الرسم العثمانيفَقٰتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا
الـرسـم الإمـلائـيفَقَاتِلۡ فِىۡ سَبِيۡلِ اللّٰهِ ۚ لَا تُكَلَّفُ اِلَّا نَـفۡسَكَ وَحَرِّضِ الۡمُؤۡمِنِيۡنَ ۚ عَسَے اللّٰهُ اَنۡ يَّكُفَّ بَاۡسَ الَّذِيۡنَ كَفَرُوۡا ؕ وَاللّٰهُ اَشَدُّ بَاۡسًا وَّاَشَدُّ تَـنۡكِيۡلًا
تفسير ميسر:
فجاهد -أيها النبي- في سبيل الله لإعلاء كلمته، لا تلزم فعل غيرك ولا تؤاخذ به، وحُضَّ المؤمنين على القتال والجهاد، ورغِّبهم فيه، لعل الله يمنع بك وبهم بأس الكافرين وشدتهم. والله تعالى أشد قوة وأعظم عقوبة للكافرين.
يأمر تعالى عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يباشر القتال بنفسه ومن نكل عنه فلا عليه منه ولهذا قال "لا تكلف إلا نفسك" قال ابن أبي حاتم; حدثنا أبي حدثنا محمد بن عمرو بن نبيح حدثنا حكام حدثنا الجراح الكندي عن أبي إسحاق قال; سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقي المائة من العدو فيقاتل فيكون ممن قال الله فيه "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال; قد قال الله تعالى لنبيه"فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين" ورواه الإمام أحمد عن سليمان بن داود عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال; قلت للبراء; الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة قال; لا إن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم وقال "فقاتل قي سبيل الله لا تكلف إلا نفسك" إنما ذلك في النفقة. وكذا رواه ابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش وعلي بن صالح عن أبي إسحاق عن البراء به ثم قال ابن مردويه; حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن النضر العسكري حدثنا مسلم بن عبدالرحمن الحرثي حدثنا محمد بن حمير حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء قال; لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين" الآية قال لأصحابه "قد أمرني ربي بالقتال فقاتلوا" حديث غريب وقوله "وحرض المؤمنين" أي على القتال ورغبهم فيه وشجعهم عليه كما قال لهم صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم يوم بدر وهو يسوي الصفوف "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض" وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها" قالوا; يا رسول الله أفلا نبشر الناس بذلك؟ فقال; "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة" وروى من حديث عبادة ومعاذ وأبي الدرداء نحو ذلك. وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال; "يا أبا سعيد من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ونبي ا وجبت له الجنة" قال; فعجب لها أبو سعيد فقال; أعدها علي يا رسول الله ففعل ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وأخرى يرفع الله العبد بها مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض" قال; وما هى يا رسول الله؟ قال; "الجهاد في سبيل الله" رواه مسلم. وقوله "عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا" أي بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله ومقاومتهم ومصابرتهم. وقوله تعالى والله أشد بأسا وأشد تنكيلا أى هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة كما قال تعالى "ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض" الآية.
قوله تعالى ; فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلاقوله تعالى ; فقاتل في سبيل الله هذه الفاء متعلقة بقوله ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما فقاتل في سبيل الله أي من أجل هذا فقاتل . وقيل ; هي متعلقة بقوله ; وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله . فقاتل . كأن هذا المعنى ; لا تدع جهاد العدو والاستنصار عليهم للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك ؛ لأنه وعده بالنصر . قال الزجاج ; أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده ؛ لأنه قد ضمن له النصرة . قال ابن عطية ; " هذا ظاهر اللفظ ، إلا أنه لم يجئ في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة مدة ما ؛ فالمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه ؛ أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له ؛ فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك . ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو وحده ؛ ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ; والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي . وقول أبي بكر وقت الردة ; ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي . وقيل ; إن هذه الآية نزلت في موسم بدر الصغرى ؛ فإن أبا سفيان لما انصرف من أحد واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موسم بدر الصغرى ؛ فلما جاء الميعاد خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين راكبا فلم يحضر أبو سفيان ولم يتفق قتال . وهذا على معنى ما قاله مجاهد كما تقدم في " آل عمران " . ووجه النظم على هذا والاتصال بما قبل أنه وصف المنافقين بالتخليط وإيقاع [ ص; 253 ] الأراجيف ، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم وبالجد في القتال في سبيل الله وإن لم يساعده أحد على ذلك .قوله تعالى ; لا تكلف إلا نفسك ( تكلف ) مرفوع لأنه مستقبل ، ولم يجزم لأنه ليس علة للأول . وزعم الأخفش أنه يجوز جزمه . " إلا نفسك " خبر ما لم يسم فاعله ؛ والمعنى لا تلزم فعل غيرك ولا تؤاخذ به .قوله تعالى ; وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا فيه ثلاث مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; وحرض المؤمنين أي حضهم على الجهاد والقتال . يقال ; حرضت فلانا على كذا إذا أمرته به . وحارض فلان على الأمر وأكب وواظب بمعنى واحد .الثانية ; قوله تعالى ; عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا إطماع ، والإطماع من الله عز وجل واجب . على أن الطمع قد جاء في كلام العرب على الوجوب ؛ ومنه قوله تعالى ; والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين . وقال ابن مقبل ;ظني بهم كعسى وهم بتنوفة يتنازعون جوائز الأمثالقوله تعالى ; والله أشد بأسا أي صولة وأعظم سلطانا وأقدر بأسا على ما يريده . وأشد تنكيلا أي عقوبة ؛ عن الحسن وغيره . قال ابن دريد ; رماه الله بنكلة ، أي رماه بما ينكله . قال ; ونكلت بالرجل تنكيلا من النكال . والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان . قال ;وارم على أقفائهم بمنكل بصخرة أو عرض جيش جحفلالثالثة ; إن قال قائل ; نحن نرى الكفار في بأس وشدة ، وقلتم ; إن عسى بمعنى اليقين فأين ذلك الوعد ؟ قيل له ; قد وجد هذا الوعد ولا يلزم وجوده على الاستمرار والدوام فمتى وجد ولو لحظة مثلا فقد صدق الوعد ؛ فكف الله بأس المشركين ببدر الصغرى ، وأخلفوا ما كانوا عاهدوه من الحرب والقتال وكفى الله المؤمنين القتال وبالحديبية أيضا عما راموه من الغدر وانتهاز الفرصة ، ففطن بهم المسلمون فخرجوا فأخذوهم أسرى ، وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم في الصلح ، وهو المراد بقوله تعالى ; وهو الذي كف أيديهم عنكم على ما يأتي . وقد ألقى الله في قلوب الأحزاب الرعب وانصرفوا من غير قتل ولا قتال ؛ كما قال تعالى [ ص; 254 ] وكفى الله المؤمنين القتال . وخرج اليهود من ديارهم وأموالهم بغير قتال المؤمنين لهم ، فهذا كله بأس قد كفه الله عن المؤمنين ، مع أنه قد دخل من اليهود والنصارى العدد الكثير والجم الغفير تحت الجزية صاغرين وتركوا المحاربة داخرين ، فكف الله بأسهم عن المؤمنين . والحمد لله رب العالمين .
القول في تأويل قوله ; فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلا (84)قال أبو جعفر; يعني بقوله جل ثناؤه; (44) " فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك "، فجاهد، يا محمد، أعداء الله من أهل الشرك به =" في سبيل الله "، يعني; في دينه الذي شرعه لك، وهو الإسلام، وقاتلهم فيه بنفسك. (45)* * *فأما قوله; " لا تكلف إلا نفسك " فإنه يعني; لا يكلفك الله فيما فرض عليك من جهاد عدوه وعدوك، إلا ما حمَّلك من ذلك دون ما حمَّل غيرك منه، أي; أنك إنما تُتَّبع بما اكتسبته دون ما اكتسبه غيرك، وإنما عليك ما كُلِّفته دون ما كُلِّفه غيرك. (46)* * *ثم قال له; " وحرض المؤمنين "، يعني; وحضهم على قتال من أمرتك بقتالهم معك =" عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا "، يقول; لعل الله أن يكف قتال من كفر بالله وجحد وحدانيته وأنكر رسالتك، عنك وعنهم، ونكايتهم. (47)* * *وقد بينا فيما مضى أن " عسى " من الله واجبة، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (48)=" والله أشد بأسًا وأشد تنكيلا "، يقول; والله أشد نكاية في عدوه، من أهل الكفر به = منهم فيك يا محمد وفي أصحابك، فلا تنكُلَنَّ عن قتالهم، (49) فإني راصِدُهم بالبأس والنكاية والتنكيل والعقوبة، لأوهن كيدهم، وأضعف بأسهم، وأعلي الحق عليهم.و " التنكيل " مصدر من قول القائل; " نكلت بفلان "، فأنا أنكّل به تنكيلا "، إذا أوجعته عقوبة، (50) كما;-10014 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله; " وأشد تنكيلا "، أي عقوبة.-------------------------الهوامش ;(44) في المطبوعة والمخطوطة; "يعني بذلك جل ثناؤه" ، والسياق ما أثبت.(45) انظر تفسير"سبيل الله" فيما سلف 8; 3470 ، 546 ، تعليق; 1 ، والمراجع هناك.(46) انظر تفسير"التكليف" فيما سلف 5; 45.(47) سياق الكلام"أن يكف... عنك وعنهم" ثم عطف"ونكايتهم" على قوله; "قتال من كفر بالله".(48) لم أجد هذا الموضع الذي أشار الطبري ، وأخشى أن لا يكون مضى شيء من ذلك ، وأنه قد وهم.(49) "نكل عن الشيء"; أحجم وارتد عنه من الفرق. والمعنى; أشد نكاية في عدوه... من نكاية عدوه فيك يا محمد.(50) انظر تفسير"النكال" و"التنكيل" فيما سلف 2; 176 ، 177.
هذه الحالة أفضل أحوال العبد، أن يجتهد في نفسه على امتثال أمر الله من الجهاد وغيره، ويحرض غيره عليه، وقد يعدم في العبد الأمران أو أحدهما فلهذا قال لرسوله: { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ } أي: ليس لك قدرة على غير نفسك، فلن تكلف بفعل غيرك. { وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ } على القتال، وهذا يشمل كل أمر يحصل به نشاط المؤمنين وقوة قلوبهم، من تقويتهم والإخبار بضعف الأعداء وفشلهم، وبما أُعد للمقاتلين من الثواب، وما على المتخلفين من العقاب، فهذا وأمثاله كله يدخل في التحريض على القتال. { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي: بقتالكم في سبيل الله، وتحريض بعضكم بعضًا. { وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا } أي: قوة وعزة { وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا } بالمذنب في نفسه، وتنكيلا لغيره، فلو شاء تعالى لانتصر من الكفار بقوته ولم يجعل لهم باقية. ولكن من حكمته يبلو بعض عباده ببعض ليقوم سوق الجهاد، ويحصل الإيمان النافع، إيمان الاختيار، لا إيمان الاضطرار والقهر الذي لا يفيد شيئا.
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدر
(قاتل) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(في سبيل) جار ومجرور متعلق بحال من فاعل قاتلـ (الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(لا) نافية
(تكلّف) مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(إلا) أداة حصر
(نفس) مفعول به منصوب و (الكاف) ضمير مضاف إليه، وفي الكلام حذف مضاف أي: عمل نفسك
(الواو) عاطفة
(حرّض) مثل قاتل، وحرّك آخره بالكسرة لالتقاء الساكنين،
(المؤمنين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء
(عسى) فعل ماض ناقص مبني على الفتح المقدر على الألف
(الله) لفظ الجلالة اسم عسى مرفوع
(أن) حرف مصدري ونصبـ (يكف) مضارع منصوب، والفاعل هو (بأس) مفعول به منصوبـ (الذين) موصول مبني في محل جر مضاف إليه
(كفروا) فعل ماض مبني على الضم ... والواو فاعل.
والمصدر المؤولـ (أن يكف) في محل نصب خبر عسى.
(الواو) استئنافية
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(أشد) خبر مرفوع
(بأسا) تمييز منصوبـ (الواو) عاطفة
(أشد) معطوف على الأول مرفوع
(تنكيلا) تمييز منصوب.
جملة «قاتل ... » في محل جزم جواب شرط مقدّر أي: إن أفردوك وتركوك فقاتل .
وجملة «لا تكلف إلا نفسك» في محل نصب حال من فاعل قاتل .
وجملة «حرّض المؤمنين» في محل جزم معطوفة على جملة قاتل.وجملة «عسى الله ... » لا محل لها تعليلية، أو استئناف بياني.
وجملة «يكفّ ... » لا محل لها صلة الموصول الحرفي(أن) .
وجملة «كفروا» لا محل لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «الله أشد بأسا» لا محل لها استئنافية.
- القرآن الكريم - النساء٤ :٨٤
An-Nisa'4:84