كَذٰلِكَ وَزَوَّجْنٰهُم بِحُورٍ عِينٍ
كَذٰلِكَ وَزَوَّجۡنٰهُمۡ بِحُوۡرٍ عِيۡنٍؕ
تفسير ميسر:
كما أعطينا هؤلاء المتقين في الآخرة من الكرامة بإدخالهم الجنات وإلباسهم فيها السندس والإستبرق، كذلك أكرمناهم بأن زوَّجناهم بالحسان من النساء واسعات الأعين جميلاتها.
قوله تعالى كذلك "وزوجناهم بحور عين" أي هذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحسان الحور العين اللاتي "لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان" "كأنهن الياقوت والمرجان" "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نوح بن حبيب حدثنا نصر بن مزاحم العطار حدثنا عمر بن سعد عن رجل عن أنس رضي الله عنه رفعه نوح قال; لو أن حوراء بزقت في بحر لجي لعذب الماء لعذوبة ريقها.
قوله تعالى ; كذلك وزوجناهم بحور عين.قوله تعالى ; كذلك أي الأمر كذلك الذي ذكرناه . فيوقف على كذلك وقيل ; أي ; كما أدخلناهم الجنة وفعلنا بهم ما تقدم ذكره ، كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم حورا عينا وقد مضى الكلام في العين في ( والصافات ) والحور ; البيض ، في قول قتادة والعامة ، [ ص; 142 ] جمع حوراء . والحوراء ; البيضاء التي يرى ساقها من وراء ثيابها ، ويرى الناظر وجهه في كعبها ، كالمرآة من دقة الجلد وبضاضة البشرة وصفاء اللون . ودليل هذا التأويل أنها في حرف ابن مسعود ( بعيس عين ) وذكر أبو بكر الأنباري أخبرنا أحمد بن الحسين قال حدثنا حسين قال حدثنا عمار بن محمد قال ; صليت خلف منصور بن المعتمر فقرأ في ( حم ) الدخان ( بعيس عين . لا يذوقون طعم الموت إلا الموتة الأولى ) والعيس ; البيض ، ومنه قيل للإبل البيض ; عيس ، واحدها بعير أعيس وناقة عيساء . قال امرؤ القيس ;يرعن إلى صوتي إذا ما سمعنه كما ترعوي عيط إلى صوت أعيسافمعنى الحور هنا ; الحسان الثاقبات البياض بحسن . وذكر ابن المبارك أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن مسعود قال ; إن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم ، ومن تحت سبعين حلة ، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء . وقال مجاهد ; إنما سميت الحور حورا لأنهن يحار الطرف في حسنهن وبياضهن وصفاء لونهن . وقيل ; إنما قيل لهن حور لحور أعينهن . والحور ; شدة بياض العين في شدة سوادها . امرأة حوراء بينة الحور . يقال ; احورت عينه احورارا ، واحور الشيء ابيض . قال الأصمعي ; ما أدري ما الحور في العين ؟ وقال أبو عمرو ; الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر . قال ; وليس في بني آدم حور ، وإنما قيل للنساء ; حور العين لأنهن يشبهن بالظباء والبقر . وقال العجاج ; .بأعين محورات حوريعني الأعين النقيات البياض الشديدات سواد الحدق . والعين جمع عيناء ، وهي الواسعة العظيمة العينين . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ; مهور الحور [ ص; 143 ] العين قبضات التمر وفلق الخبز . وعن أبي قرصافة سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ; ( إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين ) . وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; ( كنس المساجد مهور الحور العين ) ذكره الثعلبي رحمه الله . وقد أفردنا لهذا المعنى بابا مفردا في ( كتاب التذكرة ) والحمد لله .واختلف أيما أفضل في الجنة ، نساء الآدميات أم الحور ؟ فذكر ابن المبارك قال ; وأخبرنا رشدين عن ابن أنعم عن حبان بن أبي جبلة قال ; إن نساء الآدميات من دخل منهن الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا . وروي مرفوعا إن ( الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف ) . وقيل ; إن الحور العين أفضل ، لقوله - عليه السلام - في دعائه ; ( وأبدله زوجا خيرا من زوجه ) . والله أعلم . وقرأ عكرمة ( بحور عين ) مضاف . والإضافة والتنوين في ( بحور عين ) سواء .
القول في تأويل قوله تعالى ; كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)يقول تعالى ذكره; كما أعطينا هؤلاء المتقين في الآخرة من الكرامة بإدخالناهم الجنات, وإلباسناهم فيها السندس والإستبرق, كذلك أكرمناهم بأن زوّجناهم أيضا فيها حورا من النساء, وهن النقيات البياض, واحدتهنّ; حَوْراء.وكان مجاهد يقول في معنى الحُور, ما حدثني به محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) قال; أنكحناهم حورا. قال; والحُور; اللاتي يحار فيهنّ الطرف بادٍ مُخُّ سوقهنّ من وراء ثيابهنّ, ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهنّ كالمرآة من رقة الجلد, وصفاء اللون. وهذا الذي قاله مجاهد من أن الحور إنما معناها; أنه يحار فيها الطرف, قول لا معنى له في كلام العرب, لأن الحُور إنما هو جمع حوراء, كالحمر جمع حمراء, والسود; جمع سوداء, والحوراء إنما هي فعلاء من الحور وهو نقاء البياض, كما قيل للنقيّ البياض من الطعام الحُوَّارِيُّ. وقد بينَّا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل.وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال سائر أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) قال; بيضاء عيناء, قال; وفي قراءة ابن مسعود ( بعِيس عِين ) .حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( بِحُورٍ عِينٍ ) قال; بيض عين, قال; وفي حرف ابن مسعود ( بعِيس عِين ). وقرأ ابن مسعود هذه, يعني أن معنى الحور غير الذي ذهب إليه مجاهد, لأن العيس عند العرب جمع عيساء, وهي البيضاء من الإبل, كما قال الأعشى;وَمَهْمَـهٍ نَـازِحٍ تَعْـوِي الذّئـابُ بِـهِكَــلَّفْتُ أَعْيَسَ تَحْـتَ الرَّحْـلِ نَعَّابـا (5)يعني بالأعيس; جملا أبيض. فأما العين فإنها جمع عيناء, وهي العظيمة العينين من النساء.وقوله ( يَدْعُونَ فِيهَا )... الآية, يقول; يدعو هؤلاء المتقون في الجنة بكلّ نوع من فواكه الجنة اشتهوه, آمنين فيها من انقطاع ذلك عنهم ونفاده وفنائه, ومن غائلة أذاه ومكروهه, يقول; ليست تلك الفاكهة هنالك كفاكهة الدنيا التي نأكلها, وهم يخافون مكروه عاقبتها, وغبّ أذاها مع نفادها من عندهم, وعدمها في بعض الأزمنة والأوقات.وكان قتادة يوجه تأويل قوله; (آمِنِينَ) إلى ما حدثنا به بشر.------------------------الهوامش;(5) البيت ; لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة 1361 ) والرواية فيه ;"قفر مساربه" في موضع"تعوي الذئاب به" والمهمه ; الصحراء ، ونازح ; بعيد . وقفر ; خال من النبات والإنس . ومساربه مسالكه . وأعيس ; حمل أبيض يخالطه شقرة أو ظلمة . والرحل ; الخشب يشد على الجمل ليركب فوقه . ونعاب ; من نعبت الإبل ; إذا مدت أعناقها في سيرها . وقيل هو أن يحرك البعير رأسه إذا أسرع (اللسان; نعب) . ومحل الشاهد في البيت عند المؤلف أن العيس عند العرب جمع أعيس ، وعيساء ، وهي الناقة البيضاء ، كما جاء في شعر الأعشى ; الأعيس ; الجمل الأبيض.
{ كَذَلِكَ } النعيم التام والسرور الكامل { وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عين } أي: نساء جميلات من جمالهن وحسنهن أنه يحار الطرف في حسنهن وينبهر العقل بجمالهن وينخلب اللب لكمالهن { عَيْنٍ } أي: ضخام الأعين حسانها.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة