قَالَ رَبِّ أَنّٰى يَكُونُ لِى غُلٰمٌ وَقَدْ بَلَغَنِىَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِى عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ
قَالَ رَبِّ اَنّٰى يَكُوۡنُ لِىۡ غُلٰمٌ وَّقَدۡ بَلَغَنِىَ الۡكِبَرُ وَامۡرَاَتِىۡ عَاقِرٌؕ قَالَ كَذٰلِكَ اللّٰهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ
تفسير ميسر:
قال زكريا فرحًا متعجبًا; ربِّ أنَّى يكون لي غلام مع أن الشيخوخة قد بلغت مني مبلغها، وامرأتي عقيم لا تلد؟ قال; كذلك يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة المخالفة للعادة.
فلما تحقق زكريا عليه السلام هذه البشارة وأخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر "قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال" أي الملك "كذلك الله يفعل ما يشاء" أي هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شيء ولا يتعاظمه أمر.
قوله تعالى ; قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاءقيل ; الرب هنا جبريل ، أي قال لجبريل ; رب - أي يا سيدي - أنى يكون لي غلام ؟ يعني ولدا ; وهذا قول الكلبي . وقال بعضهم ; قوله ( رب ) يعني الله تعالى . أنى بمعنى كيف ، وهو في موضع نصب على الظرف . وفي معنى هذا الاستفهام وجهان ; أحدهما أنه سأل هل يكون له الولد وهو وامرأته على حاليهما أو يردان إلى حال من يلد ؟ . الثاني سأل هل يرزق الولد من امرأته العاقر أو من غيرها . وقيل ; المعنى بأي منزلة أستوجب هذا وأنا وامرأتي على هذه الحال ; على وجه التواضع . ويروى أنه كان بين دعائه والوقت الذي بشر فيه أربعون سنة ، وكان يوم بشر ابن تسعين سنة وامرأته قريبة السن منه . وقال ابن عباس والضحاك ; كان يوم بشر ابن عشرين ومائة سنة وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة ; فذلك قوله وامرأتي عاقر أي عقيم لا تلد . يقال ; رجل عاقر وامرأة عاقر بينة العقر . وقد عقرت وعقر ( بضم القاف فيهما ) تعقر عقرا صارت عاقرا ، مثل حسنت تحسن حسنا ; عن أبي زيد . وعقارة أيضا . وأسماء الفاعلين من فعل فعيلة ، يقال ; عظمت فهي عظيمة ، وظرفت فهي ظريفة . وإنما قيل عاقر لأنه يراد به ذات عقر على النسب ، ولو كان على الفعل لقال ; عقرت فهي عقيرة كأن بها عقرا ، أي كبرا من السن يمنعها من الولد . والعاقر ; العظيم من الرمل لا ينبت شيئا . والعقر أيضا مهر [ ص; 75 ] المرأة إذا وطئت على شبهة . وبيضة العقر ; زعموا هي بيضة الديك ; لأنه يبيض في عمره بيضة واحدة إلى الطول . وعقر النار أيضا وسطها ومعظمها . وعقر الحوض ; مؤخره حيث تقف الإبل إذا وردت ; يقال ; عقر وعقر مثل عسر وعسر ، والجمع الأعقار فهو لفظ مشتركوالكاف في قوله كذلك في موضع نصب ، أي يفعل الله ما يشاء مثل ذلك . والغلام مشتق من الغلمة وهو شدة طلب النكاح . واغتلم الفحل غلمة هاج من شهوة الضراب . وقالت ليلى الأخيلية ;شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاهاوالغلام الطار الشاب . وهو بين الغلومة والغلومية ، والجمع الغلمة والغلمان . ويقال ; إن الغيلم الشاب والجارية أيضا . والغيلم ; ذكر السلحفاة . والغيلم ; موضع . واغتلم البحر ; هاج وتلاطمت أمواجه .
القول في تأويل قوله ; قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌقال أبو جعفر; يعني أنّ زكريا قال = إذ نادته الملائكة; أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ =" أنى يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر "؟ يعني; مَنْ بلغ من السن ما بلغتُ لم يولد لهُ =" وامرأتي عاقر ".* * *" والعاقر " من النساء التي لا تلد. يقال منه; " امرأة عاقر، ورجلٌ عاقرٌ"، كما قال عامر بن الطفيل;لَبِئْـسَ الفَتَـى! إنْ كُـنْتُ أَعْوَرَ عَاقِرًاجَبَانًـا, فَمَـا عُذْرِي لَدَى كُلِّ مَحْضَرِ!! (48)* * *وأما " الكبر " فمصدر; " كبِرَ فهو يَكبَرُ كِبَرا ".وقيل; " بلغني الكبر "، وقد قال في موضع آخر; وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ &; 6-382 &; [سورة مريم; 8]، لأن ما بلغك فقد بلغته. وإنما معناه; قد كبرت، وهو كقول القائل; " قد بلغني الجهد " (49) بمعنى; أني في جهد.* * *فإن قال قائل; وكيف قال زكريا وهو نبيّ الله; " ربّ أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر "، وقد بشرته الملائكة بما بشرته به عن أمر الله إياها به؟ أشكّ في صدقهم؟ فذلك ما لا يجوز أن يوصفَ به أهل الإيمان بالله! فكيف الأنبياء والمرسلون؟ أم كان ذلك منه استنكارًا لقدرة ربه؟ فذلك أعظم في البلية!قيل; كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم على غير ما ظننتَ، بل كان قِيله ما قال من ذلك، كما;-7001 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي; لما سمع النداء - يعني زكريا، لما سمع نداء الملائكة بالبشارة بيحيى - جاءه الشيطان فقال له; يا زكريا، إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله، إنما هو من الشيطان يسخرُ بك! ولو كان من الله أوحاه إليك كما يُوحى إليك في غيره من الأمر! فشكّ مَكانه، (50) وقال; " أنَّي يكون لي غلام "، ذكرٌ؟ = يقول; من أين؟= (51) " وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ".7002 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن عكرمة قال; فأتاه الشيطان فأراد أن يكدّر عليه نعمةَ ربه فقال; هل تدري من ناداك؟ قال; نعم! نادتني ملائكةُ ربي! (52) قال; بل ذلك الشيطان! &; 6-383 &; لو كان هذا من ربك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك! فقال; رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً .* * *= فكان قولهُ ما قال من ذلك، ومراجعته ربَّه فيما راجع فيه بقوله; " أنى يكون لي غلام "، للوسوسة التي خالطتْ قلبه من الشيطان حتى خيَّلت إليه أنّ النداء الذي سمعه كان نداءً من غير الملائكة، فقال; " رب أنَّى يكون لي غلام "، مستثبتًا في أمره، ليتقرّر عنده بآية يريها الله في ذلك - (53) أنه بشارة من الله على ألسن ملائكته، ولذلك قال; " رب اجعل لي آية ".* * *وقد يجوز أن يكون قيله ذلك، مسألةً منه ربَّه; من أيّ وجه يكون الولدُ الذي بُشر به؟ أمن زوجته؟ فهي عاقر - أم من غيرها من النساء؟ فيكون ذلك على غير الوجه الذي قاله عكرمة والسدي ومن قال مثلَ قولهما.* * *القول في تأويل قوله ; قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)قال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; " كذلك الله "، أي هو ما وصفَ به نفسه أنه هيِّنٌ عليه أن يخلق ولدًا من الكبير الذي قد يَئس من الولد، ومن العاقر التي لا يُرْجى من مثلها الولادة، كما خلقك يا زكريا من قبل خلْق الولدِ منك ولم تك شيئًا، لأنه الله الذي لا يتعذر عليه خلق شيء أراده، ولا يمتنع عليه فعل شيء شاءَه، لأن قدرَته القدرةُ التي لا تُشبهها قدرة، كما;-7003 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن &; 6-384 &; السدي قال; " كذلك الله يفعل ما يشاء "، وقد خلقتك من قبل ولم تكُ شيئًا.----------------------------الهوامش ;(48) ديوانه 119 ، ومجاز القرآن 1; 92 ، وحماسة الشجري; 7 وغيرها ، وسيأتي في التفسير 16; 37 (بولاق) وعامر بن الطفيل ، أحد العوران الأشراف (المحبر; 303) ، وقد ذهبت عينه يوم فيف الريح. وأما خبر عقمه ، فإنه صدق قول علقمة بن علاثة فيه ، فقال; "فقد والله صدق; ما لي ولد ، وإني لعاهر الذكر ، وإني لأعور البصر" (ديوانه 91 ، 92) ، وهذا البيت من أبيات قالها في يوم فيف الريح ، يذكر صبره في قتالهم ، وقد ذهبت عينه حين طعنه مسهر بن يزيد الحارثي بالرمح ، ففلق وجنته ، وانشقت عين عامر ففقأها. وذكروا أن عامرًا طعن يومئذ بين ثغرة نحره إلى سرته عشرين طعنة ، فقال عامر;لَعَمْـري, ومَـا عَمْـري عَـلَيَّ بِهَيَّـنٍلقَـدْ شَـانَ حُـرَّ الوَجْـهِ طَعْنَةُ مُسْهِرِفَبِئْـسَ الفَتَـى. . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . .يقول; من يعذرني إذا هبت عدوى وأحجمت عن حر الطعان؟(49) في المطبوعة; "وقد بلغني الجهد" زاد واوًا لا خير فيها ، والصواب من المخطوطة.(50) قوله; "فشك مكانه" ، أي من ساعته ، من فوره. ويقال; "فعل ذلك على المكان" ، أي من ساعته غير متلبث ولا متصرف ، قبل أن يفارق مكانه.(51) في المطبوعة; "ومن أين" بالواو ، وفي المخطوطة واو أيضًا ، لكنه ضرب عليها.(52) في المطبوعة; "ناداني" ، وأثبت ما في المخطوطة.(53) في المطبوعة; "يريه الله في ذلك" ، والصواب ما في المخطوطة.
فقال زكريا من شدة فرحه { رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر } وكل واحد من الأمرين مانع من وجود الولد، فكيف وقد اجتمعا، فأخبره الله تعالى أن هذا خارق للعادة، فقال: { كذلك الله يفعل ما يشاء } فكما أنه تعالى قدر وجود الأولاد بالأسباب التي منها التناسل، فإذا أراد أن يوجدهم من غير ما سبب فعل، لأنه لا يستعصي عليه شيء، فقال زكريا عليه السلام استعجالا لهذا الأمر، وليحصل له كمال الطمأنينة.
(قال ربّ) مضى إعرابها ،
(أنّى) اسم استفهام بمعنى كيف في محلّ نصب حال، أو ظرف بمعنى من أين متعلّق بـ (يكون) التامّ أو بخبره إن كان ناقصا
(يكون) مضارع تامّ مرفوع
(اللام) حرف جرّو (الياء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يكون) ،
(غلام) فاعل يكون مرفوع ،
(الواو) حاليّة
(قد) حرف تحقيق
(بلغ) فعل ماض و (النون) للوقاية و (الياء) ضمير مفعول به
(الكبر) فاعل مرفوع
(الواو) عاطفة
(امرأة) مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على ما قبل الياء و (الياء) ضمير مضاف إليه
(عاقر) خبر مرفوع
(قال) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (كذا) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله يفعل ، و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(يفعل) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(يشاء) مضارع مرفوع والفاعل هو أي الله.
جملة: «قال..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «النداء وما في حيّزها» في محلّ نصب مقول القول .
وجملة: «أنّى يكون لي غلام» لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «بلغني الكبر» في محلّ نصب حال.
وجملة: «امرأتي عاقر» في محلّ نصب معطوفة على جملة الحال.
وجملة: «قالـ (الثانية) » لا محلّ لها استئناف بياني.
وجملة: «الله يفعل..» في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «يفعل ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الله) .وجملة: «يشاء» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .