مَتَاعٌ قَلِيلٌ أي تقلبهم متاع قليل .وقرأ يعقوب " يغرنك " ساكنة النون ; وأنشد ; لا يغرنك عشاء ساكن قد يوافي بالمنيات السحر ونظير هذه الآية قوله تعالى ; " فلا يغررك تقلبهم في البلاد " [ المؤمن ; 4 ] .والمتاع ; ما يعجل الانتفاع به ; وسماه قليلا لأنه فان , وكل فان وإن كان كثيرا فهو قليل .وفي صحيح الترمذي عن المستورد الفهري قال ; سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ; ( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم , فلينظر بماذا يرجع ) .قيل ; ( يرجع ) بالياء والتاء . ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ أي بئس ما مهدوا لأنفسهم بكفرهم , وما مهد الله لهم من النار .في هذه الآية وأمثالها كقوله ; " أنما نملي لهم خير " [ آل عمران ; 178 ] الآية ." وأملي لهم إن كيدي متين " [ الأعراف ; 183 ] ." أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين " [ المؤمنون ; 55 ] ." سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " [ الأعراف ; 182 ] دليل على أن الكفار غير منعم عليهم في الدنيا ; لأن حقيقة النعمة الخلوص من شوائب الضرر العاجلة والآجلة , ونعم الكفار مشوبة بالآلام والعقوبات , فصار كمن قدم بين يدي غيره حلاوة من عسل فيها السم , فهو وإن استلذ آكله لا يقال ; أنعم عليه ; لأن فيه هلاك روحه .ذهب إلى هذا جماعة من العلماء , وهو قول الشيخ أبي الحسن الأشعري .وذهب جماعة منهم سيف السنة ولسان الأمة القاضي أبو بكر ; إلى أن الله أنعم عليهم في الدنيا .قالوا ; وأصل النعمة من النعمة بفتح النون , وهي لين العيش ; ومنه قوله تعالى ; " ونعمة كانوا فيها فاكهين " [ الدخان ; 27 ] .يقال ; دقيق ناعم , إذا بولغ في طحنه وأجيد سحقه .وهذا هو الصحيح , والدليل عليه أن الله تعالى أوجب على الكفار أن يشكروه وعلى جميع المكلفين فقال ; " فاذكروا آلاء الله " [ الأعراف ; 74 ] ." واشكروا لله " [ البقرة ; 172 ] والشكر لا يكون إلا على نعمة .وقال ; " وأحسن كما أحسن الله إليك " [ القصص ; 77 ] وهذا خطاب لقارون .وقال ; " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة " [ النحل ; 112 ] الآية .فنبه سبحانه أنه قد أنعم عليهم نعمة دنياوية فجحدوها .وقال ; " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " [ النحل ; 83 ] وقال ; " يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم " [ فاطر ; 3 ] .وهذا عام في الكفار وغيرهم .فأما إذا قدم لغيره طعاما فيه سم فقد رفق به في الحال ; إذ لم يجرعه السم بحتا ; بل دسه في الحلاوة , فلا يستبعد أن يقال ; قد أنعم عليه , وإذا ثبت هذا فالنعم ضربان ; نعم نفع ونعم دفع ; فنعم النفع ما وصل إليهم من فنون اللذات , ونعم الدفع ما صرف عنهم من أنواع الآفات .فعلى هذا قد أنعم على الكفار نعم الدفع قولا واحدا ; وهو ما زوي عنهم من الآلام والأسقام , ولا خلاف بينهم في أنه لم ينعم عليهم نعمة دينه .والحمد لله .