الرسم العثمانيلَلَبِثَ فِى بَطْنِهِۦٓ إِلٰى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
الـرسـم الإمـلائـيلَلَبِثَ فِىۡ بَطۡنِهٖۤ اِلٰى يَوۡمِ يُبۡعَثُوۡنَۚ
تفسير ميسر:
فلولا ما تقدَّم له من كثرة العبادة والعمل الصالح قبل وقوعه في بطن الحوت، وتسبيحه، وهو في بطن الحوت بقوله; {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (21;87)}، لمكث في بطن الحوت، وصار له قبرًا إلى يوم القيامة.
وقوله تعالى "فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون" قيل لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء قاله الضحاك بن قيس وأبو العالية ووهب بن منبه وقتادة وغير واحد واختاره ابن جرير وقد ورد في الحديث الذي سنورده إن شاء الله تعالى ما يدل على ذلك إن صح الخبر وفي حديث ابن عباس "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة". وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير والضحاك وعطاء بن السائب والسدي والحسن وقتادة "فلولا أنه كان من المسبحين" يعني المصلين وصرح بعضهم بأنه كان من المصلين قبل ذلك وقال بعضهم كان من المسبحين في جوف أبويه وقيل المراد "فلولا أنه كان من المسبحين" هو قوله عز وجل "فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين" قاله سعيد بن جبير وغيره. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبيد الله بن أخي بن وهب حدثنا عمي حدثنا أبو صخر أن يزيد الرقاشي حدثه أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه - ولا أعلم أنسا إلا يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - "أن يونس النبي عليه الصلاة والسلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت فقال اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فأقلبت الدعوة تحن بالعرش قالت الملائكة يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيده غريبة فقال الله تعالى أما تعرفون ذلك قالوا يا رب ومن هو؟ قال عز وجل عبدي يونس قالوا عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مستجابة؟ قالوا يا رب أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه في البلاء؟ قال بلى فأمر الحوت فطرحه بالعراء" ورواه ابن جرير عز يونس عن ابن وهب به زاد ابن أبي حاتم قال أبو صخر حميد بن زياد فأخبرني ابن قسيط وأنا أحدثه هذا الحديث أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول; طرح بالعراء وأنبت الله عز وجل عليه اليقطينة قلنا يا أبا هريرة وما اليقطينة؟ قال شجرة الدباء. قال أبو هريرة رضي الله عنه; وهيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض - أو قال هشاش الأرض - قال فتتفشح عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت وقال أمية بن أبي الصلت في ذلك بيتا من شعره وهو; فأنبت يقطينا عليه برحمة من الله لولا الله ألقي ضاحيا.
أي عقوبة له ; أي يكون بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة .واختلف كم أقام في بطن الحوت .فقال السدي والكلبي ومقاتل بن سليمان ; أربعين يوما .الضحاك ; عشرين يوما .عطاء ; سبعة أيام .مقاتل بن حيان ; ثلاثة أيام .وقيل ; ساعة واحدة .والله أعلم .روى الطبري من حديث أبي هريرة قال ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ( لما أراد الله تعالى ذكره - حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش لحما ولا تكسر عظما فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه من البحر ; فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسا فقال في نفسه ما هذا ؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه وهو في بطن الحوت ; ( إن هذا تسبيح دواب البحر ) قال ; ( فسبح وهو في بطن الحوت ) قال ; ( فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا ; يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة ) قال ; ( ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر ) قالوا ; العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح ؟ قال نعم .فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت بقذفه في الساحل كما قال تعالى ; " وهو سقيم " ) .وكان سقمه الذي وصفه به الله - تعالى ذكره - أنه ألقاه الحوت على الساحل كالصبي المنفوس قد نشر اللحم والعظم .وقد روي ; أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح , ولم يفارقهم حتى انتهوا إلى البر , فلفظه سالما لم يتغير منه شيء فأسلموا ; ذكره الزمخشري في تفسيره .وقال ابن العربي ; أخبرني غير واحد من أصحابنا عن إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني ; أنه سئل عن الباري في جهة ؟ فقال ; لا , هو يتعالى عن ذلك .قيل له ; ما الدليل عليه ؟ قال ; الدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم ; ( لا تفضلوني على يونس بن متى ) فقيل له ; ما وجه الدليل في هذا الخبر ؟ فقال ; لا أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها دينا .فقام رجلان فقالا ; هي علينا .فقال لا يتبع بها اثنين ; لأنه يشق عليه .فقال واحد ; هي علي .فقال ; إن يونس بن متى رمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت , فصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث , ونادى " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " [ الأنبياء ; 87 ] كما أخبر الله عنه , ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم حين جلس على الرفرف الأخضر وارتقى به صعدا , حتى انتهى به إلى موضع يسمع فيه صريف الأقلام , وناجاه ربه بما ناجاه به , وأوحى إليه ما أوحى بأقرب إلى الله تعالى من يونس في بطن الحوت في ظلمة البحر .
( لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) يقول; لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، يوم يبعث الله فيه خلقه محبوسا، ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء، فأنقذه ونجَّاه.وقد اختلف أهل التأويل في وقت تسبيح يونس الذي ذكره الله به، فقال ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك، وقالوا مثل قولنا في معنى قوله ( مِنَ الْمُسَبِّحِينَ )* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) كان كثير الصَّلاةِ في الرّخاء، فنجَّاه الله بذلك; قال; وقد كان يقال في الحكمة; إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا ما عَثَر، فإذا صُرع وجد متكئا.حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن عُلَيَّة، عن بعض أصحابه، عن قتادة، في قوله ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) قال; كان طويل الصلاة في الرّخاء; قال; وإنّ العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر، إذا صرع وجد متكئا .حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; ثنا أبو ضحر، أن يزيد الرَّقاشي، حدثه، قال; سمعت أنس بن مالك، قال; ولا أعلم إلا أن أنسا يرفع الحديث إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ; " أنَّ يُونُسَ النَّبِيّ حِينَ بَدَا لَهُ أنْ يَدْعُوَ الله بالكَلِماتِ حِينَ نَادَاهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ، فَقَالَ; اللَّهُمَّ لا إلهَ إلا أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَأَقْبَلَتِ الدَّعْوَةُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَقَالَتِ المَلائِكَةُ; يَا رَبِّ هَذَا صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ فِي بِلادٍ غَرِيبَة، قَالَ; أما تَعْرِفُونَ ذلكَ؟ قَالُوا يَا رَبّ وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ; ذَلكَ عَبْدِي يُونُسُ، قَالُوا; عَبْدُكَ يُونُسُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبَّلٌ وَدَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، قَالُوا; يَا رَبّ أوَلا يُرْحَمُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنَجِّيهِ مِنَ البَلاءِ؟ قَالَ; بَلَى، فَأَمَرَ الْحُوتَ فَطَرَحَهُ بالعَرَاءِ" .حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) قال; من المصلِّين.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جُبَير ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) قال; من المصلين.حدثنا أبو كُرَيب، قال; ثنا ابن يمان، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) قال; كان له عمل صالح فيما خلا.حدثنا محمد بن الحسين، قال; ثنا أحمد بن المفضل، قال; ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله ( مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) قال; المصلين.حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال; ثنا كثير بن هشام، قال; ثنا جعفر، قال; ثنا ميمون بن مهران، قال; سمعت الضحاك بن قيس يقول على منبره; اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدّة، إن يونس كان عبدًا لله ذاكرا، فلما أصابته الشدّة دعا الله فقال الله; ( لَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) فذكره الله بما كان منه، وكان فرعون طاغيا باغيا فلمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ قال الضحاك; فاذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدّة.قال أبو جعفر; وقيل; إنما أحدث الصلاة التي أخبر الله عنه بها، فقال; ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) في بطن الحوت.وقال بعضهم; كان ذلك تسبيحا، لا صلاة.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن بشار، قال; ثنا أبو داود، قال; ثنا عمران القطان، قال; سمعت الحسن يقول في قوله ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) قال; فوالله ما كانت إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت; قال عمران; فذكرت ذلك لقتادة، فأنكر ذلك وقال; كان والله يكثر الصلاة في الرخاء.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا حكام، عن عنبسة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جُبَير; فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ قال; قال لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فلما قالها، قذفه الحوت، وهو مغرب.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ; لصار له بطن الحوت قبرًا إلى يوم القيامة.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك، قال; لبث يونس في بطن الحوت أربعين يوما.
{ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي: لكانت مقبرته، ولكن بسبب تسبيحه وعبادته للّه، نجاه اللّه تعالى، وكذلك ينجي اللّه المؤمنين، عند وقوعهم في الشدائد.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الصافات٣٧ :١٤٤
As-Saffat37:144