الرسم العثمانيوَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكٰوةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا
الـرسـم الإمـلائـيوَّحَنَانًـا مِّنۡ لَّدُنَّا وَزَكٰوةً ؕ وَّكَانَ تَقِيًّا
تفسير ميسر:
وآتيناه رحمة ومحبة من عندنا وطهارة من الذنوب، وكان خائفًا مطيعًا لله تعالى، مؤديًا فرائضه، مجتنبًا محارمه.
وقوله "وحنانا من لدنا" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وحنانا من لدنا" يقول ورحمة من عندنا وكذا قال عكرمة وقتادة والضحاك وزاد لا يقدر عليها غيرنا وزاد قتادة رحم الله بها زكريا وقال مجاهد "وحنانا من لدنا" وتعطفا من ربه عليه وقال عكرمة "وحنانا من لدنا" قال محبة عليه وقال ابن زيد أما الحنان فالمحبة وقال عطاء بن أبي رباح "وحنانا من لدنا" قال تعظيما من لدنا وقال ابن جريج; أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة عن ابن عباس أنه قال; لا والله ما أدري ما حنانا وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا جرير; عن منصور سألت سعيد بن جبير عن قوله "وحنانا من لدنا" فقال سألت عنها ابن عباس فلم يجد فيها شيئا والظاهر من السياق أن قوله وحنانا معطوف على قوله "وآتيناه الحكم صبيا" أي وآتيناه الحكم وحنانا وزكاة أي وجعلناه ذا حنان وزكاة فالحنان هو المحبة في شفقة وميل كما تقول العرب حنت الناقة على ولدها وحنت المرأة على زوجها ومنه سميت المرأة حنة من الحنية وحن الرجل إلى وطنه ومنه التعطف والرحمة كما قال الشاعر; تعطف علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا وفي المسند للإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه قال "يبقى رجل في النار ينادي ألف سنة يا حنان يا منان" وقد يثني ومنهم من يجعل ما ورد من ذلك لغة بذاتها كما قال طرفة; أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض وقوله وزكاة معطوف على وحنانا فالزكاة الطهارة من الدنس والآثام والذنوب وقال قتادة الزكاة العمل الصالح وقال الضحاك وابن جريج العمل الصالح الزكي وقال العوفي عن ابن عباس "وزكاة" قال بركة "وكان تقيا" طهر فلم يعمل بذنب.
قوله تعالى ; وحنانا من لدنا حنانا عطف على الحكم . وروي عن ابن [ ص; 16 ] عباس أنه قال ; والله ما أدري ما ( الحنان ) . وقال جمهور المفسرين ; الحنان الشفقة والرحمة والمحبة ؛ وهو فعل من أفعال النفس . النحاس ; وفي معنى الحنان عن ابن عباس قولان ; أحدهما ; قال ; تعطف الله - عز وجل - عليه بالرحمة ، والقول الآخر ما أعطيه من رحمة الناس حتى يخلصهم من الكفر والشرك . وأصله من حنين الناقة على ولدها . ويقال ; حنانك وحنانيك ؛ قيل ; هما لغتان بمعنى واحد . وقيل ; حنانيك تثنية الحنان . وقال أبو عبيدة ; والعرب تقول ; حنانك يا رب وحنانيك يا رب بمعنى واحد ؛ تريد رحمتك . وقال امرؤ القيس ;ويمنحها بنو شمجى بن جرم معيزهم حنانك ذا الحنانوقال طرفة ;أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعضوقال الزمخشري ; حنانا رحمة لأبويه وغيرهما وتعطفا وشفقة ؛ وأنشد سيبويه ;فقالت حنان ما أتى بك هاهنا أذو نسب أم أنت بالحي عارفقال ابن الأعرابي ; الحنان من صفة الله تعالى مشددا الرحيم . والحنان مخفف ; العطف والرحمة . والحنان ; الرزق والبركة . ابن عطية ; والحنان في كلام العرب أيضا ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى ؛ ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل في حديث بلال ; والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حنانا ؛ وذكر هذا الخبر الهروي ؛ فقال ; وفي حديث بلال ومر عليه ورقة بن نوفل وهو يعذب ، فقال ; والله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا ؛ أي لأتمسحن به . وقال الأزهري ; معناه لأتعطفن عليه ولأترحمن عليه لأنه من أهل الجنة .قلت ; فالحنان العطف ، وكذا قال مجاهد . و حنانا أي تعطفا منا عليه أو منه على الخلق ؛ قال الحطيئة ;تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالاعكرمة ; محبة . وحنة الرجل امرأته لتوادهما ؛ قال الشاعر ;فقالت حنان ما أتى بك هاهنا أذو نسب أم أنت بالحي عارفقوله تعالى ; وزكاة الزكاة التطهير والبركة والتنمية في وجوه الخير والبر ؛ أي جعلناه [ ص; 17 ] مباركا للناس يهديهم . وقيل ; المعنى زكيناه بحسن الثناء عليه كما تزكي الشهود إنسانا . وقيل ; زكاة صدقة به على أبويه ؛ قاله ابن قتيبة .وكان تقيا أي مطيعا لله تعالى ، ولهذا لم يعمل خطيئة ولم يلم بها .
حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال; رحمة من عندنا.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثنا هشيم، قال; أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال; رحمة من عندنا لا يملك عطاءها غيرنا.حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال; سمعت أبا معاذ، قال; أخبرنا عبيد بن سليمان، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول; رحمة من عندنا، لا يقدر على أن يعطيها أحد غيرنا.وقال آخرون; بل معنى ذلك; ورحمة من عندنا لزكريا ، آتيناه الحكم صبيا، وفعلنا به الذي فعلنا.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول; رحمة من عندنا.وقال آخرون; معنى ذلك; وتعطفا من عندنا عليه، فعلنا ذلك.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى ; وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال; تعطفا من ربه عليه.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ، مثله.وقال آخرون; بل معنى الحنان; المحبة. ووجهوا معنى الكلام إلى; ومحبة من عندنا فعلنا ذلك.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا حكام، عن عنبسة، عن يحيى بن سعيد، عن عكرمة ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال; محبة عليه.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله (وَحَنانا) قال; أما الحنان فالمحبة.وقال آخرون معناه تعظيما منا له.* ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عطاء بن أبي رباح ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال; تعظيما من لدنا. وقد ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال; لا أدري ما الحنان.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، قال; أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة، عن ابن عباس، قال; والله ما أدري ما حنانا.وللعرب في حَنَانَك لغتان; حَنَانَك يا ربنا، وحَنانَيك; كما قال طَرَفة بن العبد في حنانيك;أبـا مُنْـذِرٍ أفْنَيْـتَ فاسْـتَبْقِ بَعْضَنـاحَنـانَيْكَ بعـضُ الشَّرِّ أهْوَنُ مِن بعضِ (1)وقال امرؤ القيس في اللغة الأخرى;ويَمْنَحُهــا بَنُـو شَـمَجَى بـن جَـرْمٍمَعِـــيزَهُمُ حَنـــانَكَ ذَا الحَنــانِ (2)وقد اختلف أهل العربية في " حنانيك " فقال بعضهم; هو تثنية " حنان ". وقال آخرون; بل هي لغة ليست بتثنية; قالوا; وذلك كقولهم; حَوَاليك; وكما قال الشاعر;ضَرْبا هَذَا ذَيْكَ وطَعْنا وَخْضًا (3)وقد سوّى بين جميع ذلك الذين قالوا حنانيك تثنية، في أن كل ذلك تثنية. وأصل ذلك أعني الحنان، من قول القائل; حنّ فلان إلى كذا وذلك إذا ارتاح إليه واشتاق، ثم يقال; تحنَّنَ فلان على فلان، إذا وصف بالتعطُّف عليه والرقة به، والرحمة له، كما قال الشاعر;تَحَــنّنْ عَــليَّ هَــدَاكَ المَلِيــكُفـــإنَّ لِكُـــلّ مَقــامٍ مَقــالا (4)بمعنى; تعطَّف عليّ. فالحنان; مصدر من قول القائل; حنّ فلان على فلان، يقال منه; حننت عليه، فأنا أحنّ عليه حنينا وحنانا، ومن ذلك قيل لزوجة الرجل; حَنَّته، لتحنته عليها وتعطفه، كما قال الراجز;وَلَيْلَـــةٍ ذَاتِ دُجًـــى سَــرَيْتُولَــمْ تَضِــرْنِي حَنَّــةٌ وَبيْــتُ (5)وقوله; (وَزَكاةً) يقول تعالى ذكره; وآتينا يحيى الحكم صبيا، وزكاة; وهو الطهارة من الذنوب، واستعمال بدنه في طاعة ربه، فالزكاة عطف على الحكم من قوله ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ ).وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; (وَزَكاةً) قال; الزكاة; العمل الصالح.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله (وَزَكاةً) قال; الزكاة; العمل الصالح الزكيّ.حُدثت عن الحسين ، قال; سمعت أبا معاذ يقول; أخبرنا عبيد بن سليمان، قال; سمعت الضحاك يقول; في قوله (وَزَكاةً) يعني العمل الصالح الزاكي.وقوله (وكانَ تَقِيًّا) يقول تعالى ذكره; وكان لله خائفا مؤدّيا فرائضه، مجتنبا محارمه مسارعا في طاعته.كما; حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ) قال; طهر فلم يعمل بذنب.حدثني يونس، قال; خبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ) قال; أما الزكاة والتقوى فقد عرفهما الناس.-------------------------------الهوامش ;(1) البيت لطرفة بن العبد البكري ( اللسان ; حنن ) . والشاهد في قوله حنانيك ، أي تحننا على تحنن . وحكى الأزهري عن الليث ; حنانيك يا فلان افعل كذا ، ولا تفعل كذا ، يذكره الرحمة والبر ، وأنشد بيت طرفة . قال ابن سيده ; وقد قالوا حنانا ، فصلوه من الإضافة في الإفراد ، وكل ذلك بدل من اللفظ بالفعل .(2) البيت لامرئ القيس بن حجر ( اللسان ; حنن ) و ( مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 110 ) قال شارحه ويمنحها ; هذه رواية الأصمعي أي يعطيها ويروى ; ويمنعها ، وهي أشبه بمعنى البيت . وقوله ; حنانك ذا الحنان ، فسره ابن الأعرابي ; رحمتك يا رحمن ، فأغنى عنهم . وعلى أية حال . فالشاعر برم بمجاورة بني شمجي بن جرم ، متسخط فعلهم ، زار عليهم ، إذا منعوه المعزى . فأما إذا منحوه إياها ( على رواية الأصمعي ) فإنه يكون ساخطا ، لاضطراره إلى أن يقبل منح أمثالهم مع ما له من الشرف والعراقة في الملك ؛ كأنه يقول في نفسه ; أبعد ما كان لنا من العز الشامخ تذل نفسي وتضطر إلى قبول المنح والصلات من الناس . وفي اللسان ; فرواية الأعرابي تسخط وذم ، وذلك تفسيره ؛ ورواية الأصمعي ; تشكر وحمد ودعاء لهم ، وكذلك تفسيره .(3) البيت في ( اللسان ; هذذ ) غير منسوب . قال ; الهذ و الهذذ ; سرعة القطع وسرعة القراءة . قال ; ضربا هذا ذيك ; أي هذا بعد هذ ، يعني قطعا بعد قطع . وعلى هذا استشهد به المؤلف . . والوخض ; قال الأصمعي ; إذا خالطت الطعنة الجوف ولم تنفذ ، فذلك الوخض والوخط أه . يقال ; وخضه بالرمح وخضا .(4) البيت للحطيئة ( لسان العرب ; حنن ) . قال ; وتحنن عليه ; ترحم ، وأنشد ابن بر الحطيئة ; تحنن علي . . . البيت .(5) هذان بيتان من مشطور الرجز ، لأبي محمد الفقعسي ، وبينهما بيت ثالث ، وهو قوله * ولـم يلتنـي عـن سـراها ليت *( اللسان ; حنن ) . وقد استشهد بالبيتين الأولين منهما صاحب اللسان في ( ليت ) . واستشهد بهما المؤلف في الجزء الخامس عشر عند تفسير قوله تعالى ; ( سبحان الذي أسرى بعبده ) وموضع الشاهد هنا في البيت الثالث وهو قوله ; " حنة " . قال ; وحنة الرجل ; امرأته ، قال أبو محمد الفقعسي ; " وليلة " . . . . إلخ . الأبيات الثلاثة . قال ; وهي طلته وكنيته ونهضته وحاصنته وحاضنته .
{ و ْ} آتيناه أيضا { حَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ْ} أي: رحمة ورأفة، تيسرت بها أموره، وصلحت بها أحواله، واستقامت بها أفعاله. { وَزَكَاةً ْ} أي: طهارة من الآفات والذنوب، فطهر قلبه وتزكى عقله، وذلك يتضمن زوال الأوصاف المذمومة، والأخلاق الرديئة، وزيادة الأخلاق الحسنة، والأوصاف المحمودة، ولهذا قال: { وَكَانَ تَقِيًّا ْ} أي: فاعلا للمأمور، تاركا للمحظور، ومن كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، وكان من أهل الجنة التي أعدت للمتقين، وحصل له من الثواب الدنيوي والأخروي، ما رتبه الله على التقوى.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - مريم١٩ :١٣
Maryam19:13