الرسم العثمانيقَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوٓا ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فٰعِلِينَ
الـرسـم الإمـلائـيقَالُوۡا حَرِّقُوۡهُ وَانْصُرُوۡۤا اٰلِهَتَكُمۡ اِنۡ كُنۡتُمۡ فٰعِلِيۡنَ
تفسير ميسر:
لما بطلت حجتهم وظهر الحق عدلوا إلى استعمال سلطانهم، وقالوا; حَرِّقوا إبراهيم بالنار؛ غضبًا لآلهتكم إن كنتم ناصرين لها. فأشْعَلوا نارًا عظيمة وألقوه فيها، فانتصر الله لرسوله وقال للنار; كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، فلم يَنَلْه فيها أذى، ولم يصبه مكروه.
لما دحضت حجتهم وبان عجزهم وظهر الحق اندفع الباطل عدلوا إلى استعمال جاه ملكهم فقالوا " حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين " فجمعوا حطبا كثيرا جدا قال السدي حتى إن كانت المرأة تمرض فتنذر إن عوفيت أن تحمل حطبا لحريق إبراهيم ثم جعلوه في جوبة من الأرض وأضرموها نارا فكان لها شرر عظيم ولهب مرتفع لم توقد نار قط مثلها وجعلوا إبراهيم عليه السلام في كفة المنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس من الأكراد قال شعيب الجبائي اسمه هيزن فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة فلما ألقوه قال; حسبي الله ونعم الوكيل كما رواه البخاري عن ابن عباس أنه قال حسبي الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد عليه الصلاة والسلام حين قالوا إن الناس فد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وروى الحافظ أبو يعلى حدثنا ابن هشام حدثنا إسحاق بن سليمان عن أبي جعفر عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال; قال رسول الله" صلى الله عليه وسلم"; " لما ألقى إبراهيم عليه السلام في النار قال الله إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد أعبدك " ويروى أنه لما جعلوا يوثقونه قال; لا إله إلا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك وقال شعيب الجبائي كان عمره إذ ذاك ست عشرة سنة فالله أعلم وذكر بعض السلف أنه عرض له جبريل وهو في الهواء فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا وأما من الله فبلى وقال سعيد بن جبير ويروى عن ابن عباس أيضا قال لما ألقي إبراهيم جعل خازن المطر يقول متى أومر بالمطر فأرسله قال فكان أمر الله أسرع من أمره.
قوله تعالى ; قالوا حرقوه لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم وانصرفوا إلى طريق الغشم والغلبة وقالوا حرقوه . روي أن قائل هذه المقالة هو رجل من الأكراد من أعراب فارس ؛ أي من باديتها ؛ قال ابن عمرو ومجاهد وابن جريج . ويقال ; اسمه هيزر فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . وقيل ; بل قاله ملكهم نمرود . وانصروا آلهتكم بتحريق إبراهيم لأنه يسبها ويعيبها . وجاء في الخبر ; أن نمرود بنى صرحا طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون ذراعا . قال ابن إسحاق ; وجمعوا الحطب شهرا ثم أوقدوها ، واشتعلت واشتدت ، حتى إن كان الطائر ليمر بجنباتها فيحترق من شدة وهجها . ثم قيدوا إبراهيم ووضعوه في المنجنيق مغلولا . ويقال ; إن إبليس صنع لهم المنجنيق يومئذ . فضجت السماوات والأرض ومن فيهن من الملائكة وجميع الخلق ، إلا الثقلين ضجة واحدة ; ربنا ! إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره يحرق فيك فأذن لنا في نصرته . فقال الله تعالى ; " إن استغاث بشيء منكم أو دعاه فلينصره فقد أذنت له في ذلك وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليه " فلما أرادوا إلقاءه في النار ، أتاه خزان الماء - وهو في الهواء - فقالوا ; يا إبراهيم إن أردت أخمدنا النار [ ص; 211 ] بالماء . فقال ; لا حاجة لي إليكم . وأتاه ملك الريح فقال ; لو شئت طيرت النار . فقال ; لا . ثم رفع رأسه إلى السماء فقال ; " اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس أحد يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل " . وروى أبي بن كعب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار ، قال ; لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ، قال ; ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع ، فاستقبله جبريل ؛ فقال ; يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال ; " أما إليك فلا " . فقال جبريل ; فاسأل ربك . فقال ; " حسبي من سؤالي علمه بحالي " .
يقول تعالى ذكره; قال بعض قوم إبراهيم لبعض; حرّقوا إبراهيم بالنار ( وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ) يقول; إن كنتم ناصريها، ولم تريدوا ترك عبادتها.وقيل; إن الذي قال ذلك رجل من أكراد فارس.* ذكر من قال ذلك;حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، في قوله; ( حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ ) قال; قالها رجل من أعراب فارس، يعني الأكراد.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال; أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيب الجبئي، قال; إن الذي قال حرّقوه " هيزن " فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال; أجمع نمرود وقومه في إبراهيم فقالوا( حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ) أي لا تنصروها منه إلا بالتحريق بالنار إن كنتم ناصريها.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، قال; ثني محمد بن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، قال; تلوت هذه الآية على عبد الله بن عمر، فقال; أتدري يا مجاهد من الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار؟ قال; قلت لا قال; رجل من أعراب فارس. قلت; يا أبا عبد الرحمن، أو هل للفرس أعراب؟ قال; نعم الكرد هم أعراب فارس، فرجل منهم هو الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار.
فحينئذ لما أفحمهم، ولم يبينوا حجة، استعملوا قوتهم في معاقبته، فـ { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ْ} أي: اقتلوه أشنع القتلات، بالإحراق، غضبا لآلهتكم، ونصرة لها. فتعسا لهم تعسا، حيث عبدوا من أقروا أنه يحتاج إلى نصرهم، واتخذوه إلها
(كنتم) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط.
جملة: «قالوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «حرّقوه ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «انصروا ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة حرّقوه.
وجملة: «كنتم فاعلين» لا محلّ لها استئنافيّة وجواب الشرط محذوف دلّ عليها الكلام المتقدّم أي إن كنتم ناصرين لها فانصروها.
- القرآن الكريم - الأنبياء٢١ :٦٨
Al-Anbiya'21:68