الرسم العثمانيمَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمٰوٰتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا
الـرسـم الإمـلائـيمَّاۤ اَشۡهَدْتُّهُمۡ خَلۡقَ السَّمٰوٰتِ وَالۡاَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ اَنۡفُسِهِمۡۖ وَمَا كُنۡتُ مُتَّخِذَ الۡمُضِلِّيۡنَ عَضُدًا
تفسير ميسر:
ما أحضرتُ إبليس وذريته -الذين أطعتموهم- خَلْقَ السموات والأرض، فأستعين بهم على خلقهما، ولا أشهدتُ بعضهم على خَلْق بعض، بل تفردتُ بخلق جميع ذلك، بغير معين ولا ظهير، وما كنت متخذ المضلِّين من الشياطين وغيرهم أعوانًا. فكيف تصرفون إليهم حقي، وتتخذونهم أولياء من دوني، وأنا خالق كل شيء؟
يقول تعالى; هؤلاء الذين اتخذتموهم أولياء من دوني عبيد أمثالكم لا يملكون شيئًا لا أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا كانوا إذ ذاك موجودين ; يقول تعالى; أنا المستقل بخلق الأشياء كلها ومدبرها ومقدرها وحدي ليس معي في ذلك شريك ولا وزير ولا مشير ولا نظير كما قال " قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولافي الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له " الأية ولهذا قال وما كنت متخذ المضلين عضدا قال مالك; أعوانًا.
قوله ; ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداقوله تعالى ; ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم قيل ; الضمير عائد على إبليس وذريته ; أي لم أشاورهم في خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ، بل خلقتهم على ما أردت . وقيل ; ما أشهدت إبليس وذريته خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم [ ص; 378 ] أي أنفس المشركين فكيف اتخذوهم أولياء من دوني ؟ . وقيل ; الكناية في قوله ; ما أشهدتهم ترجع إلى المشركين ، وإلى الناس بالجملة ، فتتضمن الآية الرد على طوائف من المنجمين وأهل الطبائع والمتحكمين من الأطباء وسواهم من كل من ينخرط في هذه الأشياء . وقال ابن عطية ; وسمعت أبي - رضي الله عنه - يقول سمعت الفقيه أبا عبد الله محمد بن معاذ المهدي بالمهدية يقول ; سمعت عبد الحق الصقلي يقول هذا القول ، ويتأول هذا التأويل في هذه الآية ، وأنها رادة على هذه الطوائف .وذكر هذا بعض الأصوليين . قال ابن عطية وأقول ; إن الغرض المقصود أولا بالآية هم إبليس وذريته ; وبهذا الوجه يتجه الرد على الطوائف المذكورة ، وعلى الكهان والعرب والمعظمين للجن ; حين يقولون ; أعوذ بعزيز هذا الوادي ; إذ الجميع من هذه الفرق متعلقون بإبليس وذريته وهم أضلوا الجميع ، فهم المراد الأول بالمضلين ; وتندرج هذه الطوائف في معناهم .قال الثعلبي ; وقال بعض أهل العلم ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض رد على المنجمين أن قالوا ; إن الأفلاك تحدث في الأرض وفي بعضها في بعض ، وقوله ; والأرض رد على أصحاب الهندسة حيث قالوا ; إن الأرض كروية والأفلاك تجري تحتها ، والناس ملصقون عليها وتحتها ، وقوله ; ولا خلق أنفسهم رد على الطبائعيين حيث زعموا أن الطبائع هي الفاعلة في النفوس . وقرأ أبو جعفر " ما أشهدناهم " بالنون والألف على التعظيم . الباقون بالتاء .بدليل قوله ; وما كنت متخذ يعني ما استعنتهم على خلق السماوات والأرض ولا شاورتهم .وما كنت متخذ المضلين عضدا يعني الشياطين . وقيل ; الكفار .عضدا أي أعوانا يقال ; اعتضدت بفلان إذا استعنت به وتقويت والأصل فيه عضد اليد ، ثم يوضع موضع العون ; لأن اليد قوامها العضد . يقال ; عضده وعاضده على كذا إذا أعانه وأعزه . ومنه قوله ; سنشد عضدك بأخيك أي سنعينك بأخيك . ولفظ العضد على جهة المثل ، والله - سبحانه وتعالى - لا يحتاج إلى عون أحد . وخص المضلين بالذكر لزيادة الذم والتوبيخ . وقرأ أبو جعفر الجحدري " وما كنت " بفتح التاء أي وما كنت يا محمد متخذ المضلين عضدا . وفي عضد ثمانية أوجه ; " عضدا " بفتح العين وضم الضاد وهي قراءة الجمهور ، وهي أفصحها . و " عضدا " بفتح العين وإسكان الضاد ، وهي لغة بني تميم . و " عضدا " بضم العين والضاد ، وهي قراءة أبي عمرو والحسن . و " عضدا " بضم العين وإسكان الضاد ، وهي قراءة عكرمة . و " عضدا " بكسر العين وفتح الضاد ، وهي قراءة الضحاك . و " عضدا " بفتح العين والضاد وهي قراءة عيسى بن عمر . وحكى هارون القارئ " عضدا " واللغة الثامنة " عضدا " على لغة من قال ; كتف وفخذ .
القول في تأويل قوله تعالى ; مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)يقول عزّ ذكره; ما أشهدت إبليس وذرّيته ( خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول; ما أحضرتهم ذلك فأستعين بهم على خلقها( وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ) يقول; ولا أشهدت بعضهم أيضا خلق بعض منهم، فأستعين به على خلقه، بل تفرّدت بخلق جميع ذلك بغير معين ولا ظهير، يقول; فكيف اتخذوا عدوّهم أولياء من دوني، وهم خلق من خلق أمثالهم، وتركوا عبادتي وأنا المنعم عليهم وعلى أسلافهم، وخالقهم وخالق من يوالونه من دوني منفردا بذلك من غير معين ولا ظهير.وقوله; ( وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) يقول; وما كنت متخذ من لا يهدي إلى الحقّ، ولكنه يضلّ، فمن تبعه يجور به عن قصد السبيل أعوانا وأنصارا ، وهو من قولهم; فلان يعضد فلانا إذا كان يقوّيه ويعينه.وبنحو ذلك قال بعض أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) ; أي أعوانا.حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله، وإنما يعني بذلك أن إبليس وذرّيته يضلون بني آدم عن الحقّ، ولا يهدونهم للرشد، وقد يحتمل أن يكون عنى بالمضلين الذين هم أتباع على الضلالة، وأصحاب على غير هدى.
يقول تعالى: ما أشهدت الشياطين [وهؤلاء المضلين]، خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم أي: ما أحضرتهم ذلك، ولا شاورتهم عليه، فكيف يكونون خالقين لشيء من ذلك؟! بل المنفرد بالخلق والتدبير، والحكمة والتقدير، هو الله، خالق الأشياء كلها، المتصرف فيها بحكمته، فكيف يجعل له شركاء من الشياطين، يوالون ويطاعون، كما يطاع الله، وهم لم يخلقوا ولم يشهدوا خلقا، ولم يعاونوا الله تعالى؟! ولهذا قال: { وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا } أي: معاونين، مظاهرين لله على شأن من الشئون، أي: ما ينبغي ولا يليق بالله، أن يجعل لهم قسطا من التدبير، لأنهم ساعون في إضلال الخلق والعداوة لربهم، فاللائق أن يقصيهم ولا يدنيهم.
(ما) نافية
(أشهدتهم) فعل ماض وفاعله.. و (هم) ضمير مفعول به
(خلق) مفعول به ثان منصوبـ (السموات) مضاف إليه مجرور
(الأرض) معطوف على السموات بالواو مجرور
(الواو) عاطفة
(لا) زائدة لتأكيد النفي(خلق) معطوف على خلق الأول منصوبـ (أنفسهم) مضاف إليه مجرور.. و (هم) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(ما) كالأولى
(كنت) فعل ماض ناقص.. و (التاء) اسمه
(متّخذ) خبر كنت منصوبـ (المضلّين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء
(عضدا) مفعول به ثان لاسم الفاعل متّخذ، ومفعوله الأول جاء مضافا إليه.
جملة: «ما أشهدتهم ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «ما كنت متّخذ ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الاستئناف.
- القرآن الكريم - الكهف١٨ :٥١
Al-Kahf18:51