سُورَةٌ أَنزَلْنٰهَا وَفَرَضْنٰهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ ءَايٰتٍۢ بَيِّنٰتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
سُوۡرَةٌ اَنۡزَلۡنٰهَا وَفَرَضۡنٰهَا وَاَنۡزَلۡنَا فِيۡهَاۤ اٰيٰتٍۭ بَيِّنٰتٍ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُوۡنَ
تفسير ميسر:
هذه سورة عظيمة من القرآن أنزلناها، وأوجبنا العمل بأحكامها، وأنزلنا فيها دلالات واضحات؛ لتتذكروا- أيها المؤمنون- بهذه الآيات البينات، وتعملوا بها.
يقول تعالى; هذه "سورة أنزلناها" فيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفي ما عداها "وفرضناها" قال مجاهد وقتادة; أي بينا الحلال والحرام والأمر والنهي والحدود. وقال البخاري; ومن قرأ فرضناها يقول فرضناها عليكم وعلى من بعدكم "وأنزلنا فيها آيات بينات" أي مفسرات واضحات "لعلكم تذكرون".
سورة النورمدنية بالإجماعبسم الله الرحمن الرحيمسورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرونمقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر . وكتب عمر - رضي الله عنه - إلى أهل الكوفة ; علموا نساءكم سورة النور . وقالت عائشة - رضي الله عنها - ; لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن سورة النور والغزل . وفرضناها قرئ بتخفيف الراء ؛ أي فرضنا عليكم وعلى من بعدكم ما فيها من الأحكام . وبالتشديد ; أي أنزلنا فيها فرائض مختلفة . وقرأ أبو عمرو ; ( وفرضناها ) بالتشديد أي قطعناها في الإنزال نجما نجما . والفرض القطع ، ومنه فرضة القوس ، وفرائض الميراث ، وفرض النفقة . وعنه أيضا فرضناها فصلناها وبيناها . وقيل ; هو على التكثير ؛ لكثرة ما فيها من الفرائض . والسورة في اللغة اسم للمنزلة الشريفة ؛ ولذلك سميت السورة من القرآن سورة . قال زهير ;ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب[ ص; 147 ] وقد مضى في مقدمة الكتاب القول فيها . وقرئ ( سورة ) بالرفع على أنها مبتدأ وخبرها أنزلناها ؛ قاله أبو عبيدة ، والأخفش . وقال الزجاج ، والفراء ، والمبرد ; سورة بالرفع لأنها خبر الابتداء ؛ لأنها نكرة ولا يبتدأ بالنكرة في كل موضع ، أي هذه سورة . ويحتمل أن يكون قوله ( سورة ) ابتداء وما بعدها صفة لها أخرجتها عن حد النكرة المحضة فحسن الابتداء لذلك ، ويكون الخبر في قوله الزانية والزاني . وقرئ ( سورة ) بالنصب ، على تقدير أنزلنا سورة أنزلناها . وقال الشاعر [ الربيع بن ضبيع ] ;والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطراأو تكون منصوبة بإضمار فعل أي اتل سورة . وقال الفراء ; هي حال من الهاء والألف ، والحال من المكنى يجوز أن يتقدم عليه .
قال أبو جعفر; يعني بقوله تعالى ذكره; ( سُورَةٌ أَنـزلْنَاهَا ) وهذه السورة أنـزلناها. وإنما قلنا معنى ذلك كذلك؛ لأن العرب لا تكاد تبتدئ بالنكرات قبل أخبارها إذا لم تكن جوابا، لأنها توصل كما يوصل الذي، ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة، فيستقبح الابتداء بها قبل الخبر إذا لم تكن موصولة، إذ كان يصير خبرها إذا ابتدئ بها كالصلة لها، ويصير السامع خبرها كالمتوقع خبرها، بعد إذ كان الخبر عنها بعدها، كالصلة لها، وإذا ابتدئ بالخبر عنها قبلها، لم يدخل الشك على سامع الكلام في مراد المتكلم. وقد بيَّنا فيما مضى قبل، أن السورة وصف لما ارتفع بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.وأما قوله; ( وَفَرَضْنَاهَا ) فإن القرّاء اختلفت في قراءته، فقرأه بعض قرّاء الحجاز والبصرة; " وفَرَضْناهَا " ويتأولونه; وفصَّلناها ونـزلنا فيها فرائض مختلفة. وكذلك كان مجاهد يقرؤه ويتأوّله.حدثني أحمد بن يوسف، قال; ثنا القاسم، قال; ثنا ابن مهدي، عن عبد الوارث بن سعيد، عن حميد، عن مجاهد، أنه كان يقرؤها; " وَفَرَّضْناهَا " يعني بالتشديد.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله; " وَفَرَّضْنَاها " قال; الأمر بالحلال، والنهي عن الحرام.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. وقد يحتمل ذلك إذا قرئ بالتشديد وجها غير الذي ذكرنا عن مجاهد، وهو أن يوجه إلى أن معناه; وفرضناها عليكم وعلى من بعدكم من الناس إلى قيام الساعة. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والشأم ( وَفَرَضْنَاهَا ) بتخفيف الراء، بمعنى; أوجبنا ما فيها من الأحكام عليكم، وألزمناكموه وبيَّنا ذلك لكم.والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وذلك أن الله قد فصلها، وأنـزل فيها ضروبًا من الأحكام، وأمر فيها ونهى، وفرض على عباده فيها فرائض، ففيها المعنيان كلاهما; التفريض، والفرض، فلذلك قلنا بأية القراءتين قرأ القارئ فمصيب الصواب.*ذكر من تأوّل ذلك بمعنى الفرض، والبيان من أهل التأويل.حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله; ( وَفَرَضْنَاهَا ) يقول; بيَّناها.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( سُورَةٌ أَنـزلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ) قال; فرضناها لهذا الذي يتلوها مما فرض فيها، وقرأ فيها; ( آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ).وقوله; ( وَأَنـزلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) يقول تعالى ذكره; وأنـزلنا في هذه السورة علامات ودلالات على الحقّ بينات، يعني واضحات لمن تأمَّلَها وفكَّر فيها بعقل أنها من عند الله، فإنها الحقّ المبين، وإنها تهدي إلى الصراط المستقيم.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج; ( وَأَنـزلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) قال; الحلال والحرام والحدود ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) يقول; لتتذكروا بهذه الآيات البينات التي أنـزلناها.
أي: هذه { سُورَةٌ ْ} عظيمة القدر { أَنْزَلْنَاهَا ْ} رحمة منا بالعباد، وحفظناها من كل شيطان { وَفَرَضْنَاهَا ْ} أي: قدرنا فيها ما قدرنا، من الحدود والشهادات وغيرها، { وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ْ} أي: أحكاما جليلة، وأوامر وزواجر، وحكما عظيمة { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ْ} حين نبين لكم، ونعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. ثم شرع في بيان تلك الأحكام المشار إليها
(سورة) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه ،
(فيها) متعلّق بـ (أنزلنا) ، وعلامة النصب في(آيات) الكسرة
(تذكّرون) مضارع حذف منه إحدى التاءين.
جملة: «
(هذه) سورة» لا محلّ لها ابتدائيّة.
وجملة: «أنزلناها ... » في محلّ رفع نعت لسورة.
وجملة: «فرضناها ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة أنزلناها.
وجملة: «أنزلنا فيها ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة أنزلناها.
وجملة: «لعلّكم تذكّرون» لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «تذكّرون» في محلّ رفع خبر لعلّ.