أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
اَفَمَنۡ يَّخۡلُقُ كَمَنۡ لَّا يَخۡلُقُؕ اَفَلَا تَذَكَّرُوۡنَ
تفسير ميسر:
أتجعلون الله الذي يخلق كل هذه الأشياء وغيرها في استحقاق العبادة كالآلهة المزعومة التي لا تخلق شيئًا؟ أفلا تتذكرون عظمة الله، فتفردوه بالعبادة؟
ثم نبه تعالى على عظمته وأنه لا تنبغي العبادة إلا له دون ما سواه من الأوثان التي لا تخلق شيئا بل هم يخلقون ولهذا قال "أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون".
قوله تعالى ; أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون قوله - تعالى - ; أفمن يخلق هو الله - تعالى - . كمن لا يخلق يريد الأصنام . أفلا تذكرون أخبر عن الأوثان التي لا تخلق ولا تضر ولا تنفع ، كما يخبر عمن يعقل على ما تستعمله العرب في ذلك ; فإنهم كانوا يعبدونها فذكرت بلفظ من كقوله ; ألهم أرجل . وقيل ; لاقتران الضمير في الذكر بالخالق . قال الفراء ; هو كقول العرب ; اشتبه علي الراكب [ ص; 85 ] وجمله فلا أدري من ذا ومن ذا ; وإن كان أحدهما غير إنسان . قال المهدوي ; ويسأل ب " من " عن البارئ - تعالى - ولا يسأل عنه ب " ما " ; لأن " ما " إنما يسأل بها عن الأجناس ، والله - تعالى - ليس بذي جنس ، ولذلك أجاب موسى - عليه السلام - حين قال له ; فمن ربكما ياموسى ولم يجب حين قال له ; وما رب العالمين إلا بجواب " من " وأضرب عن جواب ما حين كان السؤال فاسدا . ومعنى الآية ; من كان قادرا على خلق الأشياء المتقدمة الذكر كان بالعبادة أحق ممن هو مخلوق لا يضر ولا ينفع ; هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه أروني ماذا خلقوا من الأرض .
يقول تعالى ذكره لعبدة الأوثان والأصنام; أفمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم وينعم عليكم هذه النعم العظيمة، كمن لا يخلق شيئا ولا ينعم عليكم نعمة صغيرة ولا كبيرة؟ يقول; أتشركون هذا في عبادة هذا؟ يعرّفهم بذلك عظم جهلهم ، وسوء نظرهم لأنفسهم ، وقلَّة شكرهم لمن أنعم عليهم بالنعم التي عدّدها عليهم ، التي لا يحصيها أحد غيره، قال لهم جلّ ثناؤه موبخهم (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أيها الناس يقول; أفلا تذكرون نعم الله عليكم ، وعظيم سُلطانه وقُدرته على ما شاء، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها، وأنها لا تجلب إلى نفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرّا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه مقيمون من عبادتكموها وإقراركم لها بالألوهة؟كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) والله هو الخالق الرازق، وهذه الأوثان التي تعبد من دون الله تخلق ولا تخلق شيئا، ولا تملك لأهلها ضرّا ولا نفعا، قال الله (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) . وقيل (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) هو الوثن والصنم، و " من " لذوي التمييز خاصة، فجعل في هذا الموضع لغيرهم للتمييز، إذ وقع تفصيلا بين من يخلق ومن لا يخلق ، ومحكيّ عن العرب; اشتبه عليّ الراكب وجمله، فما أدرى من ذا ومن ذا، حيث جمعا ، وأحدهما إنسان حسنت من فيهما جميعا. ومنه قول الله عزّ وجلّ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ وقوله .
لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة، وما أنعم به من النعم العميمة ذكر أنه لا يشبهه أحد ولا كفء له ولا ند له فقال: { أَفَمَنْ يَخْلُقُ } جميع المخلوقات وهو الفعال لما يريد { كَمَنْ لَا يَخْلُقُ } شيئا لا قليلا ولا كثيرا، { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } فتعرفون أن المنفرد بالخلق أحق بالعبادة كلها، فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره فإنه واحد في إلهيته وتوحيده وعبادته.
(الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ
(الفاء) استئنافيّة
(من) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(يخلق) مضارع مرفوع، والفاعل هو وهو العائد
(الكاف) حرف جرّ
(من) موصول في محلّ جرّ متعلّق بخبر المبتدأ
(لا) نافية
(يخلق) مثل الأولـ (الهمزة) مثل الأولى
(الفاء) عاطفة
(لا) مثل الأولى
(تذكّرون) مضارع مرفوع.. و (الواو) فاعل.
جملة: «من يخلق كمن لا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يخلق ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة: «لا يخلق ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من)
(الثاني) .
وجملة: «تذكّرون» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة .
البلاغة1- التشبيه المقلوب: وذلك في قوله تعالى أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ إذ مقتضى الظاهر عكسه، لأن الخطاب لعباد الأوثان، حيث سموها آله تشبيها به تعالى، فجعلوا غير الخالق كالخالق، فجاءت المخالفة في الخطاب، كأنهم لمبالغتهم في عبادتها ولإسفافهم- بالتالي- وارتكاس عقولهم صارت عندهم كالأصل، وصار الخالق الحقيقي هو الفرع، فجاء الإنكار على وفق ذلك.
2- التغليب: في الآية الكريمة.
حيث أتى «بمن» تغليبا لذوي العلم على غيرهم، مع ما فيه من المشاكلة، أو ذوو العلم خاصة، ويعرف منه حال غيرهم بدلالة النص، فإن من يخلق حيث لم يكن كمن لا يخلق وهو من جملة ذوي العلم. فما ظنك بالجماد.
فالمراد إذا بمن لا يخلق الأصنام، وجاء بمن الذي هو للعقلاء ذوي العلم، وذلك لأنهم لما عبدوها وسموها آلهة، أجروها مجرى أولى العلم، فجيء بمن على اعتقادهم، ووفق ما هو مركوز في سلائقهم.