وَاتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلْتَحَدًا
وَاتۡلُ مَاۤ اُوۡحِىَ اِلَيۡكَ مِنۡ كِتَابِ رَبِّكَ ؕ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمٰتِهٖ ۚ وَلَنۡ تَجِدَ مِنۡ دُوۡنِهٖ مُلۡتَحَدًا
تفسير ميسر:
واتل -أيها الرسول- ما أوحاه الله إليك من القرآن، فإنه الكتاب الذي لا مبدِّل لكلماته لصدقها وعدلها، ولن تجد من دون ربك ملجأً تلجأ إليه، ولا معاذًا تعوذ به.
يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس " لا مبدل لكلماته" أي لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل.وقوله " ولن تجد من دونه ملتحدًا " عن مجاهد ملتحدًا قال ملجأ وعن قتادة وليًا ولا مولى قال ابن جرير; مقول إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فإنه لا ملجأ لك من الله كما قال تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " وقال " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " أي سائلك عما فرض عليك من إبلاغ الرسالة.
قوله تعالى ; واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحداقوله تعالى ; واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته قيل ; هو من تمام قصة أصحاب الكهف ; أي اتبع القرآن فلا مبدل لكلمات الله ولا خلف فيما أخبر به من قصة أصحاب الكهف . وقال الطبري ; لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه والمخالفين لكتابه .ولن تجد أنت .من دونه إن لم تتبع القرآن وخالفته .ملتحدا أي ملجأ وقيل موئلا وأصله الميل ومن لجأت إليه فقد ملت إليه . قال القشيري أبو نصر عبد الرحيم ; وهذا آخر قصة أصحاب الكهف . ولما غزا معاوية غزوة المضيق نحو الروم وكان معه ابن عباس فانتهى إلى الكهف الذي فيه أصحاب الكهف ; فقال معاوية ; لو كشف لنا عن هؤلاء فننظر إليهم ; فقال ابن عباس ; قد منع الله من هو خير منك عن ذلك ، فقال ; لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا فقال ; لا أنتهي حتى أعلم علمهم ، وبعث قوما لذلك ، فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم ; ذكره الثعلبي أيضا . وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل الله أن يريه إياهم ، فقال إنك لن تراهم في دار الدنيا ولكن ابعث إليهم أربعة من خيار أصحابك ليبلغوهم رسالتك [ ص; 349 ] ويدعوهم إلى الإيمان ; فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل - عليه السلام - ; كيف أبعثهم ؟ فقال ; ابسط كساءك وأجلس على طرف من أطرافه أبا بكر وعلى الطرف الآخر عمر وعلى الثالث عثمان وعلى الرابع علي بن أبي طالب ، ثم ادع الريح الرخاء المسخرة لسليمان فإن الله - تعالى - يأمرها أن تطيعك ; ففعل فحملتهم الريح إلى باب الكهف ، فقلعوا منه حجرا ، فحمل الكلب عليهم فلما رآهم حرك رأسه وبصبص بذنبه وأومأ إليهم برأسه أن ادخلوا فدخلوا الكهف فقالوا ; السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ; فرد الله على الفتية أرواحهم فقاموا بأجمعهم وقالوا ; عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ; فقالوا لهم ; معشر الفتية ، إن النبي محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ عليكم السلام ; فقالوا ; وعلى محمد رسول الله السلام ما دامت السماوات والأرض ، وعليكم بما أبلغتم ، وقبلوا دينه وأسلموا ، ثم قالوا ; أقرئوا محمدا رسول الله منا السلام ، وأخذوا مضاجعهم وصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي . فيقال ; إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون حتى تقوم الساعة ، فأخبر جبريل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما كان منهم ، ثم ردتهم الريح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; كيف وجدتموهم ؟ . فأخبروه الخبر ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; اللهم لا تفرق بيني وبين أصحابي وأصهاري واغفر لمن أحبني وأحب أهل بيتي وخاصتي وأصحابي . وقيل ; إن أصحاب الكهف دخلوا الكهف قبل المسيح ; فأخبر الله - تعالى - المسيح بخبرهم ثم بعثوا في الفترة بين عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - . وقيل ; كانوا قبل موسى - عليه السلام - وأن موسى ذكرهم في التوراة ; ولهذا سألت اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقيل ; دخلوا الكهف بعد المسيح ; فالله أعلم أي ذلك كان .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; واتبع يا محمد ما أنـزل إليك من كتاب ربك هذا، ولا تتركنّ تلاوته، واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه، والعمل بحلاله وحرامه، فتكون من الهالكين ، وذلك أن مصير من خالفه، وترك اتباعه يوم القيامة إلى جهنم ( لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) يقول; لا مغير لما أوعد بكلماته التي أنـزلها عليك أهل معاصيه، والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك.وقوله; ( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) يقول; وإن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فتتبعه وتأتمّ به، فنالك وعيد الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده، لن تجد من دون الله موئلا تئل إليه ومعدلا تعدل عنه إليه، لأن قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه، لا يقدر أحد منهم على الهرب من أمر أراد به.وبنحو الذي قلنا في معنى قوله; (مُلْتَحَدًا) قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد بن بشار، قال; ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان ، عن منصور، عن مجاهد، في قوله; (مُلْتَحَدًا) قال; مَلْجَأ.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مُلْتَحَدًا) قال; ملجأ.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) قال; موئلا.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر ، عن قتادة، في قوله; (مُلْتَحَدًا) قال; ملجأ ولا موئلا.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد ، في قوله; ( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) قال; لا يجدون ملتحدا يلتحدونه، ولا يجدون من دونه ملجأ ولا أحدا يمنعهم ، والملتحد; إنما هو المفتعل من اللحد، يقال منه; لحدت إلى كذا; إذا ملت إليه ، ومنه قيل للحد; لحد، لأنه في ناحية من القبر، وليس بالشق الذي في وسطه، ومنه الإلحاد في الدين، وهو المعاندة بالعدول عنه ، والترك له.
التلاوة: هي الاتباع، أي: اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها، وتصديق أخباره، وامتثال أوامره ونواهيه، فإنه الكتاب الجليل، الذي لا مبدل لكلماته، أي: لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها، وبلوغها من الحسن فوق كل غاية { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا } فلتمامها، استحال عليها التغيير والتبديل، فلو كانت ناقصة، لعرض لها ذلك أو شيء منه، وفي هذا تعظيم للقرآن، في ضمنه الترغيب على الإقبال عليه. { وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا } أي: لن تجد من دون ربك، ملجأ تلجأ إليه، ولا معاذا تعوذ به، فإذا تعين أنه وحده الملجأ في كل الأمور، تعين أن يكون هو المألوه المرغوب إليه، في السراء والضراء، المفتقر إليه في جميع الأحوال، المسئول في جميع المطالب.
(الواو) استئنافيّة
(اتل) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة، والفاعل أنت
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(أوحي) فعل ماض مبنيّ للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو وهو العائد
(إلى) حرف جرّ و (الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (أوحي) ،
(من كتاب) جارّ ومجرور متعلّق بحال من نائب الفاعلـ (ربّك) مضاف إليه مجرور..
و (الكاف) مضاف إليه
(لا) نافية للجنس
(مبدّل) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصبـ (لكلماته) جارّ ومجرور متعلّق بخبر لا.. و (الهاء) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(لن) حرف نفي ونصبـ (تجد) مضارع منصوب، والفاعل أنت
(من دونه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف مفعول به ثان، و (الهاء) مضاف إليه
(ملتحدا) مفعول به أوّل منصوب.
جملة: «اتل ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «أوحي ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «لا مبدّل لكلماته» في محلّ نصب حال من كتاب.
وجملة: «لن تجد ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة لا مبدّل..