وَإِن يَرَوْا ءَايَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ
وَاِنۡ يَّرَوۡا اٰيَةً يُّعۡرِضُوۡا وَيَقُوۡلُوۡا سِحۡرٌ مُّسۡتَمِرٌّ
تفسير ميسر:
وإن ير المشركون دليلا وبرهانًا على صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، يُعرضوا عن الإيمان به وتصديقه مكذبين منكرين، ويقولوا بعد ظهور الدليل; هذا سحر باطل ذاهب مضمحل لا دوام له.
أي دليلا وحجة وبرهانا "يعرضوا" أي لا ينقادوا له بل يعرضون عنه ويتركونه وراء ظهورهم "ويقولوا سحر مستمر" أي ويقولون هذا الذي شاهدناه من الحجج سحر سحرنا به ومعنى "مستمر" أي ذاهب قاله مجاهد وقتادة وغيرهما أي باطل مضمحل لا دوام له.
قوله تعالى ; وإن يروا آية يعرضوا هذا يدل على أنهم رأوا انشقاق القمر . قال ابن عباس ; اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا ; إن كنت صادقا فاشقق لنا القمر فرقتين ، نصف على أبي قبيس ونصف على قعيقعان ; فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ; إن فعلت تؤمنون قالوا ; نعم ؟ وكانت ليلة بدر ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعطيه ما قالوا ; فانشق القمر فرقتين ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي المشركين ; يا فلان يا فلان اشهدوا . وفي حديث ابن مسعود ; انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش ; هذا من سحر ابن أبي كبشة ; سحركم فاسألوا السفار ; فسألوهم فقالوا ; قد رأينا القمر انشق فنزلت ; اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا أي إن يروا آية تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم أعرضوا عن [ ص; 118 ] الإيمان ويقولوا سحر مستمر أي ذاهب ; من قولهم ; مر الشيء واستمر إذا ذهب ; قاله أنس وقتادة ومجاهد والفراء والكسائي وأبو عبيدة ، واختاره النحاس . وقال أبو العالية والضحاك ; محكم قوي شديد ، وهو من المرة وهي القوة ; كما قال لقيط ;حتى استمرت على شزر مريرته مر العزيمة لا قحما ولا ضرعاوقال الأخفش ; هو مأخوذ من إمرار الحبل وهو شدة فتله . وقيل ; معناه مر من المرارة . يقال ; أمر الشيء صار مرا ، وكذلك مر الشيء يمر بالفتح مرارة فهو مر ، وأمره غيره ومره . وقال الربيع ; مستمر نافذ . يمان ; ماض . أبو عبيدة ; باطل . وقيل ; دائم . قال امرؤ القيس ;وليس على شيء قويم بمستمرأي بدائم . وقيل ; يشبه بعضه بعضا ; أي قد استمرت أفعال محمد على هذا الوجه فلا يأتي بشيء له حقيقة بل الجميع تخييلات . وقيل ; معناه قد مر من الأرض إلى السماء .
وقوله ( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ) يقول تعالى ذكره. وإن ير المشركون علامة تدلهم على حقيقة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم , ودلالة تدلهم على صدقة فيما جاءهم به عن ربهم, يعرضوا عنها, فيولوا مكذّبين بها مُنكرين أن يكون حقا يقينا, ويقولوا تكذيبا منهم بها, وإنكارا لها أن تكون حقا; هذا سحر سَحَرَنا به محمد حين خَيَّلَ إلينا أنا نرى القمر منفلقا باثنين بسحره, وهو سحر مستمرّ, يعني يقول; سحر مستمرّ ذاهب, من قولهم; قد مرّ هذا السحر إذا ذهب.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) قال; ذاهب.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) قال; إذا رأى أهل الضلالة آية من آيات الله قالوا; إنما هذا عمل السحر, يوشك هذا أن يستمرّ ويذهب.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) يقول; ذاهب.حدثت عن الحسين, قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد, قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) كما يقول أهل الشرك إذا كُسف القمر يقولون; هذا عمل السحرة.حدثنا ابن حميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, قوله ( سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) قال; حين انشق القمر بفلقتين; فلقة من وراء الجبل, وذهبت فلقة أخرى, فقال المشركون حين رأوا ذلك; سحر مستمرّ.وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يوجه قوله ( مُسْتَمِرٌّ ) إلى أنه مستفعل من الإمرار من قولهم; قد مرّ الجبل; إذا صلب وقوي واشتدّ وأمررته أنا; إذا فتلته فتلا شديدا, ويقول; معنى قوله ( وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) ; سحر شديد.
فشاهدوا أمرا ما رأوا مثله، بل ولم يسمعوا أنه جرى لأحد من المرسلين قبله نظيره، فانبهروا لذلك، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم، ولم يرد الله بهم خيرا، ففزعوا إلى بهتهم وطغيانهم، وقالوا: سحرنا محمد، ولكن علامة ذلك أنكم تسألون من قدم إليكم من السفر، فإنه وإن قدر على سحركم، لا يقدر أن يسحر من ليس مشاهدا مثلكم، فسألوا كل من قدم، فأخبرهم بوقوع ذلك، فقالوا: { سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } سحرنا محمد وسحر غيرنا، وهذا من البهت، الذي لا يروج إلا على أسفه الخلق وأضلهم عن الهدى والعقل، وهذا ليس إنكارا منهم لهذه الآية وحدها، بل كل آية تأتيهم، فإنهم مستعدون لمقابلتها بالباطل والرد لها، ولهذا قال: { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا } ولم يعد الضمير على انشقاق القمر فلم يقل: وإن يروها بل قال: { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا } وليس قصدهم اتباع الحق والهدى، وإنما قصدهم اتباع الهوى،
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة