الرسم العثمانيوَقُل لِّلْمُؤْمِنٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلٰى جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوٰنِهِنَّ أَوْ بَنِىٓ إِخْوٰنِهِنَّ أَوْ بَنِىٓ أَخَوٰتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمٰنُهُنَّ أَوِ التّٰبِعِينَ غَيْرِ أُولِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلٰى عَوْرٰتِ النِّسَآءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوٓا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَقُلْ لِّـلۡمُؤۡمِنٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ اَبۡصَارِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوۡجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِيۡنَ زِيۡنَتَهُنَّ اِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَلۡيَـضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلٰى جُيُوۡبِهِنَّۖ وَلَا يُبۡدِيۡنَ زِيۡنَتَهُنَّ اِلَّا لِبُعُوۡلَتِهِنَّ اَوۡ اٰبَآٮِٕهِنَّ اَوۡ اٰبَآءِ بُعُوۡلَتِهِنَّ اَوۡ اَبۡنَآٮِٕهِنَّ اَوۡ اَبۡنَآءِ بُعُوۡلَتِهِنَّ اَوۡ اِخۡوَانِهِنَّ اَوۡ بَنِىۡۤ اِخۡوَانِهِنَّ اَوۡ بَنِىۡۤ اَخَوٰتِهِنَّ اَوۡ نِسَآٮِٕهِنَّ اَوۡ مَا مَلَـكَتۡ اَيۡمَانُهُنَّ اَوِ التّٰبِعِيۡنَ غَيۡرِ اُولِى الۡاِرۡبَةِ مِنَ الرِّجَالِ اَوِ الطِّفۡلِ الَّذِيۡنَ لَمۡ يَظۡهَرُوۡا عَلٰى عَوۡرٰتِ النِّسَآءِۖ وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِاَرۡجُلِهِنَّ لِيُـعۡلَمَ مَا يُخۡفِيۡنَ مِنۡ زِيۡنَتِهِنَّ ؕ وَتُوۡبُوۡۤا اِلَى اللّٰهِ جَمِيۡعًا اَيُّهَ الۡمُؤۡمِنُوۡنَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُوۡنَ
تفسير ميسر:
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن عمَّا لا يحلُّ لهن من العورات، ويحفظن فروجهن عمَّا حَرَّم الله، ولا يُظهرن زينتهن للرجال، بل يجتهدن في إخفائها إلا الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلُبْسها، إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، وليلقين بأغطية رؤوسهن على فتحات صدورهن مغطيات وجوههن؛ ليكمل سترهن، ولا يُظْهِرْنَ الزينة الخفية إلا لأزواجهن؛ إذ يرون منهن ما لا يرى غيرهم. وبعضها، كالوجه، والعنق، واليدين، والساعدين يباح رؤيته لآبائهن أو آباء أزواجهن أو أبنائهن أو أبناء أزواجهن أو إخوانهن أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن أو نسائهن المسلمات دون الكافرات، أو ما ملكن مِنَ العبيد، أو التابعين من الرجال الذين لا غرض ولا حاجة لهم في النساء، مثل البُلْه الذين يتبعون غيرهم للطعام والشراب فحسب، أو الأطفال الصغار الذين ليس لهم علم بأمور عورات النساء، ولم توجد فيهم الشهوة بعد، ولا يضرب النساء عند سَيْرهن بأرجلهن ليُسْمِعْن صوت ما خفي من زينتهن كالخلخال ونحوه، وارجعوا- أيها المؤمنون- إلى طاعة الله فيما أمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة؛ رجاء أن تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.
هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات وغيرة منه لأزواجهن عباده المؤمنين وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات. وكان سبب نزول هذه الآية ما ذكره مقاتل بن حيان قال; بلغنا والله أعلم أن جابر بن عبدالله الأنصاري حدث أن أسماء بنت مرثد كان في محل لها في بنى حارثه فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل وتبدو صدورهن وذوائبهن فقالت أسماء; ما أقبح هذا فأنزل الله تعالى "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن" الآية فقوله تعالى "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن" أي عما حرم الله عليهن من النظر إلى غير أزواجهن ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلا واحتج كثير منهم بما رواه أبو داود والترمذي من حديث الزهري عن نبهان مولى أم سلمة أنه حدثه أن أم سلمة حدثته أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونه قالت; فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب فقال رسول الله "احتجبا منه" فقلت يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم; "أوعمياوان أنتما؟ أو ألستما تبصرانه؟ " ثم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وذهب آخرون من العلماء إلي جواز نظرهن إلى الأجانب بغير شهوة كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم يوم العيد في المسجد وعائشة أم المؤمنين تنظر إليهم من ورائه وهو يسترها منهم حتى ملت ورجعت وقوله "ويحفظن فروجهن" قال سعيد بن جبير; عن الفواحش وقال قتادة وسفيان; عما لا يحل لهن وقال مقاتل; عن الزنا وقال أبو العالية; كل آية نزلت في القرآن يذكر فيها حفظ الفروج فهو من الزنا إلا هذه الآية "ويحفظن فروجهن" أن لا يراها أحد وقوله تعالى "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" أي لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه قال ابن مسعود; كالرداء والثياب يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها وما لا يمكن إخفاؤه وقال بقول ابن مسعود الحسن وابن سيرين وأبو الجوزاء وإبراهيم النخعي وغيرهم وقال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس; "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" قال; وجهها وكفيها والخاتم. وروى عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيره نحو ذلك وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها كما قال أبو إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبدالله قال في قوله "ولا يبدين زينتهن" الزينة القرط والدملوج والخلخال والقلادة وفي رواية عنه بهذا الإسناد قال; الزينة زينتان فزينة لا يراها إلا الزوج; الخاتم والسوار وزينة يراها الأجانب وهي الظاهر من الثياب وقال الزهري; لا يبدين لهؤلاء الذين سمى الله ممن لا يحل له إلا الأسورة والأخمرة والأقرطة من غير حسر وأما عامة الناس فلا يبدو منها إلا الخواتم وقال مالك عن الزهري "إلا ما ظهر منها"; الخاتم والخلخال ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين وهذا هو المشهور عند الجمهور ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في سننه حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ومؤمل بن الفضل الحراني قالا; حدثنا الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال; "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا" وأشار إلى وجهه وكفيه لكن قال أبو داود وأبو حاتم الرازي هو مرسل. خالد بن دريك لم يسمع من عائشة رضي الله عنها والله أعلم. وقوله تعالى "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" يعني المقانع يعمل لها صفات ضاربات على صدورهن لتواري ما تحتها من صدرها وترائبها ليخالفن شعار نساء أهل الجاهلية فإنهن لم يكن يفعلن ذلك بل كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطة آذانها فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن كما قال تعالى "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" وقال في هذه الآية الكريمة "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" والخمر جمع خمار وهو ما يخمر به أي يغطي به الرأس وهي التي تسميها الناس المقانع. قال سعيد بن جبير "وليضربن" وليشددن "بخمرهن على جيوبهن" يعني على النحر والصدر فلا يرى منه شيء وقال البخاري حدثنا أحمد بن شبيب حدثنا أبى عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت; يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله "وليضربن بخمرهن علي جيوبهن" شققن مروطهن فاختمرن بها. وقال أيضا حدثنا أبو نعيم حدثنا إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول; لما نزلت هذه الآية "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبدالله بن يونس حدثني الزنجي بن خالد حدثنا عبدالله بن عثمان بن خثيم عن صفية بنت شيبة قالت; بينا نحن عند عائشة قالت فذكرن نساء قريش وفضلهن فقالت عائشة رضي الله عنها إن لنساء قريش لفضلا وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا لكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل لقد أنزلت سورة النور "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجرت به تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رءوسهن الغربان. ورواه أبو داود من غير وجه عن صفية بن شيبة به قال ابن جرير حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أن قرة بن عبدالرحمن أخبره عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت; يرحم الله النساء المهاجرات الأول لما أنزل الله "وليضربن بخمرهن على جيوبهن "شققن أكتف مروطهن فاختمرن بها. ورواه أبو داود من حديث ابن وهب به وقوله تعالى "ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن" أي أزواجهن "أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن" كل هؤلاء محارم للمرأة يجوز لها أن تظهر عليهم بزينتها ولكن من غير تبرج وقد روى ابن المنذر حدثنا موسي يعني ابن هارون حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا داود عن الشعبي وعكرمة في هذه الآية "ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن" حتى فرغ منها وقال لم يذكر العم ولا الخال لأنهما ينعتان لأبنائهما ولا تضع خمارها عند العم والخال فأما الزوج فإنما ذلك كله من أجله فتتصنع له بما لا يكون بحضرة غيره. وقوله "أو نسائهن" يعني تظهر بزينتها أيضا للنساء المسلمات دون نساء أهل الذمة لئلا تصفهن لرجالهن وذلك وإن كان محذورا في جميع النساء إلا أنه في نساء أهل الذمة أشد فإنهن لا يمنعهن من ذلك مانع فأما المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تباشر المرأة المرأة تنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها" أخرجاه فى الصحيحين عن ابن مسعود وروي سعيد بن منصور في سننه حدثنا إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغازي عن عبادة بن نسي عن أبيه عن الحارث بن قيس أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة; أما بعد فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك فإنه من قبلك فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلي عورتها إلا أهل ملتها. وقال مجاهد في قوله "أو نسائهن" قال; نساؤهن المسلمات ليس المشركات من نسائهن وليس للمرأة المسلمة أن تنكشف بين يدي مشركة وروى عبدالله في تفسيره عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس "أو نسائهن" قال; هن المسلمات لا تبديه ليهودية ولا نصرانية وهو النحر والقرط والوشاح وما لا يحل أن يراه إلا محرم وروى سعيد حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد قال; لا تضع المسلمة خمارها عند مشركة لأن الله تعالى يقول "أو نسائهن" فليست من نسائهن وعن مكحول وعبادة بن نسي أنهما كرها أن تقبل النصرانية واليهودية والمجوسية المسلمة فأما ما رواه ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو عمير حدثنا ضمرة قال; قال ابن عطاء عن أبيه قال; لما قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس كان قوابل نسائهن اليهوديات والنصرانيات فهذا إن صح فمحمول على حال الضرورة أو أن ذلك من باب الامتهان ثم إنه ليس فيه كشف عورة ولا بد والله أعلم. وقوله تعالى; "أو ما ملكت أيمانهن" قال ابن جرير; يعني من نساء المشركين فيجوز لها أن تظهر زينتها لها وإن كانت مشركة لأنها أمتها وإليه ذهب سعيد بن المسيب وقال الأكثرون; بل يجوز لها أن تظهر على رقيقها من الرجال والنساء واستدلوا بالحديث الذي رواه أبو داود ثنا محمد بن عيسي حدثنا أبو جميع سالم بن دينار عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي فاطمة بعبد قد وهبه لها قال وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال; "إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك". وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه في ترجمة خديج الحمصي مولى معاوية أن عبدالله بن مسعدة الفزاري كان أسود شديد الأدمة وأنه قد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهبه لابنته فاطمة فربته ثم أعتقته ثم قد كان بعد ذلك كله برز مع معاوية أيام صفين وكان من أشد الناس على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وروى الإمام أحمد حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن نبهان عن أم سلمة ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال; "إذا كان لإحداكن مكاتب وكان له ما يؤدي فلتحتجب منه" ورواه أبو داود عن مسدد عن سفيان به وقوله تعالى "أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال" يعني كالأجراء والأتباع الذين ليسوا بأكفاء وهم مع ذلك فى عقولهم وله وحَوْب ولا همة لهم إلى النساء ولا يشتهونهن. قال ابن عباس; هو المغفل الذي لا شهوة له. وقال مجاهد; هو الأبله وقال عكرمة; هو المخنث الذي لا يقوم ذكره وكذلك قال غير واحد من السلف وفي الصحيح من حديث الزهري عن عروة عن عائشة أن مخنثا كان يدخل على أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة يقول إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم" فأخرجه فكان بالبيداء يدخل يوم كل جمعة ليستطعم. وروى الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمه عن أم سلمة أنها قالت; دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها مخنث وعندها عبدالله بن أبي أمية يعني أخاها والمخنث يقول; يا عبدالله إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان قال فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأم سلمة; "لا يدخلن هذا عليك" أخرجاه في الصحيحين من حديث هشام ابن عروة. وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت; كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ألا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا" فحجبوه ورواه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق عبد الرزاق به عن أم سلمة وقوله تعالى " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء " يعني لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهم الرحيم وتعطفهن في المشية وحركاتهن وسكناتهن فإذا كان الطفل صغيرا لا يفهم ذلك فلا بأس بدخوله على النساء فأما إن كان مراهقا أو قريبا منه بحيث يعرف ذلك ويدريه ويفرق بين الشوهاء والحسناء فلا يمكن من الدخول على النساء وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال; "إياكم والدخول على النساء" قيل يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال; "الحمو الموت" وقوله تعالى "ولا يضربن بأرجلهن" الآية كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت لا يعلم صوته ضربت برجلها الأرض فيسمع الرجال طنينه فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورا فتحركت بحركة لتظهر ما هو خفي دخل في هذا النهى لقوله تعالى "ولا يضربن بأرجلهن" إلى آخره. ومن ذلك أنها تنتهي عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها فيشم الرجال طيبها فقد قال أبو عيسي الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيي بن سعيد القطان عن ثابت بن عمارة الحنفي عن غنيم بن قيس عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال; "كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا" يعني زانية وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حسن صحيح ورواه أبو داود والنسائي من حديث ثابت بن عمارة به. وقال أبو داود حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال; لقيته امرأة شم منها ريح الطيب ولذيلها إعصار فقال يا أمية الجبار جئت من المسجد؟ قالت نعم قال لها; تطيبت؟ قالت نعم قال; إني سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول "لا يقبل الله صلاة امرأة طيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغسل غسلها من الجنابة" ورواه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبي شيبة عن سفيان هو ابن عيينة به. وروى الترمذي أيضا من حديث موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد عن ميمونه بنت سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال; "الرافلة في الزينة في غير أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها" ومن ذلك أيضا أنهن ينهين عن المشي في وسط الطريق لما فيه من التبرج. قال أبو داود حدثنا التغلبي حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن ابن أبي اليمان عن شداد بن أبي عمرو بن حماس عن أبيه عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجل مع النساء في الطريق فقال رسول الله للنساء "استأخرن فإنه ليس لكن أن تحتضن الطريق عليكن بحافات الطريق" فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. وقوله تعالى "وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون" أي افعلوا ما آمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الجليلة واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة فإن الفلاح كل الفلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهيا عنه والله تعالى هو المستعان.
قوله تعالى ; وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحونقوله تعالى ; وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلى قوله ; من زينتهن فيه ست وعشرون مسألة ;الأولى ; قوله تعالى ; وقل للمؤمنات خص الله سبحانه وتعالى الإناث هنا بالخطاب على طريق التأكيد ؛ فإن قوله قل للمؤمنين يكفي ؛ لأنه قول عام يتناول الذكر والأنثى من المؤمنين ، حسب كل خطاب عام في القرآن . وظهر التضعيف في يغضضن ولم يظهر في يغضوا لأن لام الفعل من الثاني ساكنة ومن الأول متحركة ، وهما في موضع جزم جوابا . وبدأ بالغض قبل الفرج لأن البصر رائد للقلب ؛ كما أن الحمى رائد الموت . وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال ;ألم تر أن العين للقلب رائد فما تألف العينان فالقلب آلف[ ص; 210 ] وفي الخبر ( النظر سهم من سهام إبليس مسموم فمن غض بصره أورثه الله الحلاوة في قلبه ) . وقال مجاهد ; إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزينها لمن ينظر ؛ فإذا أدبرت جلس على عجزها فزينها لمن ينظر . وعن خالد بن أبي عمران قال ; لا تتبعن النظرة النظرة فربما نظر العبد نظرة نغل منها قلبه كما ينغل الأديم فلا ينتفع به . فأمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار عما لا يحل ؛ فلا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة ولا المرأة إلى الرجل ؛ فإن علاقتها به كعلاقته بها ؛ وقصدها منه كقصده منها . وفي صحيح مسلم ، عن أبي هريرة قال ; سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ; إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فالعينان تزنيان وزناهما النظر . . . الحديث . وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء ; لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليهن وإن كانت صغيرة . وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري . وفي الصحيحين عنه - عليه السلام - أنه صرف وجه الفضل عن الخثعمية حين سألته ، وطفق الفضل ينظر إليها . وقال ; عليه السلام - ; الغيرة من الإيمان والمذاء من النفاق . والمذاء هو أن يجمع الرجل بين النساء والرجال ثم يخليهم يماذي بعضهم بعضا ؛ مأخوذ من المذي . وقيل ; هو إرسال الرجال إلى النساء ؛ من قولهم ; مذيت الفرس إذا أرسلتها ترعى . وكل ذكر يمذي ، وكل أنثى تقذي ؛ فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تبدي زينتها إلا لمن تحل له ؛ أو لمن هي محرمة عليه على التأبيد ؛ فهو آمن أن يتحرك طبعه إليها لوقوع اليأس له منها .الثانية ; روى الترمذي ، عن نبهان مولى أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها ولميمونة وقد دخل [ ص; 211 ] عليها ابن أم مكتوم ; احتجبا فقالتا ; إنه أعمى ، قال ; أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه . فإن قيل ; هذا الحديث لا يصح عند أهل النقل ؛ لأن راويه عن أم سلمة نبهان مولاها وهو ممن لا يحتج بحديثه . وعلى تقدير صحته فإن ذلك منه - عليه السلام - تغليظ على أزواجه لحرمتهن كما غلظ عليهن أمر الحجاب ؛ كما أشار إليه أبو داود وغيره من الأئمة . ويبقى معنى الحديث الصحيح الثابت وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت أم شريك ؛ ثم قال ; تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك ولا يراك . قلنا ; قد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن المرأة يجوز لها أن تطلع من الرجل على ما لا يجوز للرجل أن يطلع من المرأة كالرأس ومعلق القرط ؛ وأما العورة فلا . فعلى هذا يكون مخصصا لعموم قوله تعالى ; وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ، وتكون من للتبعيض كما هي في الآية قبلها . قال ابن العربي ; وإنما أمرها بالانتقال من بيت أم شريك إلى بيت ابن أم مكتوم لأن ذلك أولى بها من بقائها في بيت أم شريك ؛ إذ كانت أم شريك مؤثرة بكثرة الداخل إليها ، فيكثر الرائي لها ، وفي بيت ابن أم مكتوم لا يراها أحد ؛ فكان إمساك بصرها عنه أقرب من ذلك وأولى ، فرخص لها في ذلك ، والله أعلم .الثالثة ; أمر الله سبحانه وتعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين ، إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية حذارا من الافتتان ، ثم استثنى ما يظهر من الزينة ؛ واختلف الناس في قدر ذلك ؛ فقال ابن مسعود ; ظاهر الزينة هو الثياب . وزاد ابن جبير الوجه . وقال سعيد بن جبير أيضا ، وعطاء ، والأوزاعي ; الوجه والكفان والثياب . وقال ابن عباس ، وقتادة ، والمسور بن مخرمة ; ظاهر الزينة هو الكحل ، والسوار ، والخضاب إلى نصف الذراع ، والقرطة ، والفتخ ؛ ونحو هذا فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس . وذكر الطبري ، عن قتادة في معنى نصف الذراع حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر آخر عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ; لا [ ص; 212 ] يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هاهنا وقبض على نصف الذراع . قال ابن عطية ; ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه ، أو إصلاح شأن ونحو ذلك . ف ( ما ظهر ) على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه .قلت ; هذا قول حسن ، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج ، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما . يدل على ذلك ما رواه أبو داود ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لها ; يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه . فهذا أقوى من جانب الاحتياط ؛ ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها ، والله الموفق لا رب سواه . وقد قال ابن خويز منداد من علمائنا ; إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك ؛ وإن كانت عجوزا أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها .الرابعة ; الزينة على قسمين ; خلقية ومكتسبة ؛ فالخلقية وجهها فإنه أصل الزينة وجمال الخلقة ومعنى الحيوانية ؛ لما فيه من المنافع وطرق العلوم . وأما الزينة المكتسبة فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خلقتها ؛ كالثياب ، والحلي ، والكحل ، والخضاب ؛ ومنه قوله تعالى ; خذوا زينتكم . وقال الشاعر ;يأخذن زينتهن أحسن ما ترى وإذا عطلن فهن خير عواطلالخامسة ; من الزينة ظاهر وباطن ؛ فما ظهر فمباح أبدا لكل الناس من المحارم والأجانب ؛ وقد ذكرنا ما للعلماء فيه . وأما ما بطن فلا يحل إبداؤه إلا لمن سماهم الله تعالى في هذه الآية ، أو حل محلهم . واختلف في السوار ؛ فقالت عائشة ; هي من الزينة الظاهرة لأنها في اليدين . وقال مجاهد ; هي من الزينة الباطنة لأنها خارج عن الكفين وإنما تكون في الذراع . قال ابن العربي ; وأما الخضاب فهو من الزينة الباطنة إذا كان في القدمين .[ ص; 213 ] السادسة ; قوله تعالى ; وليضربن بخمرهن على جيوبهن قرأ الجمهور بسكون اللام التي هي للأمر . وقرأ أبو عمرو في رواية ابن عباس بكسرها على الأصل ؛ لأن الأصل في لام الأمر الكسر ، وحذفت الكسرة لثقلها ، وإنما تسكينها لتسكين عضد وفخذ . و ( يضربن ) في موضع جزم بالأمر ، إلا أنه بني على حالة واحدة إتباعا للماضي عند سيبويه . وسبب هذه الآية أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رءوسهن بالأخمرة وهي المقانع سدلنها من وراء الظهر . قال النقاش ; كما يصنع النبط ؛ فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك ؛ فأمر الله تعالى بلي الخمار على الجيوب ، وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها . روى البخاري ، عن عائشة أنها قالت ; رحم الله نساء المهاجرات الأول ؛ لما نزل ; وليضربن بخمرهن على جيوبهن شققن أزرهن فاختمرن بها . ودخلت على عائشة حفصة بنت أخيها عبد الرحمن - رضي الله عنهم - وقد اختمرت بشيء يشف عن عنقها وما هنالك ؛ فشقته عليها وقالت ; إنما يضرب بالكثيف الذي يستر .السابعة ; الخمر ; جمع الخمار ، وهو ما تغطي به رأسها ؛ ومنه اختمرت المرأة وتخمرت ، وهي حسنة الخمرة . والجيوب ; جمع الجيب ، وهو موضع القطع من الدرع والقميص ؛ وهو من الجوب وهو القطع . ومشهور القراءة ضم الجيم من ( جيوبهن ) . وقرأ بعض الكوفيين بكسرها بسبب الياء ؛ كقراءتهم ذلك في ; بيوت وشيوخ . والنحويون القدماء لا يجيزون هذه القراءة ويقولون ; بيت وبيوت كفلس وفلوس . وقال الزجاج ; يجوز على أن تبدل من الضمة كسرة ؛ فأما ما روي عن حمزة من الجمع بين الضم والكسر فمحال ، لا يقدر أحد أن ينطق به إلا على الإيماء إلى ما لا يجوز . وقال مقاتل ; على جيوبهن أي على صدورهن ؛ يعني على مواضع جيوبهن .الثامنة ; في هذه الآية دليل على أن الجيب إنما يكون في الثوب موضع الصدر . وكذلك كانت الجيوب في ثياب السلف رضوان الله عليهم ؛ على ما يصنعه النساء عندنا بالأندلس وأهل الديار المصرية من الرجال والصبيان وغيرهم . وقد ترجم البخاري رحمة الله تعالى عليه ( باب جيب القميص من عند الصدر وغيره ) وساق حديث أبي هريرة قال ; ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما [ ص; 214 ] وتراقيهما . . . ) الحديث ، وقد تقدم بكماله ، وفيه ; قال أبو هريرة ; فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بإصبعيه هكذا في جيبه ؛ فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع . فهذا يبين لك أن جيبه - عليه السلام - كان في صدره ؛ لأنه لو كان في منكبه لم تكن يداه مضطرة إلى ثدييه وتراقيه . وهذا استدلال حسن .التاسعة ; قوله تعالى ; إلا لبعولتهن والبعل هو الزوج والسيد في كلام العرب ؛ ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل ; إذا ولدت الأمة بعلها يعني سيدها ؛ إشارة إلى كثرة السراري بكثرة الفتوحات ، فيأتي الأولاد من الإماء فتعتق كل أم بولدها وكأنه سيدها الذي من عليها بالعتق ، إذ كان العتق حاصلا لها من سببه ؛ قاله ابن العربي .قلت ; ومنه قوله - عليه السلام - في مارية ; أعتقها ولدها فنسب العتق إليه . وهذا من أحسن تأويلات هذا الحديث . والله أعلم .مسألة ; فالزوج والسيد يرى الزينة من المرأة وأكثر من الزينة إذ كل محل من بدنها حلال له لذة ونظرا . ولهذا المعنى بدأ بالبعولة ؛ لأن اطلاعهم يقع على أعظم من هذا ، قال الله تعالى ; والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين .العاشرة ; اختلف الناس في جواز نظر الرجل إلى فرج المرأة ؛ على قولين ; أحدهما ; يجوز ؛ لأنه إذا جاز له التلذذ به فالنظر أولى . وقيل ; لا يجوز ؛ لقول عائشة - رضي الله عنها - في ذكر حالها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; ما رأيت ذلك منه ولا رأى ذلك مني والأول أصح ، وهذا محمول على الأدب ؛ قاله ابن العربي . وقد قال أصبغ من علمائنا ; يجوز له أن يلحسه بلسانه . وقال ابن خويز منداد ; أما الزوج والسيد فيجوز له أن ينظر إلى سائر الجسد وظاهر [ ص; 215 ] الفرج دون باطنه . وكذلك المرأة يجوز أن تنظر إلى عورة زوجها ، والأمة إلى عورة سيدها .قلت ; وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; النظر إلى الفرج يورث الطمس أي العمى ، أي في الناظر . وقيل ; إن الولد بينهما يولد أعمى . والله أعلم .الحادية عشرة ; ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة ، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر . فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها . وتختلف مراتب ما يبدى لهم ؛ فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج . وقد ذكر القاضي إسماعيل ، عن الحسن ، والحسين - رضي الله عنهما - أنهما كانا لا يريان أمهات المؤمنين . وقال ابن عباس ; إن رؤيتهما لهن تحل . قال إسماعيل ; أحسب أن الحسن والحسين ذهبا في ذلك إلى أن أبناء البعولة لم يذكروا في الآية التي في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي قوله تعالى ; لا جناح عليهن في آبائهن . وقال في سورة النور ; ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن الآية . فذهب ابن عباس إلى هذه الآية ، وذهب الحسن ، والحسين إلى الآية الأخرى .الثانية عشرة ; قوله تعالى ; أو أبناء بعولتهن يريد ذكور أولاد الأزواج ، ويدخل فيه أولاد الأولاد وإن سفلوا ، من ذكران كانوا أو إناث ؛ كبني البنين وبني البنات . وكذلك آباء البعولة والأجداد وإن علوا من جهة الذكران لآباء الآباء وآباء الأمهات ، وكذلك أبناؤهن وإن سفلوا . وكذلك أبناء البنات وإن سفلن ؛ فيستوي فيه أولاد البنين وأولاد البنات . وكذلك أخواتهن ، وهم من ولد الآباء والأمهات أو أحد الصنفين . وكذلك بنو الإخوة وبنو الأخوات وإن سفلوا من ذكران كانوا أو إناث كبني بني الأخوات وبني بنات الأخوات . وهذا كله في معنى ما حرم من المناكح ، فإن ذلك على المعاني في الولادات وهؤلاء محارم ، وقد تقدم في ( النساء ) . والجمهور على أن العم والخال كسائر المحارم في جواز النظر لهما إلى ما يجوز لهم . وليس في الآية ذكر الرضاع ، وهو كالنسب على ما تقدم . وعند الشعبي ، وعكرمة ليس العم والخال من المحارم . وقال عكرمة ; لم يذكرهما في الآية لأنهما تبعان لأبنائهما .الثالثة عشرة ; قوله تعالى ; أو نسائهن يعني المسلمات ، ويدخل في هذا الإماء [ ص; 216 ] المؤمنات ، ويخرج منه نساء المشركين من أهل الذمة وغيرهم ؛ فلا يحل لامرأة مؤمنة أن تكشف شيئا من بدنها بين يدي امرأة مشركة إلا أن تكون أمة لها ؛ فذلك قوله تعالى ; أو ما ملكت أيمانهن . وكان ابن جريج ، وعبادة بن نسي ، وهشام القارئ يكرهون أن تقبل النصرانية المسلمة أو ترى عورتها ؛ ويتأولون أو نسائهن . وقال عبادة بن نسي ; وكتب عمر - رضي الله عنه - إلى أبي عبيدة بن الجراح ; أنه بلغني أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين ؛ فامنع من ذلك ، وحل دونه ؛ فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة . قال ; فعند ذلك قام أبو عبيدة وابتهل وقال ; أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسود الله وجهها يوم تبيض الوجوه . وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - ; لا يحل للمسلمة أن تراها يهودية أو نصرانية ؛ لئلا تصفها لزوجها . وفي هذه المسألة خلاف للفقهاء . فإن كانت الكافرة أمة لمسلمة جاز أن تنظر إلى سيدتها ؛ وأما غيرها فلا ، لانقطاع الولاية بين أهل الإسلام وأهل الكفر ، ولما ذكرناه . والله أعلم .الرابعة عشرة ; قوله تعالى ; أو ما ملكت أيمانهن ظاهر الآية يشمل العبيد والإماء المسلمات والكتابيات . وهو قول جماعة من أهل العلم ، وهو الظاهر من مذهب عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما - . وقال ابن عباس ; لا بأس أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته . وقال أشهب ; سئل مالك أتلقي المرأة خمارها بين يدي الخصي ؟ فقال نعم ، إذا كان مملوكا لها أو لغيرها ؛ وأما الحر فلا . وإن كان فحلا كبيرا وغدا تملكه ، لا هيئة له ولا منظر فلينظر إلى شعرها . قال أشهب قال مالك ; ليس بواسع أن تدخل جارية الولد أو الزوجة على الرجل المرحاض ؛ قال الله تعالى ; أو ما ملكت أيمانكم . وقال أشهب عن مالك ; ينظر الغلام الوغد إلى شعر سيدته ، ولا أحبه لغلام الزوج . وقال سعيد بن المسيب ; لا تغرنكم هذه الآية أو ما ملكت أيمانهن إنما عني بها الإماء ولم يعن بها العبيد . وكان الشعبي يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته . وهو قول مجاهد ، وعطاء . وروى أبو داود عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها ، قال ; وعلى فاطمة ثوب إذا غطت به رأسها لم يبلغ إلى رجليها ، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ إلى رأسها ؛ فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما تلقى من ذلك قال ; إنه لا بأس عليك إنما هو أبوك وغلامك .[ ص; 217 ] الخامسة عشرة ; قوله تعالى ; أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أي غير أولي الحاجة والإربة الحاجة ، يقال ; أربت كذا آرب أربا . والإرب والإربة والمأربة والأرب ; الحاجة ؛ والجمع مآرب ؛ أي حوائج . ومنه قوله تعالى ; ولي فيها مآرب أخرى وقد تقدم وقال طرفة ;إذا المرء قال الجهل والحوب والخنا تقدم يوما ثم ضاعت مآربهواختلف الناس في معنى قوله ; أو التابعين غير أولي الإربة فقيل ; هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء . وقيل الأبله . وقيل ; الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم ؛ وهو ضعيف لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن . وقيل العنين . وقيل الخصي . وقيل المخنث . وقيل الشيخ الكبير ، والصبي الذي لم يدرك . وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى ، ويجتمع فيمن لا فهم له ولا همة ينتبه بها إلى أمر النساء . وبهذه الصفة كان هيت المخنث عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما سمع منه ما سمع من وصف محاسن المرأة ; باديسة بنت غيلان ، أمر بالاحتجاب منه . أخرج حديثه مسلم ، وأبو داود ، ومالك في الموطأ ، وغيرهم عن هشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة . قال أبو عمر ; ذكر عبد الملك بن حبيب ، عن حبيب كاتب مالك ، قال ; قلت لمالك ; إن سفيان زاد في حديث ابنة غيلان ; ( أن مخنثا يقال له هيت ) وليس في كتابك هيت ؟ فقال مالك ; صدق ، هو كذلك وغربه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحمى وهو موضع من ذي الحليفة ذات الشمال من مسجدها . قال حبيب ; وقلت لمالك ; وقال سفيان في الحديث ; إذا قعدت تبنت ، وإذا تكلمت تغنت . قال مالك ; صدق ، هو كذلك . قال أبو عمر ; ما ذكره حبيب كاتب مالك ، عن سفيان أنه قال في الحديث يعني حديث هشام بن عروة ( أن مخنثا يدعى هيتا ) فغير معروف عند أحد من رواته عن هشام ، لا ابن عيينة ولا غيره ، ولم يقل في نسق الحديث ( إن مخنثا يدعى هيتا ) وإنما ذكره عن ابن جريج بعد تمام الحديث ، وكذلك قوله عن سفيان أنه يقول في [ ص; 218 ] الحديث ; إذا قعدت تبنت وإذا تكلمت تغنت ، هذا ما لم يقله سفيان ولا غيره في حديث هشام بن عروة ، وهذا اللفظ لا يوجد إلا من رواية الواقدي ، والعجب أنه يحكيه عن سفيان ، ويحكي عن مالك أنه كذلك ، فصارت رواية عن مالك ، ولم يروه عن مالك غير حبيب ولا ذكره عن سفيان غيره أيضا ، والله أعلم . وحبيب كاتب مالك متروك الحديث ضعيف عند جميعهم ، لا يكتب حديثه ولا يلتفت إلى ما يجيء به . ذكر الواقدي ، والكلبي أن هيتا المخنث قال لعبد الله بن أمية المخزومي وهو أخو أم سلمة لأبيها ، وأمه عاتكة عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال له وهو في بيت أخته أم سلمة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمع ; إن فتح الله عليكم الطائف فعليك ببادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ، مع ثغر كالأقحوان ، إن جلست تبنت وإن تكلمت تغنت ، بين رجليها كالإناء المكفوء ، وهي كما قال قيس بن الخطيم ;تغترق الطرف وهي لاهية كأنما شف وجهها نزفبين شكول النساء خلقتها قصد فلا جبلة ولا قضفتنام عن كبر شأنها فإذا قامت رويدا تكاد تنقصففقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله . ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى . قال ; فلما افتتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له منه بريهة ؛ في قول الكلبي . ولم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما ولي أبو بكر كلم فيه فأبى أن يرده ، فلما ولي عمر كلم فيه فأبى ، ثم كلم فيه عثمان بعد . وقيل ; إنه قد كبر وضعف واحتاج ، فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل ويرجع إلى مكانه . قال ; وكان هيت مولى لعبد الله بن أبي أمية المخزومي ، وكان له طويس أيضا ، فمن ثم قبل الخنث . قال أبو عمر ; يقال ( بادية ) بالياء و ( بادنة ) بالنون ، والصواب فيه عندهم بالياء ، وهو قول أكثرهم ، وكذلك ذكره الزبيري بالياء .[ ص; 219 ] السادسة عشرة ; وصف التابعين ب ( غير ) لأن التابعين غير مقصودين بأعيانهم ، فصار اللفظ كالنكرة . و غير لا يتمحض نكرة فجاز أن يجري وصفا على المعرفة . وإن شئت قلت هو بدل . والقول فيها كالقول في غير المغضوب عليهم . وقرأ عاصم وابن عامر ( غير ) بالنصب فيكون استثناء ؛ أي يبدين زينتهن للتابعين إلا ذا الإربة منهم . ويجوز أن يكون حالا ؛ أي والذين يتبعونهن عاجزين عنهن ؛ قاله أبو حاتم . وذو الحال ما في ( التابعين ) من الذكر .السابعة عشرة ; قوله تعالى ; أو الطفل اسم جنس بمعنى الجمع ، والدليل على ذلك نعته ب ( الذين ) . وفي مصحف حفصة ( أو الأطفال ) على الجمع . ويقال ; طفل ما لم يراهق الحلم . و ( يظهروا ) معناه يطلعوا بالوطء ؛ أي لم يكشفوا عن عوراتهن للجماع لصغرهن . وقيل ; لم يبلغوا أن يطيقوا النساء ؛ يقال ; ظهرت على كذا أي علمته ، وظهرت على كذا أي قهرته . والجمهور على سكون الواو من ( عورات ) لاستثقال الحركة على الواو . وروي عن ابن عباس فتح الواو ؛ مثل جفنة وجفنات . وحكى الفراء أنها لغة قيس عورات بفتح الواو . النحاس ; وهذا هو القياس ؛ لأنه ليس بنعت ، كما تقول ; جفنة وجفنات ؛ إلا أن التسكين أجود في عورات وأشباهه ، لأن الواو إذا تحركت وتحرك ما قبلها قلبت ألفا ؛ فلو قيل هذا لذهب المعنى .الثامنة عشرة ; اختلف العلماء في وجوب ستر ما سوى الوجه والكفين منه على قولين ; أحدهما ; لا يلزم ؛ لأنه لا تكليف عليه ، وهو الصحيح . والآخر يلزمه ؛ لأنه قد يشتهي وقد تشتهي أيضا هي فإن راهق فحكمه حكم البالغ وجوب الستر . ومثله الشيخ الذي سقطت شهوته اختلف فيه أيضا على قولين كما في الصبي ، والصحيح بقاء الحرمة ؛ قاله ابن العربي .التاسعة عشرة ; أجمع المسلمون على أن السوءتين عورة من الرجل والمرأة ، وأن المرأة كلها عورة ، إلا وجهها ويديها فإنهم اختلفوا فيهما . وقال أكثر العلماء في الرجل ; من سرته إلى ركبته عورة ؛ لا يجوز أن ترى . وقد مضى في ( الأعراف ) القول في هذا مستوفى .الموفية عشرين ; قال أصحاب الرأي ; عورة المرأة مع عبدها من السرة إلى الركبة . [ ص; 220 ] ابن العربي ; وكأنهم ظنوها رجلا أو ظنوه امرأة ، والله تعالى قد حرم المرأة على الإطلاق لنظر أو لذة ، ثم استثنى اللذة للأزواج وملك اليمين ، ثم استثنى الزينة لاثني عشر شخصا العبد منهم ، فما لنا ولذلك ! هذا نظر فاسد واجتهاد عن السداد متباعد . وقد تأول بعض الناس قوله ; أو ما ملكت أيمانهن على الإماء دون العبيد ؛ منهم سعيد بن المسيب ، فكيف يحملون على العبيد ثم يلحقون بالنساء ، هذا بعيد جدا وقد قيل ; إن التقدير أو ما ملكت أيمانهن من غير أولي الإربة أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ؛ حكاه المهدوي .الحادية والعشرون ; قوله تعالى ; ولا يضربن بأرجلهن أي لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت لتسمع صوت خلخالها ؛ فإسماع صوت الزينة كإبداء الزينة وأشد ، والغرض التستر . أسند الطبري ، عن المعتمر ، عن أبيه أنه قال ; زعم حضرمي أن امرأة اتخذت برتين من فضة واتخذت جزعا فجعلت في ساقها فمرت على القوم فضربت برجلها الأرض فوقع الخلخال على الجزع فصوت ؛ فنزلت هذه الآية . وسماع هذه الزينة أشد تحريكا للشهوة من إبدائها ؛ قاله الزجاج .الثانية والعشرون ; من فعل ذلك منهن فرحا بحليهن فهو مكروه . ومن فعل ذلك منهن تبرجا وتعرضا للرجال فهو حرام مذموم . وكذلك من ضرب بنعله من الرجال ، إن فعل ذلك تعجبا حرم فإن العجب كبيرة . وإن فعل ذلك تبرجا لم يجز .الثالثة والعشرون ; قال مكي رحمه الله تعالى ; ليس في كتاب الله تعالى آية أكثر ضمائر من هذه ، جمعت خمسة وعشرين ضميرا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع .قوله تعالى ; وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون فيه مسألتان ;الأولى ; قوله تعالى ; وتوبوا أمر . ولا خلاف بين الأمة في وجوب التوبة ، وأنها فرض متعين ؛ وقد مضى الكلام فيها في ( النساء ) وغيرها فلا معنى لإعادة ذلك . والمعنى ; وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى ، فلا تتركوا التوبة في كل حال .الثانية ; قرأ الجمهور ( أيه ) بفتح الهاء . وقرأ ابن عامر بضمها ؛ ووجهه أن تجعل الهاء من نفس الكلمة ، فيكون إعراب المنادى فيها . وضعف أبو علي ذلك جدا وقال ; آخر الاسم [ ص; 221 ] هو الياء الثانية من أي ، فالمضموم ينبغي أن يكون آخر الاسم ، ولو جاز ضم الهاء هاهنا لاقترانها بالكلمة لجاز ضم الميم في ( اللهم ) لاقترانها بالكلمة في كلام طويل . والصحيح أنه إذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قراءة فليس إلا اعتقاد الصحة في اللغة ، فإن القرآن هو الحجة . وأنشد الفراء ;يا أيه القلب اللجوج النفس أفق عن البيض الحسان اللعساللعس ; لون الشفة إذا كانت تضرب إلى السواد قليلا ، وذلك يستملح ؛ يقال ; شفة لعساء ، وفتية ونسوة لعس . وبعضهم يقف ( أيه ) . وبعضهم يقف ( أيها ) بالألف ؛ لأن علة حذفها في الوصل إنما هي سكونها وسكون اللام ، فإذا كان الوقف ذهبت العلة فرجعت الألف كما ترجع الياء إذا وقفت على ( محلي ) من قوله تعالى ; غير محلي الصيد . وهذا الاختلاف الذي ذكرناه كذلك هو في ( يا أيه الساحر ) . ( يا أيه الثقلان ) .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( وَقُلْ ) يا محمد ( للْمُؤْمِنَاتِ ) من أمتك ( يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ) عما يكره الله النظر إليه مما نهاكم عن النظر إليه ( وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) يقول; ويحفظن فروجهنَّ عن أن يراها من لا يحلّ له رؤيتها، بلبس ما يسترها عن أبصارهم.وقوله; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) يقول تعالى ذكره; ولا يُظهرن للناس الذين ليسوا لهن بمحرم زينتهنّ، وهما زينتان; إحداهما; ما خفي وذلك كالخلخال والسوارين والقرطين والقلائد،والأخرى; ما ظهر منها، وذلك مختلف في المعنيّ منه بهذه الآية، فكان بعضهم يقول; زينة الثياب الظاهرة.*ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا هارون بن المغيرة، عن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، قال; الزينة زينتان; فالظاهرة منها الثياب، وما خفي; الخَلْخَالان والقرطان والسواران.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; أخبرني الثوري، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، أنه قال; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) ; قال; هي الثياب.حدثنا ابن المثنى، قال; ثنا محمد بن جعفر، قال; ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; الثياب.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، مثله.قال; ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن زيد، عن عبد الله، مثله.قال; ثنا سفيان، عن علقمة، عن إبراهيم، في قوله; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) ; قال; الثياب.حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن علية، قال; أخبرنا بعض أصحابنا، إما يونس، وإما غيره، عن الحسن، في قوله; ( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; الثياب.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله ( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; الثياب.قال أبو إسحاق; ألا ترى أنه قال; خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ .حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، قال; ثنا محمد بن الفضل، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن زيد، عن ابن مسعود ( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; هو الرداء.وقال آخرون; الظاهر من الزينة التي أبيح لها أن تبديه; الكحل، والخاتم، والسواران، والوجه.*ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو كريب، قال; ثنا مروان، قال; ثنا مسلم الملائي، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; الكحل والخاتم.حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآمُليّ، قال; ثنا مروان، عن مسلم المَلائي، عن سعيد بن جُبير، مثله. ولم يذكر ابن عباس.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا هارون، عن أبي عبد الله نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال; الظاهر منها; الكحل والخدان.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا سفيان، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن سعيد بن جُبير، في قوله; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; الوجه والكفّ.حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال; ثنا مروان بن معاوية، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز المكي، عن سعيد بن جُبير، مثله.حدثني عليّ بن سهل، قال; ثنا الوليد بن مسلم، قال; ثنا أبو عمرو، عن عطاء في قول الله ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; الكفان والوجه.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قَتادة قال; الكحل، والسوران، والخاتم.حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; والزينة الظاهرة; الوجه، وكحل العين، وخضاب الكفّ، والخاتم، فهذه تظهر في بيتها لمن دخل من الناس عليها.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قَتادة; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; المسكتان والخاتم والكحل، قال قَتادة; وبلغني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال; " لا يحِلُّ لامْرأةٍ تُؤْمِنُ بالله واليَوْمِ الآخِرِ، أنْ تخْرجَ يَدَها إلا إلى هاهنا ". وقبض نصف الذراع.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن الزهري، عن رجل، عن المسور بن مخرمة، في قوله; ( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; القلبين، والخاتم، والكحل، يعني السوار.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال; قال ابن عباس، قوله; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; الخاتم والمسكة.قال ابن جُرَيج، وقالت عائشة; القُلْبُ والفتخة، قالت عائشة; دَخَلَتْ عليّ ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفيل مُزَيَّنةً، فدخل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأعرض، فقالت عائشة; يا رسول الله إنها ابنة أخي وجارية، فقال; " إذا عركت المرأة (2) لم يحلّ لها أن تظهر إلا وجهها، وإلا ما دون هذا "، وقبض على ذراع نفسه، فترك بين قبضته وبين الكفّ مثل قبضة أخرى. وأشار به أبو عليّ.قال ابن جُرَيج، وقال مجاهد قوله; ( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; الكحل والخضاب والخاتم.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا جرير، عن عاصم، عن عامر; ( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال الكحل، والخضاب، والثياب.حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) من الزينة; الكحل، والخضاب، والخاتم، هكذا كانوا يقولون وهذا يراه الناس.حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال; ثنا عمر بن أبي سلمة، قال; سئل الأوزاعي عن ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; الكفين والوجه.حدثنا عمرو بن بندق، قال; ثنا مروان، عن جُويبر، عن الضحاك في قوله; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) قال الكفّ والوجه.وقال آخرون; عنى به الوجه والثياب.*ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا المعتمر، قال; قال يونس ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال الحسن; الوجه والثياب.حدثنا ابن بشار، قال ثنا ابن أبي عديّ، وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قَتادة، عن الحسن، في قوله; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال; الوجه والثياب.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب; قول من قال; عنى بذلك; الوجه والكفان، يدخل في ذلك إذا كان كذلك; الكحل، والخاتم، والسوار، والخضاب.وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل؛ لإجماع الجميع على أن على كلّ مصل أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها، إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبديه من ذراعها إلى قدر النصف. فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعا، كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة، كما ذلك للرجال; لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره؛ وإذا كان لها إظهار ذلك، كان معلوما أنه مما استثناه الله تعالى ذكره، بقوله; ( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) لأن كل ذلك ظاهر منها.* * *وقوله; ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) يقول تعالى ذكره; وليلقين خُمُرهنّ، وهي جمع خمار، على جيوبهنّ، ليسترن بذلك شعورهنّ وأعناقهن وقُرْطَهُنَّ.حدثنا ابن وكيع، قال ثنا زيد بن حباب، عن إبراهيم بن نافع، قال; ثنا الحسن بن مسلم بن يناق، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت; لما نـزلت هذه الآية; ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) قال شققن البُرُد مما يلي الحواشي، فاختمرن به.حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، أن قرة بن عبد الرحمن، أخبره، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أنها قالت; يرحم الله النساء المهاجرات الأوَل، لما أنـزل الله; ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) شققن أكثف مروطهنّ، فاختمرن به.وقوله; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ ) يقول تعالى ذكره; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) التي هي غير ظاهرة، بل الخفية منها، وذلك الخلخال والقرط والدملج، وما أمرت بتغطيته بخمارها من فوق الجيب، وما وراء ما أبيح لها كشفه، وإبرازه في الصلاة وللأجنبيين من الناس، والذراعين إلى فوق ذلك، إلا لبعولتهنّ.وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن بشار، قال ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن منصور، عن طلحة بن مصرف، عن إبراهيم; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ) قال; هذه ما فوق الذراع.حدثنا ابن المثنى، قال; ثنا محمد بن جعفر، قال; ثنا شعبة، عن منصور، قال; سمعت رجلا يحدث عن طلحة، عن إبراهيم، قال في هذه الآية ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ) قال; ما فوق الجيب، قال شعبة; كتب به منصور إليّ، وقرأته عليه.حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قَتادة، في قوله; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ ) قال; تبدي لهؤلاء الرأس.حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ )... إلى قوله; عَوْرَاتِ النِّسَاءِ قال; الزينة التي يبدينها لهؤلاء; قرطاها، وقلادتها، وسوارها، فأما خلخالاها ومعضداها ونحرها وشعرها، فإنه لا تبديه إلا لزوجها.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، قال; قال ابن جُرَيج، قال; ابن مسعود، في قوله; ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ ) قال; الطوق والقرطين، يقول الله تعالى ذكره; قل للمؤمنات الحرائر; لا يظهرن هذه الزينَة الخفية التي ليست بالظاهرة إلا لبعولتهنّ، وهم أزواجهن، واحدهم بعل، أو لآبائهنّ، أو لآباء بعولتهن; يقول أو لآباء أزواجهن ، أو لأبنائهن ، أو لأبناء بعولتهن ، أو لإخوانهن، أو لبني إخوانهن ، ويعني بقوله; أو لإخوانهن أو لأخواتهن، أو لبني إخوانهن، أو بني أخواتهن، أو نسائهن. قيل; عني بذلك نساء المسلمين.*ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُريج، قوله; ( أَوْ نِسَائِهِنَّ ) قال; بلغني أنهنّ نساء المسلمين، لا يحلّ لمسلمة أن ترى مشركة عريتها، إلا أن تكون أمة لها، فذلك قوله; ( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ).قال; ثني الحسين، قال; ثني عيسى بن يونس، عن هشام بن الغازي، عن عبادة بن نسيّ; أنه كره أن تقبل النصرانية المسلمة، أو ترى عورتها، ويتأوّل; ( أَوْ نِسَائِهِنَّ ).قال; ثنا عيسى بن يونس، عن هشام، عن عبادة، قال; كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عُبيدة بن الجرّاح رحمة الله عليهما; أما بعد، فقد بلغني أن نساء يدخلن الحمامات، ومعهن نساء أهل الكتاب، فامنع ذلك، وحُلْ دونه. قال; ثم إن أبا عُبيدة قام في ذلك المقام مبتهلا اللهم أيما امرأة تدخل الحمام من غير علة ولا سقم، تريد البياض لوجهها، فسوّد وجهها يوم تبيض الوجوه.وقول; ( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال; بعضهم; أو مَمَالِيكُهُنَّ، فإنه لا بأس عليها أن تظهر لهم من زينتها ما تظهره لهؤلاء.*ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال; أخبرني عمرو بن دينار، عن مخلد التميمي، أنه قال، في قوله; ( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) قال; في القراءة الأولى ; أيمانكم.وقال; آخرون; بل معنى ذلك; أو ما ملكت أيمانهنّ من إماء المشركين، كما قد ذكرنا عن ابن جُرَيج قبل من أنه لما قال; ( أَوْ نِسَائِهِنَّ ) عنى بهن النساء المسلمات دون المشركات، ثم قال; أو ما ملكت أيمانهن من الإماء المشركات.القول في تأويل قوله تعالى ; أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَيقول تعالى ذكره; والذين يتبعونكم لطعام يأكلونه عندكم، ممن لا أرب له في النساء من الرجال، ولا حاجة به إليهنّ، ولا يريدهنّ.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ) قال; كان الرجل يتبع الرجل في الزمان الأول لا يغار عليه ولا ترهب المرأة أن تضع خمارها عنده، وهو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء.حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ) فهذا الرجل يتبع القوم، وهو مغفل في عقله، لا يكترث للنساء، ولا يشتهيهنّ، فالزينة التي تبديها لهؤلاء; قرطاها وقلادتها وسواراها، وأما خلخالاها ومعضداها ونحرها وشعرها، فإنها لا تبديه إلا لزوجها.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قَتادة، في قوله; ( أَوِ التَّابِعِينَ ) قال; هو التابع يتبعك يصيب من طعامك.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ) قال; الذي يريد الطعام، &; 19-162 &; ولا يريد النساء.قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ) الذين لا يهمهم إلا بطونهم، ولا يُخافون على النساء.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.حدثنا إسماعيل بن موسى السديّ، قال; ثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد، في قوله; ( غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ ) قال; الأبله.حدثنا أبو كريب، قال; ثنا ابن إدريس، قال; سمعت ليثا، عن مجاهد، قوله; ( غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ ) قال; هو الأبله، الذي لا يعرف شيئًا من النساء.حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن عُلية، قال; ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله; ( غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ) الذي لا أرب له بالنساء، مثل فلان.حدثنا أبو كريب، قال; ثنا ابن عطية، قال; ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق عمن حدثه، عن ابن عباس; ( غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ ) قال; هو الذي لا تستحيي منه النساء.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي; ( غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ ) قال; من تبع الرجل وحشمه، الذي لم يبلغ أربه أن يطَّلع على عورة النساء.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن المغيرة، عن الشعبي ( غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ ) قال; الذي لا أرب له في النساء.قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، قال; المعتوه.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري في قوله; ( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ) قال; هو الأحمق، الذي لا همة له بالنساء ولا أرب.وبه عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، في قوله; ( غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ) يقول; الأحمق، الذي ليست له همة في النساء.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال; &; 19-163 &; قال ابن عباس; الذي لا حاجة له في النساء.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال; ابن زيد، في قوله; ( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ) قال; هو الذي يتبع القوم، حتى كأنه كان منهم ونشأ فيهم، وليس يتبعهم لإربة نسائهم، وليس له في نسائهم إربة. وإنما يتبعهم لإرفاقهم إياه.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن الزهري ، عن عروة، عن عائشة قالت; كان رجل يدخل على أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم مخنث، فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة، فقال; إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم; " لا أرَى هَذَا يَعْلَمُ ما هَاهُنا، لا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُمْ " فحجبوه.حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال; ثنا حفص بن عمر العدني، قال; ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله; ( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ ) قال; هو المخنث الذي لا يقوم زبه.واختلف القرّاء فى قوله; ( غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ ) فقرأ ذلك بعض أهل الشام، وبعض أهل المدينة والكوفة " غَيْرَ أُولي الإرْبَةِ" بنصب غير ، ولنصب غير، هاهنا وجهان; أحدهما على القطع من التابعين، لأن التابعين معرفة وغير نكرة، والآخر على الاستثناء، وتوجيه غير إلى معنى " إلا "، فكأنه قيل; إلا. وقرأ غير من ذكرت بخفض " غَيْرِ" على أنها نعت للتابعين، وجاز نعت " التابعين " ب " غير " و " التابعون " معرفة وغير نكرة، لأن " التابعين " معرفة غير مؤقتة. فتأويل الكلام على هذه القراءة; أو الذين هذه صفتهم.والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا المعنى مستفيضة القراءة بهما في الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن الخفض في " غير " أقوى في العربية، فالقراءة به أعجب إليّ والإربة; الفعلة من الأرب، مثل الجلسة من الجلوس، والمشية من المشي، وهي الحاجة، يقال; لا أرب لي فيك; لا حاجة لي فيك، وكذا أربت لكذا وكذا إذا; احتجت إليه، فأنا آرب له أربا. فأما الأربة بضم الألف; فالعقدة.وقوله; ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ) يقول تعالى ذكره; أو الطفل الذين لم يكشفوا عن عورات النساء بجماعهنّ فيظهروا عليهن لصغرهم.&; 19-164 &;وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;حدثني محمد، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ) قال; لم يدروا ما ثم، من الصغر قبل الحلم.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.وقوله; ( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) يقول تعالى ذكره; ولا يجعلن في أرجلهنّ من الحليّ ما إذا مشين أو حرّكنهنّ، علم الناس الذين مشين بينهم ما يخفين من ذلك.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا المعتمر، عن أبيه، قال; زعم حضرمي أن امرأة اتخذت برتين (3) من فضة، واتخذت جزعا، فمرّت على قوم، فضربت برجلها، فوقع الخلخال على الجزع، فصوّت، فأنـزل الله ( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ).حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك ( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) قال; كان في أرجلهم خرز، فكنّ إذا مررن بالمجالس حرّكن أرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهنّ.حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس; ( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ) فهو أن تقرع الخَلْخَال بالآخر عند الرجال، ويكون في رجليها خلاخل، فتحرّكهنّ عند الرجال، فنهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك؛ لأنه من عمل الشيطان.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة; ( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) قال; هو الخَلْخَال، لا تضرب امرأة &; 19-165 &; برجلها ليسمع صوت خلخالها.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) قال; الأجراس من حليهنّ، يجعلنها في أرجلهنّ في مكان الخلاخل، فنهاهن الله أن يضربن بأرجلهنّ لتسمع تلك الأجراس.وقوله; ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ) يقول تعالى ذكره; وارجعوا أيها المؤمنون إلى طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من غضّ البصر، وحفظ الفرج، وترك دخول بيوت غير بيوتكم، من غير استئذان ولا تسليم، وغير ذلك من أمره ونهيه؛( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) يقول; لتفلحوا وتدركوا طلباتكم لديه، إذا أنتم أطعتموه فيما أمركم ونهاكم.------------------------الهوامش;(2) عركت الجارية تعرك (كتنصر) عركًا وعراكًا وعروكًا ; حاضت ; فهي عارك ، وأعركت فهي معرك .(3) مثنى برة ، بتخفيف الراء ، وهي كل حلقة من سوار وقرط وخلخال وما أشبهها . قال; * وقعقعــن الخلاخـل والبرينـا *
لما أمر المؤمنين بغض الأبصار وحفظ الفروج، أمر المؤمنات بذلك، فقال: { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } عن النظر إلى العورات والرجال، بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع، { وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } من التمكين من جماعها، أو مسها، أو النظر المحرم إليها. { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة، ولما كانت الثياب الظاهرة، لا بد لها منها، قال: { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } أي: الثياب الظاهرة، التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } وهذا لكمال الاستتار، ويدل ذلك على أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، كما ذكرنا. ثم كرر النهي عن إبداء زينتهن، ليستثني منه قوله: { إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } أي: أزواجهن { أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } يشمل الأب بنفسه، والجد وإن علا، { أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن } ويدخل فيه الأبناء وأبناء البعولة مهما نزلوا { أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ } أشقاء، أو لأب، أو لأم. { أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ } أي: يجوز للنساء أن ينظر بعضهن إلى بعض مطلقا، ويحتمل أن الإضافة تقتضي الجنسية، أي: النساء المسلمات، اللاتي من جنسكم، ففيه دليل لمن قال: إن المسلمة لا يجوز أن تنظر إليها الذمية. { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } فيجوز للمملوك إذا كان كله للأنثى، أن ينظر لسيدته، ما دامت مالكة له كله، فإن زال الملك أو بعضه، لم يجز النظر. { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ } أي: أو الذين يتبعونكم، ويتعلقون بكم، من الرجال الذين لا إربة لهم في هذه الشهوة، كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك، وكالعنين الذي لم يبق له شهوة، لا في فرجه، ولا في قلبه، فإن هذا لا محذور من نظره. { أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ } أي: الأطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء الأجانب، وعلل تعالى ذلك، بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، ولا وجدت فيهم الشهوة بعد ودل هذا، أن المميز تستتر منه المرأة، لأنه يظهر على عورات النساء. { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن، ليصوت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة. ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل، وأن الأمر إذا كان مباحا، ولكنه يفضي إلى محرم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يمنع منه، فالضرب بالرجل في الأرض، الأصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة، منع منه. ولما أمر تعالى بهذه الأوامر الحسنة، ووصى بالوصايا المستحسنة، وكان لا بد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك، أمر الله تعالى بالتوبة، فقال: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ } لأن المؤمن يدعوه إيمانه إلى التوبة ثم علق على ذلك الفلاح، فقال: { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله، ظاهرا وباطنا، إلى: ما يحبه ظاهرا وباطنا، ودل هذا، أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة، لأن الله خاطب المؤمنين جميعا، وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة في قوله: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ } أي: لا لمقصد غير وجهه، من سلامة من آفات الدنيا، أو رياء وسمعة، أو نحو ذلك من المقاصد الفاسدة.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - النور٢٤ :٣١
An-Nur24:31