الرسم العثمانيوَرَبَطْنَا عَلٰى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمٰوٰتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَا۠ مِن دُونِهِۦٓ إِلٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَآ إِذًا شَطَطًا
الـرسـم الإمـلائـيوَّرَبَطۡنَا عَلٰى قُلُوۡبِهِمۡ اِذۡ قَامُوۡا فَقَالُوۡا رَبُّنَا رَبُّ السَّمٰوٰتِ وَالۡاَرۡضِ لَنۡ نَّدۡعُوَا۫ مِنۡ دُوۡنِهٖۤ اِلٰهًـا لَّـقَدۡ قُلۡنَاۤ اِذًا شَطَطًا
تفسير ميسر:
وقوَّينا قلوبهم بالإيمان، وشددنا عزيمتهم به، حين قاموا بين يدي الملك الكافر، وهو يلومهم على تَرْكِ عبادة الأصنام فقالوا له; ربنا الذي نعبده هو رب السموات والأرض، لن نعبد غيره من الآلهة، لو قلنا غير هذا لكُنَّا قد قلنا قولا جائرًا بعيدًا عن الحق.
وقوله " وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض " يقول تعالى وصبرناهم على مخالفة قومهم ومدينتهم ومفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد والسعادة والنعمة فإنه قد ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم و أنهم خرجوا يوما في بعض أعياد قومهم وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون فيه في ظاهر البلد وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت ويذبحون لها وكان لهم ملك جبار عنيد يقال له دقيانوس وكان يأمر الناس بذلك ويحثهم عليه ويدعوهم إليه فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم عرفوا أن هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها لا ينبغي إلا لله الذي خلق السموات والأرض فجعل كل واحد منهم يتخلص من قومه وينحاز منهم ويتبرز عنهم ناحية فكان أول من جلس منهم وحده أحدهم جلس تحت ظل شجرة فجاء الآخر فجلس إليها عنده وجاء الآخر فجلس إليهما وجاء الآخر فجلس إليهم وجاء الآخر وجاء الأخر ولا يعرف واحد منهم الآخر وإنما جمعهم هناك الذي جمع قلوبهم على الإيمان كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري تعليقًا من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف "وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث سهيل عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يقولون الجنسية علة الضم; والغرض أنه جعل كل أحد منهم يكتم ماهو عليه عن أصحابه خوفًا منهم ولا يدري أنهم مثله حتى قال أحدهم; تعلمون والله ياقوم إنه ما أخرجكم من قومكم وأفردكم عنهم إلا شيء فليظهر كل واحد منكم بأمره فقال آخر; أما أنا فإني والله رأيت ما قومي عليه فعرفت أنه باطل وإنما الذي يستحق أن يعبد وحده ولايشرك به شيئًا هو الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما وقال الآخر; وأنا والله وقع لي كذلك وقال الآخر كذلك حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة فصاروا يدًا واحدة وإخوان صدق فاتخذوا لهم معبدًا يعبدون الله فيه فعرف بهم قومهم فوشوا بأمرهم إلى ملكهم فاستحضرهم بين يديه فسألهم عن أمرهم وما هم عليه فأجابوه بالحق ودعوه إلى الله عز وجل ولهذا أخبر تعالى عنهم;بقوله " وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والارض لن ندعو من دونه إلها " ولن لنفي التأبيد أي لا يقع منا هذا أبدًا لأنا لو فعلنا ذلك لكان باطلاولهذا قال عنهم " لقد قلنا إذا شططا" أي باطلاً وكذبًا وبهتانًا.
قوله تعالى ; وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططاقوله تعالى ; وربطنا على قلوبهم عبارة عن شدة عزم وقوة صبر ، أعطاها الله لهم حتى قالوا بين يدي الكفار ; ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا . [ ص; 328 ] ولما كان الفزع وخور النفس يشبه بالتناسب الانحلال حسن في شدة النفس وقوة التصميم أن يشبه الربط ; ومنه يقال ; فلان رابط الجأش ، إذا كان لا تفرق نفسه عند الفزع والحرب وغيرها . ومنه الربط على قلب أم موسى . وقوله - تعالى - ; وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام وقد تقدم .قوله تعالى ; إذ قاموا فقالوا فيه مسألتان ;الأولى ; قوله - تعالى - ; إذ قاموا فقالوا يحتمل ثلاثة معان ; أحدها ; أن يكون هذا وصف مقامهم بين يدي الملك الكافر - كما تقدم ، وهو مقام يحتاج إلى الربط على القلب حيث خالفوا دينه ، ورفضوا في ذات الله هيبته . والمعنى الثاني فيما قيل ; إنهم أولاد عظماء تلك المدينة ، فخرجوا واجتمعوا وراء تلك المدينة من غير ميعاد ; فقال أسنهم ; إني أجد في نفسي أن ربي رب السماوات والأرض ; فقالوا ونحن كذلك نجد في أنفسنا . فقاموا جميعا فقالوا ; ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا . أي لئن دعونا إلها غيره فقد قلنا إذا جورا ومحالا . والمعنى الثالث ; أن يعبر بالقيام عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله - تعالى - ومنابذة الناس ; كما تقول ; قام فلان إلى أمر كذا إذا عزم عليه بغاية الجد .الثانية ; قال ابن عطية ; تعلقت الصوفية في القيام والقول بقوله إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض .قلت ; وهذا تعلق غير صحيح هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته ، وشكروا لما أولاهم من نعمه ونعمته ، ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم ; وهذه سنة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء الأولياء . أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام وخاصة في هذه الأزمان عند سماع الأصوات الحسان من المرد والنسوان ; هيهات بينهما والله ما بين الأرض والسماء . ثم هذا حرام عند جماعة العلماء ، على ما يأتي بيانه في سورة لقمان إن شاء الله - تعالى - . وقد تقدم في " سبحان " عند قوله ; ولا تمش في الأرض مرحا ما فيه كفاية . وقال الإمام أبو بكر الطرسوسي وسئل عن مذهب الصوفية فقال ; وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري ; لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون ; فهو دين الكفار وعباد العجل ، على ما يأتي .
القول في تأويل قوله ; ( وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ ) يقول عز ذكره;وألهمناهم الصبر، وشددنا قلوبهم بنور الإيمان حتى عزفت أنفسهم عما كانوا عليه من خفض العيش.كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد عن قتادة ( وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ ) يقول; بالإيمان.قوله; ( إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول; حين قاموا بين يدي الجبار دقينوس، فقالوا له إذ عاتبهم على تركهم عبادة آلهته ( رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول; قالوا ربنا ملك السماوات والأرض وما فيهما من شيء، وآلهتك مربوبة، وغير جائز لنا أن نترك عبادة الربّ ونعبد المربوب ( لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا ) يقول; لن ندعو من دون ربّ السموات والأرض إلها، لأنه لا إله غيره، وإن كلّ ما دونه فهو خلقه ( لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) يقول جل ثناؤه; لئن دعونا إلها غير إله السماوات والأرض، لقد قلنا إذن بدعائنا غيره إلها، شططا من القول; يعني غاليا من الكذب، مجاوزا مقداره في البطول والغلوّ; كما قال الشاعر;ألا يـا لَقَـوْمي قـد أشْـطَتْ عَوَاذِليويــزْعُمْنَ أنْ أوْدَى بِحَـقِّي بـاطلي (7)يقال منه; قد أشط فلان في السوم إذا جاوز القدر وارتفع، يشط إشطاطا وشططا. فأما من البعد فإنما يقال; شط منـزل فلان يشطّ شطوطا ، ومن الطول; شطت الجارية تشطّ شطاطا وشطاطة; إذا طالت.وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله (شَطَطا) قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك; حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) يقول كذبا.حدثنا يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) قال; لقد قلنا إذن خطأ، قال; الشطط; الخطأ من القول.
{ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ } أي صبرناهم وثبتناهم، وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة، وهذا من لطفه تعالى بهم وبره، أن وفقهم للإيمان والهدى، والصبر والثبات، والطمأنينة. { إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي: الذي خلقنا ورزقنا، ودبرنا وربانا، هو خالق السماوات والأرض، المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة، لا تلك الأوثان والأصنام، التي لا تخلق ولا ترزق، ولا تملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فاستدلوا بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية، ولهذا قالوا: { لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا } أي: من سائر المخلوقات { لَقَدْ قُلْنَا إِذًا } أي: إن دعونا معه آلهة، بعد ما علمنا أنه الرب الإله الذي لا تجوز ولا تنبغي العبادة، إلا له { شَطَطًا } أي: ميلا عظيما عن الحق، وطريقا بعيدة عن الصواب، فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، والتزام ذلك، وبيان أنه الحق وما سواه باطل، وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم، وزيادة الهدى من الله لهم.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الكهف١٨ :١٤
Al-Kahf18:14