ، ومن عصاه غوى . ثم انصاعت راجعة من حيث جاءت . وقال العوفي ; سألت عنها أبا سعيد الخدري ، فقال ; حمام مكة منها . وقيل ; كان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها ، ويقع في دماغه ، ويخرق الفيل والدابة . ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه . وكان أصحاب الفيل ستين ألفا ، لم يرجع منهم إلا أميرهم ، رجع ومعه شرذمة لطيفة . فلما أخبروا بما رأوا هلكوا .وقال الواقدي ; أبرهة جد النجاشي الذي كان في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبرهة هو الأشرم ، سمي بذلك لأنه تفاتن مع أرياط ، حتى تزاحفا ، ثم اتفقا على أن يلتقيا بشخصيهما ، فمن غلب فله الأمر . فتبارزا - وكان أرياط جسيما عظيما ، في يده حربة ، وأبرهة قصيرا حادرا ذا دين في النصرانية ، ومع أبرهة وزير له يقال له عتودة - فلما دنوا ضرب أرياط بحربته رأس أبرهة ، فوقعت على جبينه ، فشرمت عينه وأنفه وجبينه وشفته ; فلذلك سمي الأشرم .وحمل عتودة على أرياط فقتله . فاجتمعت الحبشة [ ص; 174 ] لأبرهة ; فغضب النجاشي ، وحلف ليجزن ناصية أبرهة ، ويطأن بلاده . فجز أبرهة ناصيته وملأ مزودا من تراب أرضه ، وبعث بهما إلى النجاشي ، وقال ; إنما كان عبدك ، وأنا عبدك ، وأنا أقوم بأمر الحبشة ، وقد جززت ناصيتي ، وبعثت إليك بتراب أرضي ، لتطأه وتبر في يمينك ; فرضي عنه النجاشي . ثم بنى أبرهة كنيسة بصنعاء ، ليصرف إليها حج العرب ; على ما تقدم .الرابعة ; قال مقاتل ; كان عام الفيل قبل مولد النبي صلى الله عليه بأربعين سنة . وقال الكلبي وعبيد بن عمير ; كان قبل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث وعشرين سنة . والصحيح ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ولدت عام الفيل . وروي عنه أنه قال ; يوم الفيل . حكاه الماوردي في التفسير له . وقال في كتاب أعلام النبوة ; ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ، وكان بعد الفيل بخمسين يوما . ووافق من شهور الروم العشرين من أسباط ، في السنة الثانية عشرة من ملك هرمز بن أنوشروان . قال ; وحكى أبو جعفر الطبري أن مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لاثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشروان . وقد قيل ; إنه - عليه السلام - حملت به أمه آمنة في يوم عاشوراء من المحرم ، وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ; فكانت مدة حمله ثمانية أشهر كملا ويومين من التاسع . وقيل ; إنه ولد يوم عاشوراء من شهر المحرم ; حكاه ابن شاهين أبو حفص ، في فضائل يوم عاشوراء له .ابن العربي ; قال ابن وهب عن مالك ; ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل ، وقال قيس بن مخرمة ; ولدت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل . وقد روى الناس عن مالك أنه قال ; من مروءة الرجل ألا يخبر بسنه ; لأنه إن كان صغيرا استحقروه وإن كان كبيرا استهرموه . وهذا قول ضعيف ; لأن مالكا لا يخبر بسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكتم سنه ; وهو من أعظم العلماء قدوة به . فلا بأس بأن يخبر الرجل بسنه كان كبيرا أو صغيرا . وقال عبد الملك بن مروان لعتاب بن أسيد ; أنت أكبر أم النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال ; النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر مني ، وأنا أسن منه ; ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل ، وأنا أدركت سائسه وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس ، وقيل لبعض القضاة ; كم سنك ؟ قال ; سن عتاب بن أسيد حين ولاه النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة ، وكان سنه يومئذ دون العشرين .الخامسة ; قال علماؤنا ; كانت قصة الفيل فيما بعد من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت قبله وقبل التحدي ; لأنها كانت توكيدا لأمره ، وتمهيدا لشأنه . ولما تلا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه السورة ، كان بمكة عدد كثير ممن شهد تلك الوقعة ; ولهذا قال ; ألم تر ولم يكن بمكة أحد إلا وقد رأى قائد الفيل وسائقه أعميين يتكففان الناس . وقالت عائشة - رضي الله عنها - مع [ ص; 175 ] حداثة سنها ; لقد رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين يستطعمان الناس . وقال أبو صالح ; رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب نحوا من قفيزين من تلك الحجارة ، سودا مخططة بحمرة .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه; أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; ألم تنظر يا محمد بعين قلبك, فترى بها( كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) الذين قَدِموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحبشة ورئيسهم أبرهة الحبشيّ الأشرم .
أي: أما رأيت من قدرة الله وعظيم شأنه، ورحمته بعباده، وأدلة توحيده، وصدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ما فعله الله بأصحاب الفيل، الذين كادوا بيته الحرام وأرادوا إخرابه، فتجهزوا لأجل ذلك، واستصحبوا معهم الفيلة لهدمه، وجاءوا بجمع لا قبل للعرب به، من الحبشة واليمن، فلما انتهوا إلى قرب مكة، ولم يكن بالعرب مدافعة، وخرج أهل مكة من مكة خوفًا على أنفسهم منهم.
(الهمزة) للاستفهام التقريريّ ،
(كيف) اسم استفهام في محلّ نصب مفعول مطلق نائب عن المصدر أي فعل فعلا عظيما ،
(بأصحاب) متعلّق بـ (فعل) ..
جملة: «لم تر ... » لا محلّ لها ابتدائيّة.
وجملة: «فعل ربّك ... » في محلّ نصب سدّت مسدّ مفعولي تر المعلّق بالاستفهام كيف.
- القرآن الكريم - الفيل١٠٥ :١
Al-Fil105:1