الرسم العثمانيوَمَا خَلَقْنَا السَّمٰوٰتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَءَاتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ
الـرسـم الإمـلائـيوَمَا خَلَقۡنَا السَّمٰوٰتِ وَالۡاَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَاۤ اِلَّا بِالۡحَـقِّ ؕ وَاِنَّ السَّاعَةَ لَاٰتِيَةٌ فَاصۡفَحِ الصَّفۡحَ الۡجَمِيۡلَ
تفسير ميسر:
وما خلَقْنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق دالتين على كمال خالقهما واقتداره، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له. وإن الساعة التي تقوم فيها القيامة لآتية لا محالة؛ لتوفَّى كل نفس بما عملت، فاعف -أيها الرسول- عن المشركين، واصفح عنهم وتجاوز عما يفعلونه.
يقول تعالى " وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية " أي بالعدل " ليجزي الذين أساءوا بما عملوا " الآية وقال تعالى " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار وقال تعالى أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم " ثم أخبر نبيه بقيام الساعة وأنها كائنة لا محالة ثم أمره بالصفح الجميل عن المشركين في أذاهم له وتكذيبهم ما جاءهم به كقوله " فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون " وقال مجاهد وقتادة وغيرهما كان هذا قبل القتال وهو كما قالا فإن هذه مكية والقتال إنما شرع بعد الهجرة.
قوله تعالى ; وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميلقوله تعالى ; وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق أي للزوال والفناء . وقيل ; أي لأجازي المحسن والمسيء ; كما قال ; ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .وإن الساعة لآتية أي لكائنة فيجزى كل بعمله .فاصفح الصفح الجميل مثل واهجرهم هجرا جميلا أي تجاوز عنهم يا محمد ، واعف عفوا حسنا ; ثم نسخ بالسيف . قال قتادة ; نسخه قوله ;[ ص; 50 ] فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم . وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم ; لقد جئتكم بالذبح وبعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة ; قاله عكرمة ومجاهد . وقيل ; ليس بمنسوخ ، وأنه أمر بالصفح في حق نفسه فيما بينه وبينهم . والصفح ; الإعراض عن الحسن وغيره .
يقول تعالى ذكره; وما خلقنا الخلائق كلها، سماءها وأرضَها، ما فيهما وما بينهما ، يعني بقوله ( وَمَا بَيْنَهُمَا ) مما في أطباق ذلك ( إِلا بِالْحَقِّ ) يقول; إلا بالعدل والإنصاف، لا بالظلم والجور ، وإنما يعني تعالى ذكره بذلك; أنه لم يظلم أحدا من الأمم التي اقتصّ قَصَصَهَا في هذه السورة ، وقصص إهلاكه إياها بما فعل به من تعجيل النقمة له على كفره به، فيعذّبه ويهلكه بغير استحقاق ، لأنه لم يخلق السموات والأرض وما بينهما بالظلم والجور، ولكنه خلق ذلك بالحقّ والعدل. وقوله ( وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; وإن الساعة، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة لجائية، فارض بها لمشركي قومك الذين كذّبوك ، وردّوا عليك ما جئتهم به من الحقّ ، ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) يقول; فأعرض عنهم إعراضا جميلا واعف عنهم عفوًا حسنا وقوله ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ ) يقول تعالى ذكره; إن ربك هو الذي خلقهم وخلق كلّ شيء، وهو عالم بهم وبتدبيرهم ، وما يأتون من الأفعال ، وكان جماعة من أهل التأويل تقول; هذه الآية منسوخة.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) ثم نسخ ذلك بعد، فأمره الله تعالى ذكره بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، لا يقبل منهم غيره.حدثني المثنى، قال; ثنا سويد بن نصر، قال; أخبرنا ابن المبارك ، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) ، فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ و قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ وهذا النحوُ كله في القرآن أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك منه، حتى أمره بالقتال، فنسخ ذلك كله. فقال وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ .حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) قال; هذا قبل القتال.حدثني المثنى، قال; أخبرنا إسحاق، قال ; ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان بن عيينة، في قوله; ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) وقوله وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ قال; كان هذا قبل أن ينـزل الجهاد. فلما أمر بالجهاد قاتلهم فقال; " أَنَا نَبِيُّ الرّحْمَةِ ونَبِيُّ المَلْحَمَةِ، وبُعِثْتُ بالحصادِ وَلمْ أبْعَثْ بالزِّرَاعَةِ".
أي: ما خلقناهما عبثا وباطلا كما يظن ذلك أعداء الله، بل ما خلقناهما { إِلَّا بِالْحَقِّ } الذي منه أن يكونا بما فيهما دالتين على كمال خالقهما، واقتداره، وسعة رحمته وحكمته، وعلمه المحيط، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، { وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ } لا ريب فيها لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } وهو الصفح الذي لا أذية فيه بل يقابل إساءة المسيء بالإحسان، وذنبه بالغفران، لتنال من ربك جزيل الأجر والثواب، فإن كل ما هو آت فهو قريب، وقد ظهر لي معنى أحسن مما ذكرت هنا. وهو: أن المأمور به هو الصفح الجميل أي: الحسن الذي قد سلم من الحقد والأذية القولية والفعلية، دون الصفح الذي ليس بجميل، وهو الصفح في غير محله، فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة، كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم إلا العقوبة، وهذا هو المعنى.
(الواو) استئنافيّة
(ما خلقنا) مثل ما أغنى.. و (نا) فاعلـ (السموات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة
(الأرض) معطوف على السموات بالواو منصوبـ (الواو) عاطفة
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب معطوف على السموات
(بينهما) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف صلة ما..
و (هما) ضمير مضاف إليه
(إلّا) أداة حصر
(بالحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف مفعول مطلق أي إلّا خلقا ملتبسا بالحقّ
(الواو) عاطفة
(إنّ) حرف توكيد ونصبـ (الساعة) اسم إنّ منصوبـ (اللام) المزحلقة للتوكيد
(آتية) خبر مرفوع
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(اصفح) فعل أمر، والفاعل أنت
(الصفح) مفعول مطلق منصوبـ (الجميل) نعت للصفح منصوب.
جملة: «ما خلقنا.. إلّا» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «إنّ الساعة لآتية» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «اصفح ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن أوذيت فاصفح.
(إنّ ربّك) مثل إنّ الساعة.. و (الكاف) مضاف إليه
(هو) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ ،
(الخلّاق) خبر المبتدأ هو، مرفوع
(العليم) خبر ثان مرفوع.
وجملة: «إنّ ربّك ... » لا محلّ لها تعليليّة للأمر المتقدّم.
وجملة: «هو الخلّاق ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
- القرآن الكريم - الحجر١٥ :٨٥
Al-Hijr15:85