وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
وَمَا خَلَقۡتُ الۡجِنَّ وَالۡاِنۡسَ اِلَّا لِيَعۡبُدُوۡنِ
تفسير ميسر:
وما خلقت الجن والإنس وبعثت جميع الرسل إلا لغاية سامية، هي عبادتي وحدي دون مَن سواي.
أي إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي لا لاحتياجي إليهم وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إلا ليعبدون" أي إلا ليقروا بعبادتي طوعا أو كرها وهذا اختيار ابن جرير. وقال ابن جريج إلا ليعرفون وقال الربيع بن أنس "إلا ليعبدون" أي إلا للعبادة وقال السدي من العبادة ما ينفع ومنها ما لا ينفع "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله" هذا منهم عبادة وليس ينفعهم مع الشرك. وقال الضحاك; المراد بذلك المؤمنون.
قوله تعالى ; وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون قيل ; إن هذا خاص فيمن سبق في علم الله أنه يعبده ، فجاء بلفظ العموم ومعناه الخصوص . والمعنى ; وما خلقت أهل السعادة من الجن والإنس إلا ليوحدون . قال القشيري ; والآية دخلها التخصيص على القطع ; لأن المجانين والصبيان ما أمروا بالعبادة حتى يقال أراد منهم العبادة ، وقد قال الله تعالى ; [ ص; 52 ] ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ومن خلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة ، فالآية محمولة على المؤمنين منهم ; وهو كقوله تعالى ; قالت الأعراب آمنا وإنما قال فريق منهم . ذكره الضحاك والكلبي والفراء والقتبي . وفي قراءة عبد الله ; " وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون " وقال علي رضي الله عنه ; أي وما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بالعبادة . واعتمد الزجاج على هذا القول ، ويدل عليه قوله تعالى ; وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا . فإن قيل ; كيف كفروا وقد خلقهم للإقرار بربوبيته والتذلل لأمره ومشيئته ؟ قيل ; قد تذللوا لقضائه عليهم ; لأن قضاءه جار عليهم لا يقدرون على الامتناع منه ، وإنما خالفهم من كفر في العمل بما أمره به ، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه . وقيل ; إلا ليعبدون أي إلا ليقروا لي بالعبادة طوعا أو كرها ; رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . فالكره ما يرى فيهم من أثر الصنعة . مجاهد ; إلا ليعرفوني . الثعلبي ; وهذا قول حسن ; لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده . ودليل هذا التأويل قوله تعالى ; ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم وما أشبه هذا من الآيات . وعن مجاهد أيضا ; إلا لآمرهم وأنهاهم . زيد بن أسلم ; هو ما جبلوا عليه من الشقوة والسعادة ; فخلق السعداء من الجن والإنس للعبادة ، وخلق الأشقياء منهم للمعصية . وعن الكلبي أيضا ; إلا ليوحدون ، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء ، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء ; يدل عليه قوله تعالى ; وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين الآية . وقال عكرمة ; إلا ليعبدون ويطيعون فأثيب العابد وأعاقب الجاحد . وقيل ; المعنى إلا لأستعبدهم . والمعنى متقارب ; تقول ; عبد بين العبودة والعبودية ، وأصل العبودية الخضوع والذل . والتعبيد التذليل ; يقال ; طريق معبد . قال طرفة بن العبد ;وظيفا وظيفا فوق مور معبدوالتعبيد الاستعباد وهو أن يتخذه عبدا . وكذلك الاعتباد . والعبادة الطاعة ، والتعبد التنسك . فمعنى ليعبدون ليذلوا ويخضعوا ويعبدوا .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56)اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) فقال بعضهم; معنى ذلك; وما خلقت السُّعداء من الجنّ والإنس إلا لعبادتي, والأشقياء منهم لمعصيتي.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حُمَيد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن ابن جُرَيج, عن زيد بن أسلم ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) قال; ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة.حدثنا ابن بشار, قال; ثنا مؤمل, قال; ثنا سفيان, عن ابن جُرَيج, عن زيد بن أسلم بنحوه.حدثني عبد الأعلى بن واصل, قال; ثنا عبيد الله بن موسى, قال; أخبرنا سفيان, عن ابن جُرَيج, عن زيد بن أسلم, بمثله.حدثنا حُمَيد بن الربيع الخراز, قال; ثنا ابن يمان, قال; ثنا ابن جُرَيج, عن زيد بن أسلم, في قوله ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) قال; جَبَلَهم على الشقاء والسعادة.حدثنا ابن حُمَيد, قال; ثنا مهران, عن سفيان ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) قال; من خلق للعبادة.وقال آخرون; بل معنى ذلك. وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليذعنوا لي بالعبودة.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ, قال; ثنا أبو صالح, قال; ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) ; إلا ليقروا بالعبودة طوعا وكَرها.وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرنا عن ابن عباس, وهو; ما خلقت الجنّ والإنس إلا لعبادتنا, والتذلل لأمرنا.فإن قال قائل; فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لأمره؟ قيل; إنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضاه عليهم, لأن قضاءه جار عليهم, لا يقدرون من الامتناع منه إذا نـزل بهم, وإنما خالفه من كفر به في العمل بما أمره به, فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه.
هذه الغاية، التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته، المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك يتضمن معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم.
(الواو) استئنافيّة
(ما) نافيّة
(إلّا) للحصر
(اللام) للتعليلـ (يعبدون) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ... و (النون) نون الوقاية قبل ياء المتكلّم المحذوفة لمناسبة الفاصلة.
جملة: «ما خلقت ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «يعبدون ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر والمصدر المؤوّلـ (أن يعبدون ... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (خلقت)57-
(ما) نافية
(منهم) متعلّق بـ (أريد) ،
(رزق) مجرور لفظا منصوب محلّا مفعول به
(ما أريد) مثل الأولى
(يطعمون) مثل يعبدون والمصدر المؤوّلـ (أن يطعمون) في محلّ نصب مفعول به عاملة أريد وجملة: «ما أريد
(الأولى) » لا محلّ لها استئناف بياني وجملة: «ما أريد
(الثانية) » لا محلّ لها معطوفة على جملة أريد
(الأولى) 58-
(هو) ضمير فصل ،
(الرزاق) خبر إنّ مرفوع
(ذو) خبر ثان مرفوع ،
(المتين) خبر ثالث وجملة: «إنّ الله ... الرزاق» لا محلّ لها تعليليّة