إِنَّ أَصْحٰبَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِى شُغُلٍ فٰكِهُونَ
اِنَّ اَصۡحٰبَ الۡجَـنَّةِ الۡيَوۡمَ فِىۡ شُغُلٍ فٰكِهُوۡنَۚ
تفسير ميسر:
إن أهل الجنة في ذلك اليوم مشغولون عن غيرهم بأنواع النعيم التي يتفكهون بها.
يخبر تعالى عن أهل الجنة أنهم يوم القيامة إذا ارتحلوا من العرصات فنزلوا في روضات الجنات أنهم في شغل عن غيرهم بما هم فيه من النعيم المقيم والفوز العظيم قال الحسن البصري وإسماعيل بن أبي خالد في شغل عما فيه أهل النار من العذاب وقال مجاهد "في شغل فاكهون" أي في نعيم معجبون أي به وكذا قال قتادة وقال ابن عباس رضي الله عنهما فاكهون أي فرحون قال عبدالله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن المسيب وعكرمة والحسن وقتادة والأعمش وسليمان التيمي والأوزاعي في قوله تبارك وتعالى "إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون" قالوا شغلهم افتضاض الأبكار وقال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عنه "في شغل فاكهون" أي بسماع الأوتار وقال أبو حاتم لعله غلط من المستمع وإنما هو افتضاض الأبكار.
قوله تعالى ; إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومجاهد ; شغلهم افتضاض العذارى . وذكر الترمذي الحكيم في كتاب مشكل القرآن له ; حدثنا محمد بن حميد الرازي ، حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود في قوله ; إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال ; شغلهم افتضاض العذارى . حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا هارون بن المغيرة ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس بمثله . وقال أبو قلابة ; بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ قيل له ; تحول إلى أهلك ، فيقول ; أنا مع أهلي مشغول ، فيقال ; تحول أيضا إلى أهلك . وقيل ; أصحاب الجنة في شغل بما هم فيه من اللذات والنعيم عن الاهتمام بأهل المعاصي ومصيرهم إلى النار ، وما هم فيه من أليم العذاب ، وإن كان فيهم أقرباؤهم وأهلوهم ، قاله سعيد بن المسيب وغيره . وقال وكيع ; يعني في السماع . وقال ابن كيسان ; " في شغل " أي ; في زيارة بعضهم بعضا . وقيل ; في ضيافة الله تعالى . وروي أنه إذا كان يوم القيامة نادى مناد ; أين عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب ؟ فيقومون كأنما وجوههم البدر والكوكب الدري ، ركبانا على نجب من نور ، أزمتها من الياقوت ، تطير بهم على رءوس الخلائق ، حتى يقوموا بين يدي العرش ، فيقول الله - جل وعز - لهم ; السلام على عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب ، أنا اصطفيتكم وأنا أجتبيتكم وأنا اخترتكم ، اذهبوا فادخلوا الجنة بغير حساب ف لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون . فيمرون على الصراط [ ص; 42 ] كالبرق الخاطف فتفتح لهم أبوابها . ثم إن الخلق في المحشر موقوفون فيقول بعضهم لبعض ; يا قوم أين فلان وفلان ؟ وذلك حين يسأل بعضهم بعضا فينادي مناد إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون . و " شغل " و " شغل " لغتان قرئ بهما ، مثل الرعب والرعب ، والسحت والسحت ، وقد تقدم . " فاكهون " قال الحسن ; مسرورون . وقال ابن عباس ; فرحون . مجاهد والضحاك ; معجبون . السدي ; ناعمون . والمعنى متقارب . والفكاهة المزاح والكلام الطيب . وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج ; " فكهون " بغير ألف ، وهما لغتان كالفاره والفره ، والحاذر والحذر ، قاله الفراء . وقال الكسائي وأبو عبيدة ; الفاكه ذو الفاكهة ، مثل شاحم ولاحم وتامر ولابن ، والفكه ; المتفكه والمتنعم . و " فكهون " بغير ألف في قول قتادة ; معجبون . وقال أبو زيد ; يقال رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكا . وقرأ طلحة بن مصرف ; " فاكهين " نصبه على الحال .
القول في تأويل قوله تعالى ; إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)وقوله ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) اختلف أهل التأويل في معنى الشغل الذي وصف الله جلّ ثناؤه أصحاب الجنة أنهم فيه يوم القيامة، فقال بعضهم; ذلك افتضاض العذارَى.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شَمِر بن عطية، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود، في قوله ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) قال; شغلهم افتضاض العذارى .حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) قال; افتضاض الأبكار .حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال; ثنا أبي، عن أبيه، &; 20-535 &; عن عكرمة، عن ابن عباس ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) قال; افتضاض الأبكار .حدثني الحسن بن زُرَيْق الطُّهَوِي، قال; ثنا أسباط بن محمد، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.حدثني الحسين بن علي الصُّدائي، قال; ثنا أبو النضر، عن الأشجعي، عن وائل بن داود، عن سعيد بن المسيب، في قوله ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) قال; في افتضاض العذارى وقال آخرون; بل عُنِي بذلك; أنهم في نعمة .* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ ) قال; في نعمة .حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال; ثنا مروان، عن جويبر، عن أبي سهل، عن الحسن، في قول الله ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ) .. الآية، قال; شغلهم النعيم عما فيه أهل النار من العذاب .وقال آخرون; بل معنى ذلك; أنهم في شغل عما فيه أهل النار.* ذكر من قال ذلك;حدثنا نصر بن عليّ الجَهْضَمِيّ، قال; ثنا أبي، عن شعبة، عن أبان بن تغلب، عن إسماعيل بن أبي خالد ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ) ... الآية، قال; في شغل عما يلقى أهلُ النار .وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ) وهم أهلها( فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) بنعم تأتيهم في شغل، وذلك الشغل الذي هم فيه نعمة، وافتضاض أبكار، ولهو ولذة، وشغل عما يلقى أهل النار.وقد اختلفت القراء في قراءة قوله ( فِي شُغُلٍ ) فقرأت ذلك عامة قراء المدينة وبعض البصريين على اختلاف عنه; (فِي شُغْلٍ) بضم الشين وتسكين &; 20-536 &; الغين. وقد رُوي عن أبي عمرو الضم في الشين والتسكين في الغين، والفتح في الشين والغين جميعًا في شغل.وقرأ ذلك بعض أهل المدينة والبصرة وعامة قراء أهل الكوفة ( فِي شُغُلٍ ) بضم الشين والغين.والصواب في ذلك عندي قراءته بضم الشين والغين، أو بضم الشين وسكون الغين، بأي ذلك قرأه القارئ فهو مصيب، لأن ذلك هو القراءة المعروفة في قراء الأمصار مع تقارب معنييهما. وأما قراءته بفتع الشين والغين، فغير جائزة عندي، لإجماع الحجة من القراء على خلافها.واختلفوا أيضًا في قراءة قوله ( فَاكِهُونَ ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار ( فَاكِهُونَ ) بالألف. وذُكر عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤه; (فَكِهُونَ) بغير ألف.والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بالألف، لأن ذلك هو القراءة المعروفة.واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم; معناه; فَرِحون.* ذكر من قال ذلك;حدثني علي، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) يقول; فرحون .وقال آخرون; معناه; عجبون.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( فَاكِهُونَ ) قال; عجبون .حدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فَكِهُونَ) قال; عَجِبون .واختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك، فقال بعض البصريين; منهم الفكه الذي يتفكَّه. وقال; تقول العرب للرجل الذي يتفكَّه بالطعام أو بالفاكهة، أو بأعراض الناس; إن فلانا لفكِه بأعراض الناس، قال; ومن قرأها( فَاكِهُونَ ) جعله كثير الفواكه صاحب فاكهة، واستشهد لقوله ذلك ببيت الحُطَيئة;وَدَعَـــوْتَنِي وَزَعَمْـــتَ أنَّــكَلابــــنٌ بـــالصَّيْفِ تـــامِرْ (1)أي عنده لبن كثير، وتمر كثير، وكذلك عاسل، ولاحم، وشاحم. وقال بعض الكوفيين; ذلك بمنـزلة حاذرون وحذرون، وهذا القول الثاني أشبه بالكلمة.------------------------الهوامش;(1) البيت للحطيئة، وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة ص 207 - 1) قال في تفسير قوله تعالى; (في شغل فاكهون); الفكه الذي يتفكه، تقول العرب للرجل إذا كان يتفكه بالطعام أو الفاكهة أو بأعراض الناس; إن فلانا لفكه بأعراض الناس. ومن قرأها "فاكهون"; جعلها كثير الفواكه ، صاحب فاكهة؛ قال الحطيئة; "ودعوتني ..." البيت، أي عنده لبن كثير، وتمر كثير. فكذلك عاسل، ولاحم، وشاحم. ا . هـ. وفي (اللسان; فكه); رجل فكه; يأكل الفاكهة، وفاكه; عنده فاكهة. وكلاهما على النسب. أبو معاذ النحوي; الفاكه; الذي كثرت فاكهته. والفكه; الذي ينال من أعراض الناس. اهـ. وفي معاني القرآن للفراء (مصورة الجامعة ص 270); وقوله "فاكهون" بالألف، وتقرأ "فكهون" . وهي بمنزلة "حذرون" "وحاذرون". وهي في قراءة عبد الله; "فاكهين" بالألف. وقد نقله عنه المؤلف، ورجحه.
[لما ذكر تعالى] أن كل أحد لا يجازى إلا ما عمله، ذكر جزاء الفريقين، فبدأ بجزاء أهل الجنة، وأخبر أنهم في ذلك اليوم { فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } أي: في شغل مفكه للنفس، مُلِذِّ لها، من كل ما تهواه النفوس، وتلذه العيون، ويتمناه المتمنون.
(اليوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (فاكهون) ،
(في شغل) متعلّق بمحذوف خبر أوّل .
جملة: «إنّ أصحاب ... فاكهون» لا محلّ لها استئنافيّة.
(56) -
(أزواجهم) معطوف بـ (الواو) على المبتدأ
(هم) ، مرفوع
(في ظلال) متعلّق بمحذوف خبر أوّل ،
(على الأرائك) متعلّق بالخبر الثاني
(متّكئون) .
وجملة: «هم ... متّكئون» لا محلّ لها استئناف بيانيّ .
(57) -
(لهم) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ فاكهة
(فيها) متعلّق بحال من فاكهة ،
(لهم) الثاني خبر للمبتدأ ما .
وجملة: «لهم فيها فاكهة ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ .وجملة: «لهم ما يدّعون..» لا محلّ لها معطوفة على جملة لهم فيها فاكهة.
وجملة: «يدّعون..» لا محلّ لها صلة الموصول .
(58) -
(سلام) مبتدأ مرفوع ، خبره محذوف ،
(قولا) مفعول مطلق لفعل محذوف منصوبـ (من ربّ) متعلّق بنعت لـ (قولا) .
وجملة: «سلام قولا..» لا محلّ لها استئناف بيانيّ
(59) -
(اليوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (امتازوا) ،
(أيّها) منادى نكرة مقصودة مبني على الضمّ في محلّ نصب..
(المجرمون) بدل من أيّ- أو نعت-، أو عطف بيان عليه- تبعه في الرفع لفظا.
وجملة: «امتازوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «أيّها المجرمون ... » لا محلّ لها استئنافيّة.