وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِۦٓ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ
وَقَالَ الۡمَلِكُ ائۡتُوۡنِىۡ بِهٖۤ اَسۡتَخۡلِصۡهُ لِنَفۡسِىۡۚ فَلَمَّا كَلَّمَهٗ قَالَ اِنَّكَ الۡيَوۡمَ لَدَيۡنَا مَكِيۡنٌ اَمِيۡنٌ
تفسير ميسر:
وقال الملك الحاكم لـ "مصر" حين بلغته براءة يوسف; جيئوني به أجعله من خلصائي وأهل مشورتي، فلما جاء يوسف وكلَّمه الملك، وعرف براءته، وعظيم أمانته، وحسن خلقه، قال له; إنك اليوم عندنا عظيم المكانة، ومؤتمن على كل شيء.
يقول تعالى إخبارا عن الملك حين تحقق براءة يوسف عليه السلام ونزاهة عرضه مما نسب إليه قال " ائتوني به أستخلصه لنفسي " أي أجعله من خاصتي وأهل مشورتي " فلما كلمه " أي خاطبه الملك وعرفه رأى فضله وبراعته وعلم ما هو عليه من خلق وخلق وكمال قال له الملك " إن اليوم ليدينا مكين أمين " أي إنك عندنا قد بقيت ذا مكانه وأمانه.
قوله تعالى ; وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قوله تعالى ; وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي لما ثبت للملك براءته مما نسب إليه ; وتحقق في القصة أمانته ، وفهم أيضا صبره وجلده عظمت منزلته عنده ، وتيقن حسن خلاله قال ; ائتوني به أستخلصه لنفسي فانظر إلى قول الملك أولا - حين تحقق علمه - ائتوني به فقط ، فلما فعل يوسف ما فعل ثانيا قال ; ائتوني به أستخلصه لنفسي وروي عن وهب بن منبه قال ; لما دعي يوسف وقف بالباب فقال ; حسبي ربي من خلقه ، عز جاره وجل ثناؤه ولا إله غيره . ثم دخل فلما نظر إليه الملك نزل عن سريره فخر له ساجدا ; ثم أقعده الملك معه على سريره فقال . إنك اليوم لدينا مكين أمين قال له يوسف اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ للخزائن عليم بوجوه تصرفاتها . وقيل ; حافظ للحساب ، عليم بالألسن . وفي الخبر ; يرحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكن أخر ذلك سنة . وقيل ; إنما تأخر تمليكه إلى سنة لأنه لم يقل إن شاء الله . وقد قيل في هذه القصة ; إن يوسف - عليه السلام - لما دخل على الملك قال ; اللهم إني أسألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بك من شره وشر غيره ; ثم سلم على الملك بالعربية فقال ; ما هذا اللسان ؟ قال ; هذا لسان عمي إسماعيل ، ثم دعا له بالعبرانية فقال ; ما هذا اللسان ؟ قال ; لسان آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ; وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا ، فكلما تكلم الملك بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان ، فأعجب الملك أمره ، وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة ; ثم أجلسه على سريره وقال ; أحب أن أسمع منك رؤياي ، قال يوسف نعم أيها الملك ! رأيت سبع بقرات سمان شهبا غرا حسانا ، كشف لك عنهن النيل فطلعن عليك من شاطئه تشخب أخلافها لبنا ; فبينا أنت تنظر إليهن وتتعجب من حسنهن إذ نضب النيل فغار ماؤه ، وبدا أسه ، فخرج من حمئه ووحله سبع بقرات عجاف شعث غبر مقلصات البطون ، ليس لهن ضروع ولا أخلاف ، لهن أنياب وأضراس ، وأكف كأكف الكلاب وخراطيم [ ص; 185 ] كخراطيم السباع ، فاختلطن بالسمان فافترسنهن افتراس السباع ، فأكلن لحومهن ، ومزقن جلودهن ، وحطمن عظامهن ، ومشمشن مخهن ; فبينا أنت تنظر وتتعجب كيف غلبنهن وهن مهازيل ! ثم لم يظهر منهن سمن ولا زيادة بعد أكلهن ! إذا بسبع سنابل خضر طريات ناعمات ممتلئات حبا وماء ، وإلى جانبهن سبع يابسات ليس فيهن ماء ولا خضرة في منبت واحد ، عروقهن في الثرى والماء ، فبينا أنت تقول في نفسك ; أي شيء هذا ؟ ! هؤلاء خضر مثمرات ، وهؤلاء سود يابسات ، والمنبت واحد ، وأصولهن في الماء ، إذ هبت ريح فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات ، فأشعلت فيهن النار فأحرقتهن ; فصرن سودا مغبرات ; فانتبهت مذعورا أيها الملك ; فقال الملك ; والله ما شأن هذه الرؤيا وإن كان عجبا بأعجب مما سمعت منك ! فما ترى في رؤياي أيها الصديق ؟ فقال يوسف ; أرى أن تجمع الطعام ، وتزرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة ; فإنك لو زرعت على حجر أو مدر لنبت ، وأظهر الله فيه النماء والبركة ، ثم ترفع الزرع في قصبه وسنبله تبني له المخازن العظام ; فيكون القصب والسنبل علفا للدواب ، وحبه للناس ، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم إلى أهرائك الخمس ; فيكفيك من الطعام الذي جمعته لأهل مصر ومن حولها ، ويأتيك الخلق من النواحي يمتارون منك ، ويجتمع عندك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد قبلك ; فقال الملك ; ومن لي بتدبير هذه الأمور ؟ ولو جمعت أهل مصر جميعا ما أطاقوا ، ولم يكونوا فيه أمناء ; فقال يوسف - عليه السلام - عند ذلك ; اجعلني على خزائن الأرض أي على خزائن أرضك ; وهي جمع خزانة ; ودخلت الألف واللام عوضا من الإضافة ، كقول النابغة ;لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأحلام غير كواذبقوله تعالى ; أستخلصه لنفسي جزم لأنه جواب الأمر ; وهذا يدل على أن قوله ; ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب جرى في السجن . ويحتمل أنه جرى عند الملك ثم قال في مجلس آخر ; ائتوني به تأكيدا أستخلصه لنفسي أي أجعله خالصا لنفسي ، أفوض إليه أمر مملكتي ; فذهبوا فجاءوا به ; ودل على هذا قوله ; " فلما كلمه " أي كلم الملك يوسف ، وسأله عن الرؤيا فأجاب يوسف ; ف " قال " الملك ; إنك اليوم لدينا مكين أمين أي متمكن نافذ القول ، أمين لا تخاف غدرا .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; " وقال الملك " ، يعني ملك مصر الأكبر ، وهو فيما ذكر ابن إسحاق; الوليد بن الرّيان .19446 - حدثنا بذلك ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عنه.* * *، حين تبين عذر يوسف ، وعرف أمانته وعلمه، قال لأصحابه; (ائتوني به أستخلصه لنفسي)، يقول; أجعله من خُلصائي دون غيري.* * *وقوله; (فلما كلمه)، يقول; فلما كلم الملك يوسفَ ، وعرف براءته وعِظَم أمانته قال له; إنك يا يوسف،" لدينا مكين أمين " ، أي; متمكن مما أردت، وعرض لك من حاجة قبلنا ، لرفعة مكانك ومنـزلتك، لدينا ، أمين على ما أؤتمنت عليه من شيء .19447 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال; لما وجد الملك له عذرًا قال; (ائتوني به أستخلصه لنفسي).19448 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله; (أستخلصه لنفسي)، يقول; أتخذه لنفسي.19449- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل قال الملك; ( ائتوني به أستخلصه لنفسي) قال; قال له الملك; إني أريد أن أخلصك لنفسي ، غير أني آنَفُ أن تأكُل معي.فقال يوسف; أنا أحق أن آنفَ ، أنا ابن إسحاق ، أو; أنا ابن إسماعيل ، أبو جعفر شكَّ ، وفي كتابي; ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله.19450- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثني أبي ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل بنحوه ، غير أنه قال; أنا ابن إبراهيم خليل الله، ابن إسماعيل ذبيح الله.19451- حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل قال; قال العزيز ليوسف; ما من شيء إلا وأنا أحبُّ أن تشركني فيه ، إلا أني أحب أن لا تشركني في أهلي ، وأن لا يأكل معي عَبْدي ! قال; أتأنف أن آكل معك؟ فأنا أحق أن آنف منك ، أنا ابن إبراهيم خليل الله ، وابن إسحاق الذبيح ، وابن يعقوب الذي ابيضت عيناه من الحزن.19452 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا سفيان بن عقبة ، عن حمزة الزيات ، عن ابن إسحاق ، عن أبي ميسرة قال; لما رأى العزيز لَبَقَ يوسف وكيسه وظَرْفه ، دعاه فكان يتغدى ويتعشى معه دون غلمانه. فلما كان بينه وبين المرأة ما كان ، قالت له; تُدْنِي هذا! مُرْهُ فليتغدَّ مع الغلمان. قال له; اذهب فتغدَّ مع الغلمان. فقال له يوسف في وجهه; ترغب أن تأكل معي ، أو تَنْكَف (2) ، أنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله ، ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله.* * *----------------------الهوامش;(2) يقال ;" نكف من الشيء" و" استنكف منه" بمعنى واحد .
فلما تحقق الملك والناس براءة يوسف التامة، أرسل إليه الملك وقال: { ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } أي: أجعله خصيصة لي ومقربا لديَّ فأتوه به مكرما محترما، { فَلَمَّا كَلَّمَهُ } أعجبه كلامه، وزاد موقعه عنده فقال له: { إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا } أي: عندنا { مَكِينٌ أَمِينٌ } أي: متمكن، أمين على الأسرار
(الواو) استئنافيّة
(قال) فعل ماض
(الملك) فاعل مرفوع
(ائتوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون. والواو فاعل و (النون) للوقاية و (الياء) ضمير في محلّ نصب مفعول به
(الباء) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (ائتوني) ،
(أستخلصه) مضارع مجزوم بجواب الطلب، و (الهاء) ضمير في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا
(لنفسي) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أستخلصه) ، و (الياء) ضمير في محلّ جر مضاف إليه
(الفاء) عاطفة
(لمّا) ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بـ (قال) ،
(كلّمه) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، أي الملك .. و (الهاء) مفعول به
(قال) مثل كلّم، والفاعل هو أي الملك
(إنّك) حرف مشبّه بالفعل ... و (الكاف) اسم إنّ في محلّ نصبـ (اليوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (مكين)
(لدينا) ظرف مكان مبنيّ على السكونفي محلّ نصب متعلّق بمكين ... و (نا) ضمير في محلّ جرّ مضاف إليه
(مكين) خبر إنّ مرفوع
(أمين) خبر ثان مرفوع.
جملة: «قال الملك ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ائتوني به ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «أستخلصه ... » لا محلّ لها جواب شرط مقدّر غير مقترنة بالفاء.
وجملة: «كلّمه ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «قال ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم
(لمّا) .
وجملة: «إنّك ... مكين» في محلّ نصب مقول القول.