قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِىٓ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيًّا ۖ إِنَّ رَبِّى بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
قَالَ يٰقَوۡمِ اَرَهۡطِىۡۤ اَعَزُّ عَلَيۡكُمۡ مِّنَ اللّٰهِ ؕ وَ اتَّخَذۡتُمُوۡهُ وَرَآءَكُمۡ ظِهۡرِيًّا ؕ اِنَّ رَبِّىۡ بِمَا تَعۡمَلُوۡنَ مُحِيۡطٌ
تفسير ميسر:
قال; يا قوم أعشيرتي أعزُّ وأكرم عليكم من الله؟ ونبذتم أمر ربكم فجعلتموه خلف ظهوركم، لا تأتمرون به ولا تنتهون بنهيه، إن ربي بما تعملون محيط، لا يخفى عليه من أعمالكم مثقال ذرة، وسيجازيكم عليها عاجلا وآجلا.
"قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله" يقول أتتركوني لأجل قومي ولا تتركوني إعظاما لجناب الرب تبارك وتعالى أن تنالوا نبيه بمساءة وقد أتخذتم كتاب الله "وراءكم ظهريا" أي نبذتموه خلفكم ولا تطيعونه ولا تعظمونه "وإن ربي بما تعلمون محيط" أي هو يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم.
قوله تعالى ; قال يا قوم أرهطي أرهطي رفع بالابتداء ; والمعنى أرهطي في قلوبكمأعز عليكم من الله وأعظم وأجل وهو يملككم .واتخذتموه وراءكم ظهريا أي اتخذتم ما جئتكم به من أمر الله ظهريا ; أي جعلتموه وراء ظهوركم ، وامتنعتم من قتلي مخافة قومي يقال ; جعلت أمره بظهر إذا قصرت فيه ، وقد مضى في " البقرة " ،إن ربي بما تعملون أي من الكفر والمعصية ." محيط " أي عليم . وقيل ; حفيظ .
القول في تأويل قوله تعالى ; قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; قال شعيب لقومه; يا قوم ، أعزّزتم قومكم، فكانوا أعزّ عليكم من الله، واستخففتم بربكم، فجعلتموه خلف ظهوركم، لا تأتمرون لأمره ولا تخافون عقابه، ولا تعظِّمونه حق عظَمته؟* * *يقال للرجل إذا لم يقض حاجة الرجل; " نَبَذ حاجته وراء ظهره " ، (9) أي ; تركها لا يلتفت إليها. و إذا قضاها قيل; " جعلها أمامه ، ونُصْب عينيه " ، ويقال; " ظَهَرتَ بحاجتي " و " جعلتها ظِهْرِيَّة " ، أي ; خلف ظهرك، كما قال الشاعر; (10)*وَجَدْنَا بَنِي البَرْصَاءِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ* (11)بمعنى; أنهم يَظْهَرون بحوائجِ النّاس فلا يلتفتون إليها.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك ;18515- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس; (قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعز عليهم من الله، وصَغُر شأن الله عندهم ، عزَّ ربُّنا وجلَّ.18516- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس; (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال; قَفًا. (12)18517- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة; (يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، يقول; عززتم قومكم، وأظهرْتم بربكم.18518- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة; (واتخذتموه وراءكم ظهريا) ، قال; لم تراقبوه في شيء إنما تراقبون قومي (واتخذتموه وراءكم ظهريا) ، يقول; عززتم قومكم وأظهرتم بربكم.18519- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة; (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال; لم تراقبوه في شيء، إنما تراقبون قومي ، (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا )، لا تخافونه18520- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله; (أرهطي أعز عليكم من الله) ، قال; أعززتم قومكم ، واغتررتم بربكم، سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل قال; قال سفيان; (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، كما يقول الرجل للرجل; " خلَّفتَ حاجتي خلفَ ظهرك "، ( واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، استخففتم بأمره. فإذا أراد الرجل قضاء حاجةِ صاحبه جعلها أمامه بين يديه، ولم يستخفَّ بها.18521- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال; " الظهْريّ" ، الفَضْل، مثل الجمّال يخرج معه بإبل ظَهَارَّية ، (13) فضل ، لا يحمل عليها شيئًا ، إلا أن يحتاج إليها. قال; فيقول; إنما ربكم عندكم مثل هذا ، إن احتجتم إليه. وإن لم تحتاجوا إليه فليس بشيء.* * *وقال آخرون; معنى ذلك; واتخذتم ما جاء به شعيبٌ وراءكم ظهريًّا ، فالهاء في قوله; (واتخذتموه) ، على هذا من ذكر ما جاء به شعيب.*ذكر من قال ذلك ;18522- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، قال; تركتم ما جاء به شعيب18523-. . . . قال، حدثنا جعفر بن عون، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد قال; نبذوا أمره.18524- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد; (واتخذتموه وراءكم ظهريا) ، قال; نبذتم أمره.18525- حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، قال; همَّ رهط شعيب بتركهم ما جاء به وراء ظهورهم ظهريًّا.18526- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال ،18527- . . . . وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال; استثناؤهم رهط شعيب، وتركهم ما جاءَ به شعيب وراء ظهورهم ظهريًّا.* * *قال أبو جعفر; وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك ، لقرب قوله; (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، من قوله; (أرهطي أعز عليكم من الله) ، فكانت الهاء في قوله ; (واتخذتموه) ، بأن تكون من ذكر الله ، لقرب جوارها منه ، أشبهَ وأولى.* * *وقوله; (إن ربي بما تعملون محيط) ، يقول; إن ربي محيط علمه بعملكم، (14) فلا يخفى عليه منه شيء، وهو مجازيكم على جميعه عاجلا وآجلا.-------------------الهوامش ;(9) انظر تفسير " نبذه وراء ظهره " فيما سلف 1 ; 403 ، 404 / 7 ; 458 ، 459 ، 463 .(10) هو أرطاة بن سهية المري .(11) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 ; 298 ، واللسان ( ظهر ) ، وكان أرطاة يهاجي شبيب بن البرصاء ، وهما جميعًا من بني مرة بن سعد بن ذبيان ، والهجاء بينهما كثير ، وهذا منه . انظر الأغاني 13 ; 29 - 44 ( دار الكتب ) ترجمة أرطاة بن سهية ، والأغاني 12 ; 271 - 281 ( ساسي ) ترجمة شبيب بن البرصاء . وصدر البيت ;* فَمَـنْ مُبْلِـغٌ أبْنَـاءَ مُـرَّة أنَّنَـا *(12) هكذا في المطبوعة ، ولها معنى ، ولكن الذي في المخطوطة ; " قصي " ، وكأنه أراد " قصيا " ، وهذا عندي أحب .(13) هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة ; " ظهارية " ، ولكن اللغة على أن جمع " ظهري " ، " ظهاري " ، فزيادة التاء هنا ضعيفة الوجه .(14) انظر تفسير " محيط " فيما سلف ص; 445 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .
فـ { قَالَ ْ} لهم مترققا لهم: { يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ ْ} أي: كيف تراعوني لأجل رهطي، ولا تراعوني لله، فصار رهطي أعز عليكم من الله. { وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ْ} أي: نبذتم أمر الله، وراء ظهوركم، ولم تبالوا به، ولا خفتم منه. { إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ْ} لا يخفى عليه من أعمالكم مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فسيجازيكم على ما عملتم أتم الجزاء.
(قال يا قوم) مرّ إعرابها ،
(الهمزة) للاستفهام
(رهطي) مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على ما قبل الياء.. و (الياء) مضاف إليه
(أعزّ) خبر مرفوع
(على) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بأعزّ
(من الله) جارّ ومجرور متعلّق بأعزّ
(الواو) واو الحالـ (اتّخذتم) فعل ماض وفاعله و (الواو) زائدة، إشباع حركة الميم
(الهاء) ضمير مفعول به
(وراءكم) ظرف منصوب متعلّق بـ (اتّخذتم) . و (كم) ضمير مضاف إليه
(ظهريّا) مفعول به ثان منصوب لفعل اتّخذتم ،
(إنّ) حرف مشبّه بالفعلـ (ربّي) اسم إنّ منصوب وعلامة النصب الفتحةالمقدّرة.. و (الياء) مضاف إليه
(الباء) حرف جرّ
(ما) حرف مصدريّ ،
(تعملون) مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (محيط) خبر إنّ مرفوع.
والمصدر المؤوّلـ (ما تعملون) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بمحيط.
جملة: «قال ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يا قوم ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «أرهطي أعزّ ... » لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «اتّخذتموه ... » في محلّ نصب حال بتقدير
(قد) .
وجملة: «إنّ ربّي.. محيط» لا محلّ لها استئناف في حيّز القول.
وجملة: «تعملون» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الحرفيّ أو الاسميّ.