الرسم العثمانيوَحَسِبُوٓا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌۢ بِمَا يَعْمَلُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَحَسِبُوۡۤا اَلَّا تَكُوۡنَ فِتۡنَةٌ فَعَمُوۡا وَصَمُّوۡا ثُمَّ تَابَ اللّٰهُ عَلَيۡهِمۡ ثُمَّ عَمُوۡا وَصَمُّوۡا كَثِيۡرٌ مِّنۡهُمۡؕ وَاللّٰهُ بَصِيۡرٌۢ بِمَا يَعۡمَلُوۡنَ
تفسير ميسر:
وظنَّ هؤلاء العُصاة أن الله لن يأخذهم بالعذاب جزاء عصيانهم وعُتُوِّهم، فمضوا في شهواتهم، وعمُوا عن الهدى فلم يبصروه، وصَمُّوا عن سماع الحقِّ فلم ينتفعوا به، فأنزل الله بهم بأسه، فتابوا فتاب الله عليهم، ثم عَمِي كثيرٌ منهم، وصمُّوا، بعدما تبين لهم الحقُّ، والله بصير بأعمالهم خيرها وشرها وسيجازيهم عليها.
قال تعالى "وحسبوا أن لا تكون فتنة " أي وحسبوا أن لا يترتب لهم شر على ما صنعوا فترتب وهو أنهم عموا عن الحق وصموا فلا يسمعون حقا ولا يهتدون إليه ثم" تاب الله عليهم" أي مما كانوا فيه ثم عموا وصموا أي بعد ذلك كثير منهم" والله بصير بما يعملون" أى مطلع عليهم وعليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية منهم.
قوله تعالى وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملونقوله تعالى ; وحسبوا ألا تكون فتنة المعنى ; ظن هؤلاء الذين أخذ عليهم الميثاق أنه لا يقع من الله عز وجل ابتلاء واختبار بالشدائد ، اغترارا بقولهم ; نحن أبناء الله وأحباؤه ، وإنما اغتروا بطول الإمهال ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي " تكون " بالرفع ; ونصب الباقون ; فالرفع على أن حسب بمعنى علم وتيقن . و " أن " مخففة من الثقيلة ودخول " لا " عوض من التخفيف ، وحذف الضمير لأنهم كرهوا أن يليها الفعل وليس من حكمها أن تدخل عليه ; ففصلوا بينهما ( بلا ) ، ومن نصب جعل " أن " ناصبة للفعل ، وبقي حسب على بابه من الشك وغيره . قال سيبويه ; حسبت ألا يقول ذلك ; أي ; حسبت أنه قال ذلك ، وإن شئت نصبت ; قال النحاس ; والرفع عند النحويين في حسب وأخواتها أجود كما قال امرؤ القيس ;ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وألا يشهد اللهو أمثاليوإنما صار الرفع أجود ; لأن حسب وأخواتها بمنزلة العلم لأنه شيء ثابت .قوله تعالى ; فعموا أي ; عن الهدى . وصموا أي ; عن سماع الحق ; لأنهم لم ينتفعوا بما رأوه ولا سمعوه . ( ثم تاب الله عليهم ) في الكلام إضمار ، أي ; أوقعت بهم الفتنة فتابوا فتاب الله عليهم بكشف القحط ، أو بإرسالمحمد صلى الله عليه وسلم يخبرهم بأن الله يتوب عليهم إن آمنوا ، فهذا بيان تاب الله عليهم أي ; يتوب عليهم إن آمنوا وصدقوا لا أنهم تابوا على الحقيقة . ثم عموا وصموا كثير منهم أي ; عمي كثير منهم وصم بعد تبين الحق لهم بمحمد عليه الصلاة والسلام ; فارتفع كثير على البدل من الواو ، وقال الأخفش سعيد ; كما تقول رأيت قومك ثلثيهم ، وإن شئت كان على إضمار مبتدأ أي العمي والصم كثير منهم . وإن شئت [ ص; 184 ] كان التقدير ; العمي والصم منهم كثير ، وجواب رابع أن يكون على لغة من قال ; ( أكلوني البراغيث ) وعليه قول الشاعر ( هو الفرزدق ) ;ولكن ديافي أبوه وأمه بحوران يعصرن السليط أقاربهومن هذا المعنى قوله ; وأسروا النجوى الذين ظلموا ، ويجوز في غير القرآن ( كثيرا ) بالنصب يكون نعتا لمصدر محذوف .
القول في تأويل قوله ; وَحَسِبُوا أَلا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71)قال أبو جعفر; يقول تعالى; وظن هؤلاء الإسرائيليون (1) = الذين وصف تعالى ذكره صفتهم; أنه أخذ ميثاقهم; وأنه أرسل إليهم رسلا وأنهم كانوا كلما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى أنفسهم كذّبوا فريقًا وقتلوا فريقًا= أن لا يكون من الله لهم ابتلاء واختبارٌ بالشدائد من العقوبات بما كانوا يفعلون (2)=" فعموا وصموا "، يقول; فعموا عن الحق والوفاء بالميثاق الذي أخذته عليهم، من إخلاص عبادتي، والانتهاء &; 10-479 &; إلى أمري ونهيي، والعمل بطاعتي، بحسبانهم ذلك وظنهم =" وصموا " عنه = ثم تبت عليهم. يقول; ثم هديتهم بلطف مني لهم حتى أنابوا ورجعوا عما كانوا عليه من معاصيَّ وخلاف أمري والعمل بما أكرهه منهم، إلى العمل بما أحبه، والانتهاء إلى طاعتي وأمري ونهيي =" ثم عموا وصموا كثير منهم "، (3) يقول; ثم عموا أيضًا عن الحق والوفاء بميثاقي الذي أخذته عليهم; من العمل بطاعتي، والانتهاء إلى أمري، واجتناب معاصيَّ =" وصموا كثير منهم "، يقول; عمى كثير من هؤلاء الذين كنت أخذت ميثاقهم من بني إسرائيل، باتباع رسلي والعمل بما أنـزلت إليهم من كتبي (4) = عن الحق وصموا، بعد توبتي عليهم، واستنقاذي إياهم من الهلكة =" والله بصير بما يعملون "، يقول " بصير "، فيرى أعمالهم خيرَها وشرَّها، فيجازيهم يوم القيامة بجميعها، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا. (5)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك;12288 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " وحسبوا ألا تكون فتنة "، الآية، يقول; حسب القوم أن لا يكون بلاءٌ =" فعموا وصموا "، كلما عرض بلاء ابتلوا به، هلكوا فيه.12289 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا "، يقول; حسبوا أن لا يبتلوا، فعموا عن الحق وصمُّوا.12290 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن مبارك، عن الحسن; " وحسبوا ألا تكون فتنة "، قال; بلاء.12291 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس; " وحسبوا ألا تكون فتنة "، قال; الشرك.12292 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله; " وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا "، قال; اليهود.12293 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد; " فعموا وصموا "، قال; يهود= قال ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قال; هذه الآية لبني إسرائيل. قال; و " الفتنة "، البلاء والتَّمحيص.* * *
{ وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ ْ} أي: ظنوا أن معصيتهم وتكذيبهم لا يجر عليهم عذابا ولا عقوبة، فاستمروا على باطلهم. { فَعَمُوا وَصَمُّوا ْ} عن الحق { ثُمَّ ْ} نعشهم و { تاب الله عَلَيْهِمْ ْ} حين تابوا إليه وأنابوا { ثُمَّ ْ} لم يستمروا على ذلك حتى انقلب أكثرهم إلى الحال القبيحة. { فعَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ْ} بهذا الوصف، والقليل استمروا على توبتهم وإيمانهم. { وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ْ} فيجازي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
(الواو) عاطفة
(حسبوا) فعل ماض مبني على الضمّ..
والواو فاعلـ (أن) حرف مصدريّ ونصبـ (لا) نافية
(تكون) مضارع تام منصوبـ (فتنة) فاعل تكون مرفوع.
والمصدر المؤوّلـ (أن لا تكون فتنة) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي حسبوا.
(الفاء) عاطفة
(عموا) مثل حسبوا
(الواو) عاطفة
(صمّوا) مثل حسبوا
(ثمّ) حرف عطف
(تاب) فعل ماض
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(على) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (تاب) ،(ثم عموا وصمّوا) مثل الأولى
(كثير) بدل من الضمير في عموا ،
(منهم) مثل عليهم متعلّق بنعت لكثير
(الواو) استئنافيّة
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(بصير) خبر مرفوع
(الباء) حرف جرّ
(ما) حرف مصدريّ ،
(يعملون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
والمصدر المؤوّلـ (ما يعملون) في محلّ جرّ بالباء متعلّق ببصير.
جملة «حسبوا ... » : لا محلّ لها معطوفة على جملة يقتلون.
وجملة «تكون» : لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة «عموا» : لا محلّ لها معطوفة على جملة حسبوا.
وجملة «صمّوا» : لا محلّ لها معطوفة على جملة عموا.
وجملة «تاب الله عليهم» : لا محلّ لها معطوفة على جملة عموا.
وجملة «عموا» : لا محلّ لها معطوفة على جملة تاب الله عليهم.
وجملة «صمّوا» : لا محلّ لها معطوفة على جملة عموا الثانية.
وجملة «الله بصير ... » : لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «يعملون» : لا محل لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
- القرآن الكريم - المائدة٥ :٧١
Al-Ma'idah5:71