الرسم العثمانيأَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصٰرُ وَلٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ
الـرسـم الإمـلائـياَفَلَمۡ يَسِيۡرُوۡا فِى الۡاَرۡضِ فَتَكُوۡنَ لَهُمۡ قُلُوۡبٌ يَّعۡقِلُوۡنَ بِهَاۤ اَوۡ اٰذَانٌ يَّسۡمَعُوۡنَ بِهَا ۚ فَاِنَّهَا لَا تَعۡمَى الۡاَبۡصَارُ وَلٰـكِنۡ تَعۡمَى الۡـقُلُوۡبُ الَّتِىۡ فِى الصُّدُوۡرِ
تفسير ميسر:
أفلم يَسِر المكذبون من قريش في الأرض ليشاهدوا آثار المهلكين، فيتفكروا بعقولهم، فيعتبروا، ويسمعوا أخبارهم سماع تدبُّر فيتعظوا؟ فإن العمى ليس عمى البصر، وإنما العمى المُهْلِك هو عمى البصيرة عن إدراك الحق والاعتبار.
وقوله " أفلم يسيروا في الأرض " أي بأبدانهم وبفكرهم أيضا وذلك كاف كما قال ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار حدثنا هارون بن عبدالله حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا مالك بن دينار; قال أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران عليه السلام أن; يا موسى اتخذ نعلين من حديد وعصا ثم سح في الأرض ثم اطلب الآثار والعبر حتى يتخرق النعلان وتنكسر العصا وقال ابن أبي الدنيا قال بعض الحكماء أحي قلبك بالمواعظ ونوره بالتفكر وموته بالزهد وقوه باليقين وذلله بالموت وقدره بالفناء وبصره فجائع الدنيا وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الأيام واعرضي عليه أخبار الماضين وذكره ما أصاب من كان قبله وسيره في ديارهم وآثارهم وانظر ما فعلوا وأين حلوا وعم انقلبوا أي فانظروا ما حل بالأمم المكذبة من النقم والنكال " فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها " أي فيعتبرون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " أي ليس العمى عمى البصر وإنما العمى عمى البصيرة وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ولا تدري ما الخبر وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في هذا المعنى وهو أبو محمد عبدالله بن محمد بن حيان الأندلسي الشنتريني وقد كانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة يا من يصيخ إلى داعي الشـقاء وقـد نادى به الناعيان الشيــب والكبر إن كنت لا تسمع الذكرى ففـيم تـرى في رأسك الواعيان الســمع والبصر ليس الأصـم ولا الأعـمى سـوى رجـل لم يهده الهاديان العيـن والأثـر لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك الأعلى ولا النيران الشمس والقمر ليرحـــلن عـن الدنيا وإن كـــرها فراقها الثاويـــان البدن والحضر
قوله تعالى ; أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدورقوله تعالى ; أفلم يسيروا في الأرض يعني كفار مكة فيشاهدوا هذه القرى فيتعظوا ، ويحذروا عقاب الله أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم . فتكون لهم قلوب يعقلون بها أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محله الأذن . وقد قيل ; إن العقل محله الدماغ ؛ وروي عن أبي حنيفة ؛ وما أراها عنه صحيحة . فإنها لا تعمى الأبصار قال الفراء ; الهاء عماد ، ويجوز أن يقال فإنه ، وهي قراءة عبد الله بن مسعود ، والمعنى واحد ، التذكير على الخبر ، والتأنيث على الأبصار أو القصة ؛ أي فإن الأبصار لا تعمى ، أو فإن القصة . لا تعمى الأبصار أي أبصار العيون ثابتة لهم . ولكن تعمى القلوب التي في الصدور أي عن درك الحق والاعتبار . وقال قتادة ; البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة ، والبصر النافع في القلب . وقال مجاهد ; لكل عين أربع أعين ؛ يعني لكل إنسان أربع أعين ; عينان في رأسه لدنياه ، وعينان في قلبه لآخرته ؛ فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئا ، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئا . وقال قتادة ، وابن جبير ; نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم الأعمى . قال ابن عباس ، ومقاتل ; لما نزل ومن كان في هذه أعمى قال ابن أم مكتوم ; يا رسول الله ، فأنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى ؟ فنزلت فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور . أي من كان في هذه أعمى بقلبه عن الإسلام فهو في الآخرة في النار .
يقول تعالى ذكره; أفلم يسيروا هؤلاء المكذّبون بآيات الله والجاحدون قدرته في البلاد, فينظروا إلى مصارع ضربائهم من مكذّبي رسل الله الذين خلوْا من قبلهم, كعاد وثمود وقوم لوط وشعيب, وأوطانهم ومساكنهم, فيتفكَّروا فيها ويعتبروا بها ويعلموا بتدبرهم أمرها وأمر أهلها، سنة الله فيمن كفر وعبد غيره وكذّب رسله, فينيبوا من عتوّهم وكفرهم, ويكون لهم إذا تدبروا ذلك واعتبروا به وأنابوا إلى الحقّ( قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ) حجج الله على خلقه وقدرته على ما بيَّنا( أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ) يقول; أو آذان تصغي لسماع الحقّ فتعي ذلك وتميز بينه وبين الباطل.وقوله; ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ ) يقول; فإنها لا تعمى أبصارهم أن يبصروا بها الأشخاص ويروها, بل يبصرون ذلك بأبصارهم; ولكن تعمى قلوبهم التي في صدورهم عن أنصار الحق ومعرفته.والهاء في قوله; ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى ) هاء عماد, كقول القائل; إنه عبد الله قائم.وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله; " فإنَّهُ لا تَعْمَى الأبْصَارُ".وقيل; ( وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) والقلوب لا تكون إلا في الصدور, توكيدا للكلام, كما قيل; يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ .
دعا الله عباده إلى السير في الأرض، لينظروا، ويعتبروا فقال: { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ } بأبدانهم وقلوبهم { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } آيات الله ويتأملون بها مواقع عبره، { أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } أخبار الأمم الماضين، وأنباء القرون المعذبين، وإلا فمجرد نظر العين، وسماع الأذن، وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار، غير مفيد، ولا موصل إلى المطلوب، ولهذا قال: { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } أي: هذا العمى الضار في الدين، عمى القلب عن الحق، حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الأعمى المرئيات، وأما عمى البصر، فغايته بلغة، ومنفعة دنيوية.
(الهمزة) للاستفهام بمعنى الأمر
(الفاء) عاطفة
(في الأرض) متعلّق بـ (يسيروا) ،
(الفاء) فاء السببيّة
(تكون) مضارع ناقص- ناسخ- منصوب بأن مضمرة بعد الفاء
(لهم) متعلّق بخبر مقدّم
(قلوب) اسم تكون مرفوع.
والمصدر المؤوّلـ (أن تكون..) في محلّ رفع معطوف على مصدر مأخوذ من الكلام المتقدّم أي: أثمّة سير في الأرض فوجود قلوب عاقلة ... .
(بها) متعلّق بـ (يعقلون) و (بها) الثاني متعلّق بـ (يسمعون) ،
(الفاء) تعليليّة، والضمير في(إنّها) هو ضمير الشأن اسم إنّ
(لا) نافية
(الواو) عاطفة
(لكن) حرف استدراك مهملـ (التي) اسم موصول في محلّ رفع نعت للقلوبـ (في الصدور) متعلّق بمحذوف صلة الموصول التي ...جملة: «يسيروا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة مستأنفة مقدّرة أي:
أغفلوا فلم يسيروا .
وجملة: «تكون لهم قلوب ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «يعقلون ... » في محلّ رفع نعت لقلوب.
وجملة: «يسمعون ... » في محلّ رفع نعت لآذان.
وجملة: «إنّها لا تعمى الأبصار ... » لا محلّ لها استئنافيّة فيها معنى التعليل.
وجملة: «لا تعمى الأبصار ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «تعمى القلوب ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة الخبر.
- القرآن الكريم - الحج٢٢ :٤٦
Al-Hajj22:46