الرسم العثمانيلِّئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتٰبِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلٰى شَىْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
الـرسـم الإمـلائـيلِّـئَلَّا يَعۡلَمَ اَهۡلُ الۡكِتٰبِ اَلَّا يَقۡدِرُوۡنَ عَلٰى شَىۡءٍ مِّنۡ فَضۡلِ اللّٰهِ وَاَنَّ الۡفَضۡلَ بِيَدِ اللّٰهِ يُؤۡتِيۡهِ مَنۡ يَّشَآءُ ؕ وَاللّٰهُ ذُوۡ الۡفَضۡلِ الۡعَظِيۡمِ
تفسير ميسر:
أعطاكم الله تعالى ذلك كله؛ ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، أنهم لا يقدرون على شيء مِن فضل الله يكسبونه لأنفسهم أو يمنحونه لغيرهم، وأن الفضل كله بيد الله وحده يؤتيه مَن يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم على خلقه.
قال الله تعالى "لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شىء من فضل الله" أي ليتحققوا أنهم لا يقدرون على رد ما أعطاه الله ولا إعطاء ما منع الله "وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" قال ابن جرير "لئلا يعلم أهل الكتاب" أي ليعلم وقد ذكر عن ابن مسعود أنه قرأها لكي يعلم وكذا عطاء بن عبدالله وسعيد بن جبير قال ابن جرير; لأن العرب تجعل لا صلة في كل كلام دخل في أوله وآخره جحد غير مصرح فالسابق كقوله "ما منعك ألا تسجد" "وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون" بالله "وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون". آخر تفسير سورة الحديد ولله الحمد والمنة.
قوله تعالى ; لئلا يعلم أهل الكتاب أي ; ليعلم ، و " أن لا " صلة زائدة مؤكدة ؛ قاله الأخفش . وقال الفراء ; معناه لأن يعلم و " لا " صلة زائدة في كل كلام دخل عليه جحد . قال قتادة ; حسد أهل الكتاب المسلمين فنزلت ; لئلا يعلم أهل الكتاب أي ; لأن يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله وقال مجاهد ; قالت اليهود ; يوشك أن يخرج منا نبي يقطع الأيدي والأرجل . فلما خرج من العرب كفروا فنزلت ; [ ص; 241 ] لئلا يعلم أي ; ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون أي ; أنهم لا يقدرون ، كقوله تعالى ; أن لا يرجع إليهم قولا . وعن الحسن ; " ليلا يعلم أهل الكتاب " وروي ذلك عن ابن مجاهد . وروى قطرب بكسر اللام وإسكان الياء . وفتح لام الجر لغة معروفة . ووجه إسكان الياء أن همزة " أن " حذفت فصارت " لن " فأدغمت النون في اللام فصار " للا " فلما اجتمعت اللامات أبدلت الوسطى منها ياء ، كما قالوا في أما ; أيما . وكذلك القول في قراءة من قرأ " ليلا " بكسر اللام إلا أنه أبقى اللام على اللغة المشهورة فيها فهو أقوى من هذه الجهة . وعن ابن مسعود " لكيلا يعلم " وعن حطان بن عبد الله " لأن يعلم " . وعن عكرمة " ليعلم " وهو خلاف المرسوم . من فضل الله قيل ; الإسلام . وقيل ; الثواب . وقال الكلبي ; من رزق الله . وقيل ; نعم الله التي لا تحصى . وأن الفضل بيد الله ليس بأيديهم فيصرفون النبوة عن محمد صلى الله عليه وسلم إلى من يحبون . وقيل ; وأن الفضل بيد الله أي ; هو له يؤتيه من يشاء وفي البخاري ; حدثنا الحكم بن نافع ، قال ; حدثنا شعيب عن الزهري ، قال أخبرني سالم بن عبد الله ، أن عبد الله بن عمر قال ; سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو قائم على المنبر ; إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ، أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار ، ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صلاة العصر ، ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غروب الشمس ، فأعطيتم قيراطين قيراطين ، قال أهل التوراة ; ربنا هؤلاء أقل عملا وأكثر أجرا ، قال ; هل ظلمتكم من أجركم من شيء ؟ قالوا ; لا ، فقال ; فذلك فضلي أوتيه من أشاء في رواية ; فغضبت اليهود والنصارى وقالوا ; ربنا . . . الحديث . والله ذو الفضل العظيم تم تفسير سورة ( الحديد ) والحمد لله .
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من أهل الكتاب، يفعل بكم ربكم هذا لكي يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله الذي آتاكم وخصكم به، لأنهم كانوا يرون أن الله قد فضّلهم على جميع الخلق، فأعلمهم الله جلّ ثناؤه أنه قد آتى أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الفضل والكرامة، ما لم يؤتهم، وأن أهل الكتاب حسدوا المؤمنين لما نـزل قوله; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، فقال الله عزّ وجلّ; فعلت ذلك؛ ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) ... الآية، قال; لما نـزلت هذه الآية، حسد أهل الكتاب المسلمين عليها، فأنـزل الله عزّ وجلّ( لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ ) ... الآية، قال; ذُكر لنا أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول; " إنَّما مَثَلُنا وَمَثَلُ أهْل الكتابَيْن قَبْلَنا، كمَثَل رَجُلٍ اسْتأجَرَ أُجُرَاءَ، يَعْمَلُونَ إلى اللَّيْلِ على قيرَاطٍ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النهارُ سَئمُوا عَمَلَهُ وَمَلُّوا، فحاسَبَهُمْ، فأعَطَاهُمْ عَلى قَدْرِ ذَلكَ، ثُمَّ اسْتأجَرَ أُجُرَاءَ إلىَ اللَّيْلِ عَلى قِيرَاطَيْن، يَعْمَلُونَ لَهُ بَقيةَ عَمَلِهِ، فَقِيلَ لَهُ ما شأنُ هَؤُلاءِ أقَلَّهُمْ عَمَلا وأكْثرهُمْ أجْرًا؟ قال; مالي أُعْطِي مَنْ شِئْتُ، فأرْجُو أنْ نَكون نَحْنُ أصحاب القِيرَاطَينِ".حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال; بلغنا أنها حين نـزلت حسد أهل الكتاب المسلمين، فأنـزل الله ( لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) .حدثنا أبو عمار، قال; ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ( لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) ; الذين يتسمعون ( أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) .حدثنا ابن حُمَيد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، مثله.وقيل ( لِئَلا يَعْلَمَ ) إنما هو ليعلم; وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله ( لِكَيْ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألا يَقْدِرُونَ )، لأن العرب تجعل " لا " صلة في كلّ كلام دخل في أوّله أو آخره جحد غير مصرّح، كقوله في الجحد السابق، الذي لم يصرّح به مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ، وقوله; وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ، وقوله; وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ... الآية، ومعنى ذلك; أهلكناها أنهم يرجعون.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال; ثنا ابن علية، قال; أخبرنا أبو هارون الغنويّ، قال، قال خطاب بن عبد الله; ( لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) .قال; ثنا ابن علية، عن أبي المعلى، قال; كان سعيد بن جُبَير يقول ( لِكَيْلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتاب ).وقوله; ( وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ ) يقول تعالى ذكره; وليعلموا أن الفضل بيد الله دونهم، ودون غيرهم من الخلق، ( يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) يقول; يعطي فضله ذلك من يشاء من خلقه، ليس ذلك إلى أحد سواه، ( وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) يقول تعالى ذكره; والله ذو الفضل على خلقه، العظيم فضله.
{ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } أي: بينا لكم فضلنا وإحساننا لمن آمن إيمانا عاما، واتقى الله، وآمن برسوله، لأجل أن أهل الكتاب يكون لديهم علم بأنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله أي: لا يحجرون على الله بحسب أهوائهم وعقولهم الفاسدة، فيقولون: { لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } ويتمنون على الله الأماني الفاسدة، فأخبر الله تعالى أن المؤمنين برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، المتقين لله، لهم كفلان من رحمته، ونور، ومغفرة، رغما على أنوف أهل الكتاب، وليعلموا { أن الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } ممن اقتضت حكمته تعالى أن يؤتيه من فضله، { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [الذي لا يقادر قدره].تم تفسير سورة الحديد، ولله الحمد والمنة، والحمد لله.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الحديد٥٧ :٢٩
Al-Hadid57:29