وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعٰى قَالَ يٰقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ
وَجَآءَ مِنۡ اَقۡصَا الۡمَدِيۡنَةِ رَجُلٌ يَّسۡعٰى قَالَ يٰقَوۡمِ اتَّبِعُوا الۡمُرۡسَلِيۡنَۙ
تفسير ميسر:
وجاء من مكان بعيد في المدينة رجل مسرع (وذلك حين علم أن أهل القرية هَمُّوا بقتل الرسل أو تعذيبهم)، قال; يا قوم اتبعوا المرسلين إليكم من الله، اتبعوا الذين لا يطلبون منكم أموالا على إبلاغ الرسالة، وهم مهتدون فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده. وفي هذا بيان فضل مَن سعى إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما وكعب الأحبار ووهب بن منبه أن أهل القرية هموا بقتل رسلهم فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى أي لينصرهم من قومه قالوا وهو حبيب وكان يعمل الحرير وهو الحباك وكان رجلا سقيما قد أسرع فيه الجذام وكان كثير الصدقة يتصدق بنصف كسبه مستقيم الفطرة وقال ابن إسحاق عن رجل سماه عن الحكم عن مقسم أو مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اسم صاحب يس حبيب وكان الجذام قد أسرع فيه. وقال الثوري عن عاصم الأحول عن أبي مجلز كان اسمه حبيب بن سري وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اسم صاحب يس حبيب النجار فقتله قومه وقال السدي كان قصارا وقال عمر بن الحكم كان إسكافا وقال قتادة كان يتعبد في غار هناك "قال يا قوم اتبعوا المرسلين" يحض قومه على اتباع الرسل الذين أتوهم.
قوله تعالى ; وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى هو حبيب بن مري وكان نجارا . وقيل ; إسكافا . وقيل ; قصارا . وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل ; هو حبيب بن إسرائيل النجار وكان ينحت الأصنام ، وهو ممن آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبينهما ستمائة سنة ، كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما . ولم يؤمن بنبي أحد إلا بعد ظهوره . قال وهب ; وكان حبيب مجذوما ، ومنزله عند أقصى باب من أبواب المدينة ، وكان يعكف على عبادة الأصنام سبعين سنة يدعوهم ، لعلهم يرحمونه ويكشفون ضره فما استجابوا له ، فلما أبصر الرسل دعوه إلى عبادة الله ، فقال ; هل من آية ؟ قالوا ; نعم ، ندعو ربنا القادر فيفرج عنك ما بك . فقال ; إن هذا لعجب! أدعو هذه الآلهة سبعين سنة تفرج عني فلم تستطع ، فكيف يفرجه ربكم في غداة واحدة ؟ قالوا ; نعم ، ربنا على ما يشاء قدير ، وهذه لا تنفع شيئا ولا تضر . فآمن ودعوا ربهم فكشف الله ما به ، كأن لم يكن به بأس ، فحينئذ أقبل على التكسب ، فإذا أمسى تصدق بكسبه ، فأطعم عياله نصفا وتصدق بنصف ، فلما هم قومه بقتل الرسل جاءهم . ف " قال يا قوم اتبعوا المرسلين " الآية . وقال قتادة ; كان يعبد الله في غار ، فلما سمع بخبر المرسلين جاء يسعى ، فقال للمرسلين ; أتطلبون على ما جئتم به أجرا ؟ قالوا ; لا ، ما أجرنا إلا على الله . قال أبو العالية ; فاعتقد صدقهم وآمن بهم وأقبل على قومه ف قال ياقوم اتبعوا المرسلين .
وقوله ( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى ) يقول; وجاء من أقصى مدينة هؤلاء القوم الذين أرسلت إليهم هذه الرسل رجل يسعى إليهم؛ وذلك أن أهل المدينة هذه عزموا، واجتمعت آراؤهم على قتل هؤلاء الرسل الثلاثة فيما ذكر، فبلغ ذلك هذا الرجل، وكان منـزله أقصى المدينة، وكان مؤمنًا، وكان اسمه فيما ذكر " حبيب بن مري".وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار.ذكر الأخبار الواردة بذلك;حدثنا محمد بن بشار، قال; ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال; ثنا سفيان، عن عاصم الأحول، عن أبي مُجِلِّز، قال; كان صاحب يس " حبيب بن مري" .حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، قال; كان من حديث صاحب يس فيما حدثنا محمد بن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار وعن وهب بن منبه اليماني أنه كان رجلا من أهل أنطاكية، وكان اسمه " حبيبًا " وكان يعمل الجَرير، وكان رجلا سقيمًا، قد أسرع فيه الجذام، وكان منـزله عند باب من أبواب المدينة قاصيًا، وكان مؤمنًا ذا صدقة، يجمع كسبه إذا أمسى فيما يذكرون، فيقسمه نصفين، فيطعم نصفًا عياله، ويتصدق بنصف، فلم يهمَّه &; 20-505 &; سقمه ولا عمله ولا ضعفه، عن عمل ربه، قال; فلما أجمع قومه على قتل الرسل، بلغ ذلك ; " حبيبًا " وهو على باب المدينة الأقصى، فجاء يسعى إليهم يذكرهم بالله، ويدعوهم إلى اتباع المرسلين، فقال ( يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن عمرو بن حزم أنه حُدث عن كعب الأحبار قال; ذكر له حبيب بن زيد بن عاصم أخو بني مازن بن النجار الذي كان مسيلمة الكذاب قطعه باليمامة حين جعل يسأله عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فجعل يقول; أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ فيقول; نعم، ثم يقول; أتشهد أني رسول الله؟ فيقول له; لا أسمع، فيقول مسيلمة; أتسمع هذا، ولا تسمع هذا؟ فيقول; نعم، فجعل يقطعه عضوًا عضوًا، كلما سأله لم يزده على ذلك حتى مات في يديه ، قال كعب حين قيل له اسمه " حبيب "; وكان والله صاحب يس اسمه " حبيب " .حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مِقْسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول; كان اسم صاحب يس " حبيبًا " وكان الجذام قد أسرع فيه .حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى ) قال; ذُكر لنا أن اسمه " حبيب "، وكان في غار يعبد ربه، فلما سمع بهم أقبل إليهم . وقوله ( قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) يقول تعالى ذكره; قال الرجل الذي جاء من أقصى المدينة لقومه; يا قوم اتبعوا المرسلين الذين أرسلهم الله إليكم، واقبلوا منهم ما أتوكم به.وذُكر أنه لما أتى الرسل سألهم; هل يطلبون على ما جاءوا به أجرًا؟ فقالت الرسل; لا فقال لقومه حينئذٍ; اتبعوا من لا يسألكم على نصيحتهم لكم أجرًا &; 20-506 &; .* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قال; لما انتهى إليهم -يعني إلى الرسل- قال; هل تسألون على هذا من أجر؟ قالوا; لا فقال عند ذلك ( يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ) .حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبه .
{ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى } حرصا على نصح قومه حين سمع ما دعت إليه الرسل وآمن به، وعلم ما رد به قومه عليهم فقال [لهم]: { يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ } فأمرهم باتباعهم ونصحهم على ذلك، وشهد لهم بالرسالة.
(الواو) استئنافيّة
(من أقصى) متعلّق بـ (جاء) ،
(قوم) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم المحذوفة للتخفيف، وهي مضاف إليه.
جملة: «جاء ... رجل» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يسعى» في محلّ رفع نعت لرجل.وجملة: «قال ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ «1» .
وجملة النداء وجوابها ... في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «اتّبعوا ... » لا محلّ لها جواب النداء.
(21)
(من) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به
(لا) نافية
(أجرا) مفعول به ثان منصوبـ (الواو) عاطفة- أو حاليّة-.
وجملة: «اتّبعوا ...
(الثانية) » لا محلّ لها بدل من جملة اتّبعوا
(الأولى) .
وجملة: «لا يسألكم ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة: «هم مهتدون» لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة «2» .
(22)
(الواو) عاطفة
(ما) اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ
(لي) متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ ما
(لا) نافية
(الذي) اسم موصول مفعول به
(الواو) عاطفة
(إليه) متعلّق بـ (ترجعون) ، والواو فيه نائب الفاعل.
وجملة: «ما لي ... » لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء «3» وجملة: «لا أعبد ... » في محلّ نصب حال.
وجملة: «فطرني ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «إليه ترجعون» لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة «4» .
(23)
(الهمزة) للاستفهام وفيه معنى النفي- أو الإنكار-
(من دونه) متعلّقبمحذوف مفعول به ثان عامله أتّخذ،
(إن) حرف شرط جازم والنون في(يردن) نون الوقاية قبل ياء المتكلّم المحذوفة مراعاة لقراءة الوصلـ (بضرّ) متعلّق بحال من المفعول أي متلبّسا بضرّ
(لا) نافية
(تغن) مضارع مجزوم جواب الشرط، وعلامة الجزم حذف حرف العلّة
(عنّي) متعلّق بـ (تغن) ،
(شيئا) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو مبيّن لكميّته «1» ،
(الواو) عاطفة
(لا) نافية
(ينقذون) مضارع مجزوم معطوف على
(تغن) ، وعلامة الجزم حذف النون، والواو فاعل، و (النون) . المذكورة للوقاية، والياء المحذوفة لمناسبة فواصل الآيات مفعول به.
وجملة: «أتّخذ ... » لا محلّ لها استئناف في حيّز القول.
وجملة: «يردن الرحمن ... » لا محلّ لها تعليل لما سبق.
وجملة: «لا تغن عنّي شفاعتهم ... » لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء.
وجملة: «لا ينقذون» لا محلّ لها معطوفة على جملة لا تغن ...(24)
(إذا) - بالتنوين- حرف جواب «2» ،
(اللام) المزحلقة للتوكيد
(في ضلال) متعلّق بخبر إنّ ...وجملة: «إنّي.. لفي ضلال» لا محلّ لها استئناف في حيّز القول.
(25)
(بربّكم) متعلّق بـ (آمنت) ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر، والنون في(اسمعون) للوقاية، والياء المحذوفة بسبب فواصل الآيات مفعول به.
وجملة: «إنّي آمنت ... » لا محلّ لها استئناف في حيّز القول.
وجملة: «آمنت ... » في محلّ رفع خبر إنّ.وجملة: «اسمعون» في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي:
فاسمعون
فوائد- الفروق بين البدل وعطف البيان:
1- البدل هو المقصود بالحكم، وأتي بالمتبوع قبله تمهيدا لذكر البدل، على حين عطف البيان متبوعه هو المقصود، وإنما أتي بعطف البيان للتوضيح، فهو كالصفة.
مثال للبدل:
(حرر القائد صلاح الدين بيت المقدس) فالبدل صلاح الدين هو المقصود بالحكم. مثال عطف البيان
(جاء أبو زيد عمران) فأبو زيد هو المقصود بالحكم، لكن
(عمران) جاءت أوضح منه.
2- عطف البيان أوضح من متبوعه، ولا يشترط ذلك في البدل.
3- يخصون عطف البيان بالمعارف أو النكرات المختصة
(عند بعضهم) ولا يشترط ذلك في البدل.
4- لك في البدل أن تستغني عن التابع أو المتبوع، فقولك:
(جاء الشاعر خالد) يبقى سليما إذا أسقطت البدل أو المبدل منه، ولا يصح ذلك دائما في عطف البيان مثل:
(يا أيها الرجل) . لا يقال:
(يا الرجل) و (يا زيد الفاضل) لا يقالـ (يا الفاضل) و (جارك ماتت زينب أمه) لا يقال:
(جارك ماتت زينب) ، ولذا يكون التابع في هذه الجمل، وفي أمثالها، عطف بيان، لعدم صحة حلوله مكان المبدل منه. وحين تبقى الجملة سليمة بإسقاط التابع أو المتبوع صحّ في التابع أن يكون بدلا أو عطف بيان، لكن الأصح إعرابه عطف بيان إذا كان أوضح أو أشهر من المتبوع.
5- إن عطف البيان لا يكون تابعا لجملة بخلاف البدل، كما في قوله تعالى في الآية التي نحن بصددها قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ: اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً فجملة اتبعوا الثانية بدل من جملة اتبعوا الأولى، و (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) .6- البدل يخالف متبوعه في التعريف والتنكير: كقوله تعالى إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ و (بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) . وعطف البيان لا يخالف متبوعه بذلك.