الرسم العثمانيمَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِى هٰذِهِ الْحَيٰوةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوٓا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
الـرسـم الإمـلائـيمَثَلُ مَا يُنۡفِقُوۡنَ فِىۡ هٰذِهِ الۡحَيٰوةِ الدُّنۡيَا كَمَثَلِ رِيۡحٍ فِيۡهَا صِرٌّ اَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمٍ ظَلَمُوۡۤا اَنۡفُسَهُمۡ فَاَهۡلَكَتۡهُ ؕ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّٰهُ وَلٰـكِنۡ اَنۡفُسَهُمۡ يَظۡلِمُوۡنَ
تفسير ميسر:
مَثَلُ ما ينفق الكافرون في وجوه الخير في هذه الحياة الدنيا وما يؤملونه من ثواب، كمثل ريح فيها برد شديد هَبَّتْ على زرع قوم كانوا يرجون خيره، وبسبب ذنوبهم لم تُبْقِ الريح منه شيئًا. وهؤلاء الكافرون لا يجدون في الآخرة ثوابًا، وما ظلمهم الله بذلك، ولكنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم.
قال تعالى "مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيه صر" أي برد شديد قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم. وقال عطاء; برد وجليد وعن ابن عباس أيضا ومجاهد "فيها صر" أي نار وهو يرجع إلى الأول فإن البرد الشديد ولا سيما الجليد يحرق الزروع والثمار كما يحرق الشيء بالنار "أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته" أي فأحرقته يعني بذلك السعفة إذا نزلت على حرث قد آن جذاذه أو حصاده فدمرته وأعدمت ما فيه من ثمر أو زرع فذهبت به وأفسدته فعدمه صاحبه أحوج ما كان إليه. فكذلك الكفار يمحق الله ثواب أعمالهم في هذه الدنيا وثمرها كما يذهب ثمرة هذا الحرث بذنوب صاحبه. وكذلك هؤلاء بنوها على غير أصل وعلى غير أساس "وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون".
قوله تعالى ; مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمونقوله تعالى ; مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر ما تصلح أن تكون مصدرية ، وتصلح أن تكون بمعنى الذي والعائد محذوف ، أي مثل ما ينفقونه . ومعنى كمثل ريح كمثل مهب ريح . قال ابن عباس ; والصر ; البرد الشديد . قيل ; أصله من الصرير الذي هو الصوت ، فهو صوت الريح الشديدة . الزجاج ; هو صوت لهب النار التي كانت في تلك الريح . وقد تقدم هذا المعنى في البقرة . وفي الحديث ; إنه نهى عن الجراد الذي قتله الصر . ومعنى الآية ; مثل نفقة الكافرين في بطلانها وذهابها وعدم منفعتها كمثل زرع أصابه ريح باردة أو نار فأحرقته وأهلكته ، فلم ينتفع أصحابه بشيء بعدما كانوا يرجون فائدته ونفعه . وما ظلمهم الله بذلك ولكن أنفسهم يظلمون بالكفر والمعصية ومنع حق الله تعالى . وقيل ; ظلموا أنفسهم بأن زرعوا في غير وقت الزراعة أو في غير موضعها فأدبهم الله تعالى ; لوضعهم الشيء في غير موضعه ; حكاه المهدوي .
القول في تأويل قوله ; إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)قال أبو جعفر; وهذا وعيدٌ من الله عز وجل للأمة الأخرى الفاسقة من أهل الكتاب، الذين أخبر عنهم بأنهم فاسقون، وأنهم قد باؤوا بغضب منه، ولمن كان من نظرائهم من أهل الكفر بالله ورسوله وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله.يقول تعالى ذكره; " إن الذين كفروا "، يعني; الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به وبما جاءهم به من عند الله =" لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا "، يعني; لن تدفع أمواله التي جمعها في الدنيا، وأولاده الذين ربَّاهم فيها، شيئًا من عقوبة الله يوم القيامة إن أخرها لهم إلى يوم القيامة، ولا في الدنيا إنْ عجَّلها لهم فيها.* * *وإنما خصّ أولاده وأمواله، لأن أولاد الرجل أقربُ أنسبائه إليه، وهو على ماله أقدر منه على مال غيره، (1) وأمرُه فيه أجوز من أمره في مال غيره. فإذا لم يغن عنه ولده لصلبه، وماله الذي هو نافذ الأمر فيه، فغير ذلك من أقربائه وسائر أنسبائه وأموالهم، أبعد من أن تغني عنه من الله شيئا.* * *ثم أخبر جل ثناؤه أنهم هم أهل النار الذين هم أهلها بقوله; " وأولئك أصحاب النار ". وإنما جعلهم أصحابها، لأنهم أهلها الذين لا يخرجون منها ولا يفارقونها، &; 7-134 &; كصاحب الرجل الذي لا يفارقه، وقرينه الذي لا يزايله. (2) ثم وكد ذلك بإخباره عنهم إنهم " فيها خالدون "، أنّ صحبتهم إياها صحبة لا انقطاع لها، (3) إذْ كان من الأشياء ما يفارق صاحبه في بعض الأحوال، ويزايله في بعض الأوقات، وليس كذلك صحبة الذين كفروا النارَ التي أصْلوها، ولكنها صحبة دائمة لا نهاية لها ولا انقطاع. نعوذ بالله منها ومما قرَّب منها من قول وعمل.----------------------الهوامش ;(1) في المطبوعة; "وهو على ماله أقرب ..." ، وهي في المخطوطة شبيهة بها ، إلا أنها سيئة الكتابة ، ولكن لا معنى لها ، والصواب ما أثبت ، فهو حق السياق.(2) انظر تفسير"أصحاب النار" فيما سلف 1; 286 ، 287 / 4 ; 317 / 5 ; 429 / 6; 14.(3) في المطبوعة أسقط"أن" من أول هذه العبارة ، وهي ثابتة في المخطوطة. وفيهما جميعًا بعد; "إذا كان من الأشياء" ، وصواب السياق"إذ" ، كما أثبتها.
ثم ضرب مثلا لما ينفقه الكفار من أموالهم التي يصدون بها عن سبيل الله ويستعينون بها على إطفاء نور الله، بأنها تبطل وتضمحل، كمن زرع زرعا يرجو نتيجته ويؤمل إدراك ريعه، فبينما هو كذلك إذ أصابته ريح فيها صر، أي: برد شديد محرق، فأهلكت زرعه، ولم يحصل له إلا التعب والعناء وزيادة الأسف، فكذلك هؤلاء الكفار الذين قال الله فيهم: { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون } { وما ظلمهم الله } بإبطال أعمالهم { ولكن } كانوا { أنفسهم يظلمون } حيث كفروا بآيات الله وكذبوا رسوله وحرصوا على إطفاء نور الله، هذه الأمور هي التي أحبطت أعمالهم وذهبت بأموالهم
(مثل) مبتدأ مرفوع
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه
(ينفقون) مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (في) حرف جرّ
(ها)حرف تنبيه
(ذه) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (ينفقون) ،
(الحياة) بدل من ذه أو صفة له مجرور مثله
(الدّنيا) نعت للحياة مجرور مثله وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف
(كمثل) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ
(ريح) مضاف إليه مجرور
(في) حرف جرّ و (ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(صرّ) مبتدأ مؤخّر مرفوع
(أصاب) فعل ماض و (التاء) للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي
(حرث) مفعول به منصوبـ (قوم) مضاف إليه مجرور
(ظلموا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعلـ (أنفس) مفعول به منصوب و (هم) ضمير مضاف إليه
(الفاء) حرف عطف
(أهلك) مثل أصاب و (الهاء) مفعول به، والفاعل هي أي الريح
(الواو) استئنافيّة- أو حاليّة-
(ما) نافية
(ظلمهم) فعل ماض ومفعوله
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(الواو) عاطفة
(لكن) حرف استدراك
(أنفس) مفعول به مقدّم و (هم) ضمير مضاف إليه
(يظلمون) مثل ينفقون.
جملة: «مثل ما ينفقون» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ينفقون» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «فيها صرّ» في محلّ جرّ نعت لريح.
وجملة: «أصابت ... » في محلّ جرّ نعت ثان لريح.
وجملة: «ظلموا ... » في محلّ جرّ نعت لقوم.
وجملة: «أهلكته» في محلّ جرّ معطوفة على جملة أصابت.
وجملة: «ما ظلمهم الله» لا محلّ لها استئنافيّة- أو في محلّ نصب حال من فاعل ظلموا.
وجملة: «يظلمون» معطوفة على جملة ما ظلمهم الله تأخذ محلها من الإعراب.
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :١١٧
Ali 'Imran3:117