قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولٰى
قَالَ فَمَا بَالُ الۡقُرُوۡنِ الۡاُوۡلٰى
تفسير ميسر:
قال فرعون لموسى; فما شأن الأمم السابقة؟ وما خبر القرون الماضية، فقد سبقونا إلى الإنكار والكفر؟
"قال فما بال القرون الأولى" أصح الأقوال في معنى ذلك أن فرعون لما أخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق وقدر فهدى شرع يحتج بالقرون الأولى أي الذين لم يعبدوا الله أي فما بالهم إذا كان الأمر كذلك لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره.
قوله ; قال فما بال القرون الأولىقوله تعالى ; قال فما بال البال الحال ؛ أي وما حالها وما شأنها ، فأعلمه أن علمها عند الله تعالى ، أي إن هذا من علم الغيب الذي سألت عنه ، وهو مما استأثر الله تعالى به لا يعلمه إلا هو ، وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم إلا ما أخبرني به علام الغيوب ، وعلم أحوال القرون مكتوبة عند الله في اللوح المحفوظ . وقيل ; المعنى فما بال القرون الأولى لم يقروا بذلك . أي فما بالهم ذهبوا وقد عبدوا غير ربك . وقيل ; إنما سأل عن أعمال القرون الأولى فأعلمه أنها محصاة عند الله تعالى ، ومحفوظة عنده في كتاب . أي هي مكتوبة فسيجازيهم غدا بها وعليها . وعنى بالكتاب اللوح المحفوظ . وقيل ; هو كتاب مع بعض الملائكة .
وقوله ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) يقول تعالى ذكره; قال موسى له مجيبا; ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه، يعني; نظير خلقه في الصورة والهيئة كالذكور من بني آدم. أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجا، وكالذكور من البهائم، أعطاها نظير خلقها، وفي صورتها وهيئتها من الإناث أزواجا، فلم يعط الإنسان خلاف خلقه، فيزوجه بالإناث من البهائم، ولا البهائم بالإناث من الإنس، ثم هداهم للمأتي الذي منه النسل والنماء كيف يأتيه، ولسائر منافعه من المطاعم والمشارب، وغير ذلك.وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم; بنحو الذي قلنا فيه.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) يقول; خلق لكل شيء زوجة، ثم هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده.حدثنا موسى، قال; ثنا عمرو، قال; ثنا أسباط، عن السديّ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) يقول; أعطى كلّ دابة خلقها زوجا، ثم هدى للنكاح.وقال آخرون; معنى قوله (ثُمَّ هَدَى) أنه هداهم إلى الألفة والاجتماع والمناكحة.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) يعني; هدى بعضهم إلى بعض، ألف بين قلوبهم وهداهم للتزويج أن يزوّج بعضهم بعضا.وقال آخرون; معنى ذلك; أعطى كلّ شيء صورته، وهي خلقه الذي خلقه به، ثم هداه لما يصلحه من الاحتيال للغذاء والمعاش.* ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) قال; أعطى كلّ شيء صورته ثم هدى كلّ شيء إلى معيشته.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) قال; سوّى خلق كلّ دابة، ثم هداها لما يُصلحها، فعلَّمها إياه.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله; ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) قال; سوّى خلق كلّ دابة ثم هداها لما يُصلحها وعلَّمها إياه، ولم يجعل الناس في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الناس، ولكن خلق كل شيء فقدّره تقديرا.حدثنا محمد بن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن حميد عن مجاهد ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) قال; هداه إلى حيلته ومعيشته.وقال آخرون; بل معنى ذلك; أعطى كلّ شيء ما يُصلحه، ثم هداه له.* ذكر من قال ذلك;حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ) قال; أعطى كل شيء ما يُصلحه. ثم هداه له.قال أبو جعفر; وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك، لأنه جلّ ثناؤه أخبر أنه أعطى كلّ شيء خلقه، ولا يعطي المعطي نفسه، بل إنما يعطي ما هو غيره، لأن العطية تقتضي المعطي المُعطَى والعطية، ولا تكون العطيه هي المعْطَى، وإذا لم تكن هي هو، وكانت غيره، وكانت الصورة كلّ خلق بعض أجزائه، كان معلوما أنه إذا قيل; أعطى الإنسان صورته، إنما يعني أنه أعطى بعض المعاني التي به مع غيره دعي إنسانا، فكأن قائله قال; أعطى كلّ خلق نفسه، وليس ذلك إذا وجه إليه الكلام بالمعروف من معاني العطية، وإن كان قد يحتمله الكلام. فإذا كان ذلك كذلك، فالأصوب من معانيه أن يكون موجها إلى أن كلّ شيء أعطاه ربه مثل خلقه، فزوجه به، ثم هداه لما بيَّنا، ثم ترك ذكر مثل، وقيل ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ) كما يقال; عبد الله مثل الأسد، ثم يحذف مثل، فيقول; عبد الله الأسد.
فقال لموسى: { فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى } أي: ما شأنهم، وما خبرهم؟ وكيف وصلت بهم الحال، وقد سبقونا إلى الإنكار والكفر، والظلم، والعناد، ولنا فيهم أسوة؟
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(ما) اسم استفهام مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(بال) خبر مرفوع..
جملة: «قال ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ما بال ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي: إن كان ربّك قد أعطى وهدى فما بال ... ، وجملة الشرط المقدّرة في محلّ نصب مقول القول.