وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّٰلِحٰتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا
وَمَنۡ يَّعۡمَلۡ مِنَ الصّٰلِحٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ فَلَا يَخٰفُ ظُلۡمًا وَّلَا هَضۡمًا
تفسير ميسر:
ومن يعمل صالحات الأعمال وهو مؤمن بربه، فلا يخاف ظلمًا بزيادة سيئاته، ولا هضمًا بنقص حسناته.
وقوله "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما" لما ذكر الظالمين ووعيدهم ثنى بالمتقين وحكمهم وهو أنهم لا يظلمون ولا يهضمون أي لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة وغير واحد فالظلم الزيادة بأن يحمل عليه ذنب غيره والهضم النقص.
قوله تعالى ; ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن لأن العمل لا يقبل من غير إيمان . ومن في قوله ; من الصالحات للتبعيض ؛ أي شيئا من الصالحات . وقيل للجنس . فلا يخاف قرأ ابن كثير ومجاهد وابن محيصن ( يخف ) بالجزم جوابا لقوله ; ومن يعمل . الباقون ( يخاف ) رفعا على الخبر ؛ أي فهو لا يخاف ؛ أو فإنه لا يخاف . ظلما أي نقصا لثواب طاعته ، ولا زيادة عليه في سيئاته . ولا هضما بالانتقاص من حقه . والهضم النقص والكسر ؛ يقال ; هضمت ذلك من حقي أي حططته وتركته . وهذا يهضم الطعام أي ينقص ثقله . وامرأة هضيم الكشح ضامرة البطن . الماوردي ; والفرق بين الظلم [ ص; 162 ] والهضم أن الظلم المنع من الحق كله ، والهضم المنع من بعضه ، والهضم ظلم وإن افترقا من وجه ؛ قال المتوكل الليثي ;إن الأذلة واللئام لمعشر مولاهم المتهضم المظلومقال الجوهري ; ورجل هضيم ومهتضم أي مظلوم . وتهضمه أي ظلمه واهتضمه إذا ظلمه وكسر عليه حقه .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا (112)يقول تعالى ذكره وتقدّست أسماؤه; ومن يعمل من صالحات الأعمال، وذلك فيما قيل أداء فرائض الله التي فرضها على عباده ( وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) يقول; وهو مصدّق بالله، وأنه مجاز أهل طاعته وأهل معاصيه على معاصيهم ( فَلا يَخَافُ ظُلْمًا ) يقول; فلا يخاف من الله أن يظلمه، فيحمل عليه سيئات غيره، فيعاقبه عليها( وَلا هَضْمًا ) يقول; لا يخاف أن يهضمه حسناته، فينقصه ثوابها.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) وإنما يقبل الله من العمل ما كان في إيمان.حدثنا القاسم، قال; قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيْج، قوله ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) قال; زعموا أنها الفرائض.* ذكر من قال ما قلنا; في معنى قوله ( فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا ).حدثنا أبو كريب وسليمان بن عبد الجبار، قالا ثنا ابن عطية، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس ( فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا ) قال; هضما ; غصبا.حدثني علي، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قال; ( فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا ) قال; لا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يظلم فيزاد عليه في سيئاته، ولا يظلم فيهضم في حسناته.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني &; 18-380 &; أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا ) يقول; أنا قاهر لكم اليوم، آخذكم بقوّتي وشدّتي، وأنا قادر على قهركم وهضمكم، فإنما بيني وبينكم العدل، وذلك يوم القيامة.حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال; سمعت أبا مُعاذ يقول; أخبرنا عبيد بن سليمان، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا ) أما هضما فهو لا يقهر الرجل الرجل بقوّته، يقول الله يوم القيامة; لا آخذكم بقوّتي وشدتي، ولكن العدل بيني وبينكم، ولا ظلم عليكم.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (هَضْما) قال; انتقاص شيء من حقّ عمله.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال; ثنا أبو أسامة، عن مِسْعر، قال; سمعت حبيب بن أبي ثابت يقول في قوله ( وَلا هَضْمًا ) قال; الهضم; الانتقاص.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله; ( فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا ) قال; ظلما أن يزاد في سيئاته، ولا يهضم من حسناته.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا ) قال; لا يخاف أن يظلم فلا يجزى بعمله، ولا يخاف أن ينتقص من حقه فلا يوفى عمله.حدثنا الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا سلام بن مسكين، عن ميمون بن سياه، عن الحسن، في قول الله تعالى ( فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا ) قال; لا ينتقص الله من حسناته شيئا، ولا يحمل عليه ذنب مسيء ،وأصل الهضم; النقص، يقال; هضمني فلان حقي، ومنه امرأة هضيم; أي ضامرة البطن، ومنه قولهم; قد هضم الطعام; إذا ذهب، وهضمت لك من حقك; أي حططتك.
تفسير الآيات من 110 الى 112 :ـوينقسم الناس في ذلك الموقف قسمين: ظالمين بكفرهم وشرهم، فهؤلاء لا ينالهم إلا الخيبة والحرمان، والعذاب الأليم في جهنم، وسخط الديان. والقسم الثاني: من آمن الإيمان المأمور به، وعمل صالحا من واجب ومسنون { فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا } أي: زيادة في سيئاته { وَلَا هَضْمًا } أي: نقصا من حسناته، بل تغفر ذنوبه، وتطهر عيوبه، وتضاعف حسناته، { وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }
(الواو) استئنافيّة
(من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(من الصالحات) من تبعيضيّة، والجارّ والمجرور نعت لمنعوت مقدّر أي:
شيئا من الصالحات
(الواو) حاليّة و (الفاء) رابطة لجواب الشرط و (لا) نافية، وفاعلـ (يخاف) يعود على من،
(ظلما) مفعول به منصوب و (لا) الثانية زائدة لتأكيد النفي(هضما) معطوف على
(ظلما) بالواو.
جملة: «من يعمل ... » لا محلّ لها استئنافيّة .
وجملة: «يعمل ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة: «هو مؤمن ... » في محلّ نصب حال من فاعل يعمل.
وجملة: «لا يخاف ... » في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو والجملة الاسمية في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء .