وَإِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰحِدٌ ۖ لَّآ إِلٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ
وَاِلٰهُكُمۡ اِلٰهٌ وَّاحِدٌ ۚ لَآ اِلٰهَ اِلَّا هُوَ الرَّحۡمٰنُ الرَّحِيۡمُ
تفسير ميسر:
وإلهكم -أيها الناس- إله واحد متفرد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وعبودية خلقه له، لا معبود بحق إلا هو، الرحمن المتصف بالرحمة في ذاته وأفعاله لجميع الخلق، الرحيم بالمؤمنين.
يخبر تعالى عن تفرده بالإلهية وإنه لا شريك له ولا عديل له بل هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. وقد تقدم تفسير هذين الاسمين في أول الفاتحة وفي الحديث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد السكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال اسم الله الأعظم في هذين الآيتين"وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" و"الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم" ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية بخلق السموات والأرض وما فيها وما بين ذلك مما ذرأ وبرأ من المخلوقات الدالة على وحدانيته.
قوله تعالى ; وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم فيه مسألتان ;الأولى ; قوله تعالى ; وإلهكم إله واحد لما حذر تعالى من كتمان الحق بين أن أول ما يجب إظهاره ولا يجوز كتمانه أمر التوحيد ، ووصل ذلك بذكر البرهان ، وعلم طريق النظر ، وهو الفكر في عجائب الصنع ، ليعلم أنه لا بد له من فاعل لا يشبهه شيء . قال ابن عباس رضي الله عنهما ; قالت كفار قريش ; يا محمد انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى سورة " الإخلاص " وهذه الآية . وكان للمشركين ثلاثمائة وستون صنما ، فبين الله أنه واحد .الثانية ; قوله تعالى ; لا إله إلا هو نفي وإثبات . أولها كفر وآخرها إيمان ، ومعناه لا معبود إلا الله . وحكي عن الشبلي رحمه الله أنه كان يقول ; الله ، ولا يقول ; لا إله ، فسئل عن ذلك فقال أخشى أن آخذ في كلمة الجحود ولا أصل إلى كلمة الإقرار .قلت ; وهذا من علومهم الدقيقة ، التي ليست لها حقيقة ، فإن الله جل اسمه ذكر هذا المعنى في كتابه نفيا وإثباتا وكرره ، ووعد بالثواب الجزيل لقائله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، خرجه الموطأ والبخاري ومسلم وغيرهم . وقال صلى الله عليه وسلم ; من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل [ ص; 180 ] الجنة خرجه مسلم . والمقصود القلب لا اللسان ، فلو قال ; لا إله ومات ومعتقده وضميره الوحدانية وما يجب له من الصفات لكان من أهل الجنة باتفاق أهل السنة . وقد أتينا على معنى اسمه الواحد ، ولا إله إلا هو والرحمن الرحيم في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى . والحمد لله .
القول في تأويل قوله عز وجل ; وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)قال أبو جعفر; قد بينا فيما مضى معنى " الألوهية "، وأنها اعتباد الخلق. (91)فمعنى قوله; " وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إلهَ إلا هو الرحمن الرحيم "; والذي يستحق عَليكم أيها الناس الطاعةَ له, ويستوجب منكم العبادة، معبودٌ واحدٌ وربٌّ واحد, فلا تعبدوا غيرَه، ولا تشركوا معه سواه، فإنّ من تُشركونه معه في عبادتكم إياه، هو خَلقٌ من خلق إلهكم مثلكم, وإلهكم إله واحد، لا مثلَ لهُ وَلا نَظير.* * *واختُلِف في معنى وَحدانيته تعالى ذكره,فقال بعضهم; معنى وحدانية الله، معنى نَفي الأشباه والأمثال عنه، كما يقال; " فلان واحدُ الناس - وهو وَاحد قومه ", يعني بذلك أنه ليسَ له في الناس مثل, ولا له في قومه شبيه ولا نظيرٌ. فكذلك معنى قول; " اللهُ واحد ", يعني به; الله لا مثل له ولا نظير.فزعموا أن الذي دلَّهم على صحة تأويلهم ذلك، أنّ قول القائل; " واحد " يفهم لمعان أربعة. أحدها; أن يكون " واحدًا " من جنس، كالإنسان " الواحد " من الإنس. والآخر; أن يكون غير متفرِّق، كالجزء الذي لا ينقسم. (92) والثالث; &; 3-266 &; أن يكون معنيًّا به; المِثلُ والاتفاق، كقول القائل; " هذان الشيئان واحد ", يراد بذلك; أنهما متشابهان، حتى صارَا لاشتباههما في المعاني كالشيء الواحد.والرابع; أن يكون مرادًا به نفي النظير عنه والشبيه.قالوا; فلما كانت المعاني الثلاثةُ من معاني" الواحد " منتفيةً عنه، صح المعنى الرابع الذي وَصَفناه.* * *وقال آخرون; معنى " وحدانيته " تعالى ذكره، معنى انفراده من الأشياء، وانفراد الأشياء منه. قالوا; وإنما كان منفردًا وحده, لأنه غير داخل في شيء ولا داخلٌ فيه شيء. قالوا; ولا صحة لقول القائل; " واحد "، من جميع الأشياء إلا ذلك. وأنكر قائلو هذه المقالة المعاني الأربعةَ التي قالها الآخرون.* * *وأما قوله; " لا إله إلا هو "، فإنه خبرٌ منه تعالى ذكره أنه لا رب للعالمين غيرُه, ولا يستوجبُ على العبادِ العبادةَ سواه, وأنّ كلّ ما سواه فهُم خَلقه, والواجبُ على جميعهم طاعته والانقيادُ لأمره، وتركُ عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، وهجْر الأوثان والأصنام. لأنّ جميع ذلك خلقُه، وعلى جميعهم الدينونة له بالوحدانية والألوهة, ولا تَنبغي الألوهة إلا له, إذ كان ما بهم من نعمة في الدنيا فمنه، دون ما يعبدونه من الأوثان ويشركون معه من الأشراك؛ (93) وما يصيرون إليه من نعمة في الآخرة فمنه, وأن ما أشركوا معه من الأشراك لا يضر ولا ينفعُ في عاجل ولا في آجل, ولا في دنيا ولا في آخرة.وهذا تنبيه من الله تعالى ذكره أهلَ الشرك به على ضلالهم, ودعاءٌ منه لهم إلى الأوبة من كفرهم, والإنابة من شركهم.&; 3-267 &;ثم عرَّفهم تعالى ذكره بالآية التي تتلوها، موضعَ استدلال ذوي الألباب منهم على حقيقة ما نبَّههم عليه من توحيده وحُججه الواضحة القاطعة عُذرَهم, فقال تعالى ذكره; أيها المشركون، إن جهلتم أو شككتم في حقيقة ما أخبرتكم من الخبر; من أنّ إلهكم إله واحد، دونَ ما تدَّعون ألوهيته من الأنداد والأوثان, فتدبروا حُججي وفكروا فيها, فإن من حُججي خَلق السموات والأرض, واختلاف الليل والنهار, والفلكُ التي تجري في البحر بما يَنفعُ الناس, وما أنـزلت من السماء من ماء فأحييت به الأرض بعد موتها, وما بثثتُ فيها من كل دابة, والسحاب الذي سَخرته بين السماء والأرض. فإن كان ما تعبدونه من الأوثان والآلهة والأنداد وسائر ما تشركون به، إذا اجتمع جميعه فتظاهرَ أو انفرد بعضُه دون بعض، يقدر على أن يخلق نظيرَ شيء من خَلقي الذي سميتُ لكم, فلكم بعبادتكم ما تعبدون من دوني حينئذ عذرٌ, وإلا فلا عُذر لكم في اتخاذ إله سواي, ولا إله لكم ولما تعبدون غَيري. فليتدبر أولو الألباب إيجازَ الله احتجاجَه على جميع أهل الكفر به والملحدين في توحيده، في هذه الآية وفي التي بعدها، بأوْجز كلام، وأبلغ حجة وألطف معنى يشرف بهم على مَعرفة فضْل حكمة الله وبَيانه.* * *--------------------الهوامش ;(91) انظر ما سلف 1 ; 122-126 .(92) في المطبوعة ; "غير متصرف" ، وهو تصحيف ، والصواب ما أثبت .(93) الأشراك جمع شريك ، كما يقال ; شريف وأشراف ، ونصير وأنصار ، ويجمع أيضًا على"شركاء" .
يخبر تعالى - وهو أصدق القائلين - أنه { إِلَهٌ وَاحِدٌ } أي: متوحد منفرد في ذاته, وأسمائه, وصفاته, وأفعاله، فليس له شريك في ذاته, ولا سمي له ولا كفو له, ولا مثل, ولا نظير, ولا خالق, ولا مدبر غيره، فإذا كان كذلك, فهو المستحق لأن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة, ولا يشرك به أحد من خلقه, لأنه { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } المتصف بالرحمة العظيمة, التي لا يماثلها رحمة أحد, فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي، فبرحمته وجدت المخلوقات, وبرحمته حصلت لها أنواع الكمالات، وبرحمته اندفع عنها كل نقمة، وبرحمته عرّف عباده نفسه بصفاته وآلائه, وبيَّن لهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح دينهم ودنياهم, بإرسال الرسل, وإنزال الكتب. فإذا علم أن ما بالعباد من نعمة, فمن الله, وأن أحدا من المخلوقين, لا ينفع أحدا، علم أن الله هو المستحق لجميع أنواع العبادة, وأن يفرد بالمحبة والخوف, والرجاء, والتعظيم, والتوكل, وغير ذلك من أنواع الطاعات. وأن من أظلم الظلم, وأقبح القبيح, أن يعدل عن عبادته إلى عبادة العبيد, وأن يشرك المخلوق من تراب, برب الأرباب, أو يعبد المخلوق المدبر العاجز من جميع الوجوه, مع الخالق المدبر القادر القوي، الذي قد قهر كل شيء ودان له كل شيء. ففي هذه الآية, إثبات وحدانية الباري وإلهيته، وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين وبيان أصل الدليل على ذلك وهو إثبات رحمته التي من آثارها وجود جميع النعم, واندفاع [جميع] النقم، فهذا دليل إجمالي على وحدانيته تعالى.
(الواو) استئنافيّة
(إله) مبتدأ مرفوع و (كم) ضمير في محلّ جرّ مضاف إليه
(إله) خبر مرفوع
(واحد) نعت لإله مرفوع مثله
(لا) نافية للجنس
(إله) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب والخبر محذوف تقديره موجود أو معبود بحقّ
(إلّا) أداة استثناء
(هو) ضمير منفصل في محلّ رفع بدل من الضمير المستكنّ في الخبر أو بدل من محلّ لا واسمها لأن محلّه الرفع
(الرحمن) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو ،
(الرحيم) خبر ثان للمبتدأ المحذوف جملة: «إلهكم إله واحد» لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «لا إله إلا هو» في محلّ رفع خبر ثان للمبتدأ إلهكم وجملة: «
(هو) الرحمن» في محلّ نصب حال من الضمير البدل