كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ
كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوۡحٍ فَكَذَّبُوۡا عَبۡدَنَا وَقَالُوۡا مَجۡنُوۡنٌ وَّازۡدُجِرَ
تفسير ميسر:
كذَّبت قبل قومك -أيها الرسول- قوم نوح فكذَّبوا عبدنا نوحًا، وقالوا; هو مجنون، وانتهروه متوعدين إياه بأنواع الأذى، إن لم ينته عن دعوته.
يقول تعالى "كذبت" قبل قومك يا محمد "قوم نوح فكذبوا عبدنا" أي صرحوا له بالتكذيب واتهموه بالجنون "وقالوا مجنون وازدجر" قال مجاهد وازدجر أي استطير جنونا وقيل وازدجر أي انتهروه وزجروه وتواعدوه لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين قاله ابن زيد وهذا متوجه حسن.
قوله تعالى ; كذبت قبلهم قوم نوح ذكر جملا من وقائع الأمم الماضية تأنيسا للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له . قبلهم أي قبل قومك .فكذبوا عبدنا يعني نوحا . الزمخشري ; فإن قلت ما معنى قوله ; فكذبوا بعد قوله ; كذبت ؟ قلت ; معناه كذبوا فكذبوا عبدنا ; أي كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب ، أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا ; أي لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأسا كذبوا نوحا لأنه من جملة الرسل .وقالوا مجنون أي هو مجنون وازدجر أي زجر عن دعوى النبوة بالسب والوعيد بالقتل . وقيل إنما قال ; وازدجر بلفظ ما لم يسم فاعله لأنه رأس آية .
القول في تأويل قوله تعالى ; كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)وهذا وعيد من الله تعالى ذكره, وتهديد للمشركين من أهل مكة وسائر من أرْسَل إليه رسولَه محمدا صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم إياه, وتقدم منه إليهم إن هم لم ينيبوا من تكذيبهم إياه, أنه محلّ بهم ما أحل بالأمم الذين قصّ قصصهم في هذه السورة من الهلاك والعذاب, ومنجّ نبيه محمدا والمؤمنين به, كما نجَّى من قبله الرسل وأتباعهم من نقمه التي أحلَّها بأممهم, فقال جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; كذّبت يا محمد قبل هؤلاء الذين كذّبوك من قومك, الذين إذا رأوْا آية أعرضوا وقالوا سحر مستمرّ - قوم نوح, فكذّبوا عبدنا نوحا إذ أرسلناه إليهم, كما كذّبتك قريش إذ أتيتهم بالحقّ من عندنا وقالوا; هو مجنون وازدجر, وهو افْتُعِل من زجرت, وكذا تفعل العرب بالحرف إذا كان أوّله زايا صيروا تاء الافتعال منه دالا من ذلك قولهم; ازدجر من زجرت, وازدلف من زلفت, وازديد من زدت.واختلف أهل التأويل في المعنى الذي زَجَروه, فقال بعضهم; كان زجرهم إياه أن قالوا; استُطِير جنونا.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن بشار, قال; ثنا يحيى, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد ( وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ) قال; استطير جنونا.حدثنا ابن حميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( وَازْدُجِرَ ) قال; استُطير جنونا.حدثنا ابن المثنى, قال; ثنا محمد بن جعفر, قال; ثنا شعبة, عن الحكم, عن مجاهد في هذه الآية ( وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ) قال; استعر جنونا.حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال; ثنا زيد بن الحباب, قال; وأخبرني شعبة بن الحجاج, عن الحكم, عن مجاهد, مثله.وقال آخرون; بل كان زجرهم إياه وعيدهم له بالشتم والرجم بالقول القبيح.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ) قال; اتهموه وزجروه وأوعدوه لئن لم يفعل ليكوننّ من المرجومين, وقرأ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ .
لما ذكر تبارك وتعالى حال المكذبين لرسوله، وأن الآيات لا تنفع فيهم، ولا تجدي عليهم شيئا، أنذرهم وخوفهم بعقوبات الأمم الماضية المكذبة للرسل، وكيف أهلكهم الله وأحل بهم عقابه.فذكر قوم نوح، أول رسول بعثه الله إلى قوم يعبدون الأصنام، فدعاهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فامتنعوا من ترك الشرك وقالوا: { لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } ولم يزل نوح يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، فلم يزدهم ذلك إلا عنادا وطغيانا، وقدحا في نبيهم، ولهذا قال هنا: { فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ } لزعمهم أن ما هم عليه وآباؤهم من الشرك والضلال هو الذي يدل عليه العقل، وأن ما جاء به نوح عليه الصلاة والسلام جهل وضلال، لا يصدر إلا من المجانين، وكذبوا في ذلك، وقلبوا الحقائق الثابتة شرعا وعقلا، فإن ما جاء به هو الحق الثابت، الذي يرشد العقول النيرة المستقيمة، إلى الهدى والنور والرشد، وما هم عليه جهل وضلال مبين، [وقوله:] { وَازْدُجِرَ } أي: زجره قومه وعنفوه عندما دعاهم إلى الله تعالى، فلم يكفهم -قبحهم الله- عدم الإيمان به، ولا تكذيبهم إياه، حتى أوصلوا إليه من أذيتهم ما قدروا عليه، وهكذا جميع أعداء الرسل، هذه حالهم مع أنبيائهم.
(قبلهم) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (كذّبت) ، وضمير الغائب يعود على قريش
(الفاء) عاطفة تفصيليّة
(مجنون) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو، ونائب الفاعل للمجهولـ (ازدجر) ضمير يعود على نوح.
جملة: «كذّبت قبلهم قوم ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «كذّبوا ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة وجملة: «قالوا ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة وجملة: «
(هو) مجنون ... » في محلّ نصب مقول القولوجملة: «ازدجر ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة قالوا 10- 11-
(الفاء) عاطفة والثانية للربط والثالثة عاطفة
(بماء) متعلّق بحال من أبواب السماء، و (الباء) للتعدية أي سائلة بماء ...وجملة: «دعا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة كذّبوا ...والمصدر المؤوّلـ (أني مغلوب ... ) في محلّ جرّ بحرف جرّ محذوف هو الباء متعلّق بـ (دعا) وجملة: «انتصر ... » لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي تكرّم فانتصر وجملة: «فتحنا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة دعا 12-
(الواو) عاطفة
(عيونا) تمييز محوّل عن مفعول به
(الفاء) عاطفة
(على أمر) متعلّق بـ (التقى) ، ونائب الفاعل ضمير يعود على أمر وجملة: «فجّرنا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة فتحنا وجملة: «التقى الماء ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة فجّرنا وجملة: «قد قدر ... » في محلّ جرّ نعت لأمر 13-
(الواو) عاطفة في الموضعين
(على ذات) متعلّق بـ (حملناه) بحذف المنعوت أي: سفينة ذات ألواح وجملة: «حملناه.» لا محلّ لها معطوفة على جملة التقى الماء 14-
(بأعيننا) حال بمعنى محفوظة
(جزاء) مفعول لأجله والعامل محذوف ،(لمن) متعلّق بـ (جزاء) ، ونائب الفاعل للمجهولـ (كفر) ضمير مستتر يعود على نوح بوساطة الموصولـ (من) وجملة: «تجري ... » في محلّ جرّ نعت لذات ألواح وجملة: «كان كفر ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) وجملة: «كفر ... » في محلّ نصب خبر كان 15-
(الواو) استئنافيّة
(لقد تركناها) مثل لقد جاءهم ،
(آية) حال من ضمير الغائب في(تركناها)
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(هل) حرف استفهام
(مدّكر) مجرور لفظا مرفوع محلّا مبتدأ، خبره محذوف تقديره موجود وجملة: «تركناها.» لا محلّ لها جواب القسم المقدّر ... وجملة القسم المقدّرة لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «هل من مدّكر ... » لا محلّ لها جواب شرط مقدّر أي إذا كانت قصّة السفينة آية فهل من مدّكر منكم 16-
(الفاء) استئنافيّة
(كيف) اسم استفهام في محلّ نصب خبر كان الآتي
(نذر) معطوف على عذابي بالواو مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم المحذوفة لمناسبة الفاصلة وجملة: «كان عذابي ... » لا محلّ لها استئنافيّة 17-
(الواو) استئنافيّة
(لقد يسّرنا) مثل لقد جاءهم ،
(للذكر) متعلّق بـ (يسرنا) ،
(فهل من مدّكر) مثل الأولى «يسرّنا ... » لا محلّ لها جواب القسم المقدّر. وجملة القسم المقدّرة استئنافيّة وجملة: «هل من مدّكر ... » جواب شرط مقدّر أي: إذا كان القرآن ميسّرا فهل من مدّكر. والاستفهام فيه معنى الأمر أي فاحفظوه واتّعظوا به.