الرسم العثمانيوَكَذٰلِكَ نُوَلِّى بَعْضَ الظّٰلِمِينَ بَعْضًۢا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَكَذٰلِكَ نُوَلِّىۡ بَعۡضَ الظّٰلِمِيۡنَ بَعۡضًاۢ بِمَا كَانُوۡا يَكۡسِبُوۡنَ
تفسير ميسر:
وكما سلَّطْنا شياطين الجن على كفار الإنس، فكانوا أولياء لهم، نسلِّط الظالمين من الإنس بعضهم على بعض في الدنيا؛ بسبب ما يعملونه من المعاصي.
قال سعيد عن قتادة في تفسيرها إنما يولى الله الناس أعمالهم فالمؤمن ولي المؤمن أين كان وحيث كان والكافر ولي الكافر أينما كان وحيثما كان ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي واختاره ابن جرير وقال معمر عن قتادة في تفسير الآية يولي الله بعض الظالمين بعضا في النار يتبع بعضهم بعضا وقال; مالك بن دينار قرأت في الزبور إنى أنتقم من المنافقين بالمنافقين ثم أنتقم من المنافقين جميعا وذلك في كتاب الله قول الله تعالى "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا" وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا" قال ظالمي الجن وظالمي الإنس وقرأ "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين" قال ونسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس. وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الباقي بن أحمد من طريق سعيد بن عبد الجبار الكرابيسي عن حماد بن سلمة عن عاصم عن ذر عن ابن مسعود مرفوعا من أعان ظالما سلطه الله عليه وهذا حديث غريب وقال بعض الشعراء; وما من يد إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سيبلى بظالم ومعنى الآية الكريمة كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغوتهم من الجن كذلك تفعل بالظالمين نسلط بعضهم على بعض ونهلك بعضهم ببعض وننتقم من بعضهم ببعض جزاء على ظلمهم وبغيهم.
قوله تعالى وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون قوله تعالى ; وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا المعنى وكما فعلنا بهؤلاء مما وصفته لكم من استمتاع بعضهم ببعض أجعل بعض الظالمين أولياء بعض ، ثم يتبرأ بعضهم من بعض غدا . ومعنى نولي على هذا نجعل وليا . قال ابن زيد ; نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس . وعنه أيضا ; نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله . وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالما آخر . ويدخل في الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الرعية ، أو التاجر يظلم الناس في تجارته أو السارق وغيرهم . وقال فضيل بن عياض ; إذا رأيت ظالما ينتقم من ظالم فقف وانظر فيه متعجبا . وقال ابن عباس ; إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم ، وإذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم . وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ; من أعان ظالما سلطه الله عليه . وقيل ; المعنى نكل بعضهم إلى بعض فيما يختارونه من [ ص; 78 ] الكفر ، كما نكلهم غدا إلى رؤسائهم الذين لا يقدرون على تخليصهم من العذاب أي كما نفعل بهم ذلك في الآخرة كذلك نفعل بهم في الدنيا . وقد قيل في قوله تعالى ; نوله ما تولى ; نكله إلى ما وكل إليه نفسه . قال ابن عباس ; تفسيرها هو أن الله إذا أراد بقوم شرا ولى أمرهم شرارهم . يدل عليه قوله تعالى ; وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم .
القول في تأويل قوله ; وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)قال أبو جعفر; اختلف أهل التأويل في تأويل (نُوَلّي).فقال بعضهم; معناه; نحمل بعضهم لبعض وليًّا، على الكفر بالله .* ذكر من قال ذلك;13893- حدثنا يونس قال، حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله; (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون)، وإنما يولي الله بين الناس بأعمالهم ، فالمؤمن وليُّ المؤمن أين كان وحيث كان, والكافر وليُّ الكافر أينما كان وحيثما كان . ليس الإيمان بالتَمنِّي ولا بالتحَلِّي .* * *وقال آخرون; معناه; نُتْبع بعضهم بعضًا في النار= من " الموالاة ", وهو المتابعة بين الشيء والشيء, من قول القائل; " واليت بين كذا وكذا "، إذا تابعت بينهما .* ذكر من قال ذلك;13894- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة; (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا)، في النار، يتبع بعضهم بعضًا . (39)* * *وقال آخرون; معنى ذلك، نسلط بعض الظلمة على بعض .* ذكر من قال ذلك;13895- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا)، قال; ظالمي الجن وظالمي الإنس . وقرأ; وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ، [سورة الزخرف; 36]. قال; نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس .* * *قال أبو جعفر; وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك بالصواب, قولُ من قال; معناه; وكذلك نجعل بعض الظالمين لبعضٍ أولياء . لأن الله ذكر قبل هذه الآية ما كان من قول المشركين, فقال جل ثناؤه; وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ , وأخبر جل ثناؤه; أنّ بعضهم أولياء بعض, ثم عقب خبره ذلك بخبره عن أن ولاية بعضهم بعضًا بتوليته إياهم, فقال; وكما جعلنا بعض هؤلاء المشركين من الجن والإنس أولياء بعض يستمتع بعضهم ببعض, كذلك نجعل بعضَهم أولياء بعض في كل الأمور =" بما كانوا يكسبون "، من معاصي الله ويعملونه . (40)---------------الهوامش ;(39) انظر تفسير (( ولي )) فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .(40) انظر تفسير (( الكسب )) فيما سلف ; 11 ; 448 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .
{ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي: وكما ولَّيْنَا الجن المردة وسلطناهم على إضلال أوليائهم من الإنس وعقدنا بينهم عقد الموالاة والموافقة، بسبب كسبهم وسعيهم بذلك. كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالما مثله، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه، ويزهده في الخير وينفره عنه، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها. والذنب ذنب الظالم، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } ومن ذلك، أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين. كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف.
(الواو) استئنافية
(الكاف) حرف جر وتشبيه
(ذلك) اسم إشارة مبني في محلّ جر متعلق بمحذوف مفعول مطلق عامله الفعل الذي يليه ، و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (نولي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة على الياء، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن
(بعض) مفعول به منصوبـ (الظالمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء
(بعضا) مفعول به ثان منصوب ،
(بما كانوا يكسبون) مثل بما كانوا يعملون في مفرداتها وفي المصدر المؤول.
جملة «نولّي....» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «كانوا ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي أو الاسمي
(ما) .وجملة «يكسبون» في محلّ نصب خبر كانوا.
- القرآن الكريم - الأنعام٦ :١٢٩
Al-An'am6:129