الرسم العثمانيإِنَّا هَدَيْنٰهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا
الـرسـم الإمـلائـياِنَّا هَدَيۡنٰهُ السَّبِيۡلَ اِمَّا شَاكِرًا وَّاِمَّا كَفُوۡرًا
تفسير ميسر:
إنا خلقنا الإنسان من نطفة مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة، نختبره بالتكاليف الشرعية فيما بعد، فجعلناه من أجل ذلك ذا سمع وذا بصر؛ ليسمع الآيات، ويرى الدلائل، إنا بينَّا له وعرَّفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر؛ ليكون إما مؤمنًا شاكرًا، وإما كفورًا جاحدًا.
أي بيناه له ووضحناه وبصرناه به كقوله جل وعلا "وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى" وكقوله جل وعلا "وهديناه النجدين" أي بينا له طريق الخير وطريق الشر وهذا قول عكرمة وعطية وابن زيد ومجاهد في المشهور عنه والجمهور وروي عن مجاهد وأبي صالح والضحاك والسدي أنهم قالوا في قوله تعالى "إنا هديناه السبيل" يعني خروجه من الرحم وهذا قول غريب والصحيح المشهور الأول وقوله تعالى "إما شاكرا وإما كفورا" منصوب على الحال من الهاء في قوله "إنا هديناه السبيل" تقديره فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها" وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن ابن خثيم عن عبدالرحمن بن سابط عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة "أعاذك الله من إمارة السفهاء" قال وما إمارة السفهاء؟ قال "أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم عل ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون علي حوضي يا كعب ابن عجرة; الصوم جنة والصدقة تطفيء الخطيئة والصلاة قربات - أو قال برهان - يا كعب بن عجرة; إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به يا كعب; الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها" ورواه عن عفان بن وهيب عن عبدالله بن خثيم به وقد تقدم في سورة الروم عند قوله جل جلاله "فطرة الله التي فطر الناس عليها" من رواية جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا" وقال الإمام أحمد حدثنا أبو عامر حدثنا عبدالله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما من خارج يخرج إلا ببابه رايتان; راية بيد ملك وراية بيد شيطان فإن خرج لما يحب الله اتبعه الملك برايته فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته".
قوله تعالى ; إنا هديناه السبيل أي بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال ، والخير والشر ببعث الرسل ، فآمن أو كفر ; كقوله تعالى ; وهديناه النجدين . وقال مجاهد ; أي بينا له السبيل إلى الشقاء والسعادة . وقال الضحاك وأبو صالح والسدي ; السبيل هنا خروجه من الرحم . وقيل ; منافعه ومضاره التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله .إما شاكرا وإما كفورا أي أيهما فعل فقد بينا له . قال الكوفيون ; إن هاهنا تكون جزاء و ( ما ) زائدة أي بينا له الطريق إن شكر أو كفر . واختاره الفراء ولم يجزه البصريون ; إذ لا تدخل إن للجزاء على الأسماء إلا أن يضمر بعدها فعل . وقيل ; أي هديناه الرشد ، أي بينا له سبيل التوحيد بنصب الأدلة عليه ; ثم إن خلقنا له الهداية اهتدى وآمن ، وإن خذلناه كفر . وهو كما تقول ; قد نصحت لك ، إن شئت فاقبل ، وإن شئت فاترك ; أي فإن شئت ، فتحذف الفاء . وكذا إما شاكرا والله أعلم .[ ص; 110 ] ويقال ; هديته السبيل وللسبيل وإلى السبيل . وقد تقدم في ( الفاتحة ) وغيرها . وجمع بين الشاكر والكفور ، ولم يجمع بين الشكور والكفور مع اجتماعهما في معنى المبالغة ; نفيا للمبالغة في الشكر وإثباتا لها في الكفر ; لأن شكر الله تعالى لا يؤدى ، فانتفت عنه المبالغة ، ولم تنتف عن الكفر المبالغة ، فقل شكره ، لكثرة النعم عليه وكثرة كفره وإن قل مع الإحسان إليه . حكاه الماوردي .
يعني جلّ ثناؤه بقوله; ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ) إنا بينا له طريق الجنة، وعرّفناه سبيله، إن شكر، أو كفر. وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا المعنى، كانت إما وإما في معنى الجزاء، وقد يجوز أن تكون إما وإما بمعنى واحد، كما قال; إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ فيكون قوله; ( إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) حالا من الهاء التي في هديناه، فيكون معنى الكلام إذا وُجه ذلك إلى هذا التأويل; إنا هديناه السبيل، إما شقيا وإما سعيدا، وكان بعض نحويِّي البصرة يقول ذلك كما قال; إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ كأنك لم تذكر إما، قال; وإن شئت ابتدأت ما بعدها فرفعته.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ) قال; الشقوة والسَّعادة.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا ) للنعم ( وَإِمَّا كَفُورًا ) لها.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ ... ) إلى ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ) قال; ننظر أيّ شيء يصنع، أيّ الطريقين يسلك، وأيّ الأمرين يأخذ، قال; وهذا الاختبار.
ثم أرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وهداه الطريق الموصلة إلى الله ، ورغبه فيها، وأخبره بما له عند الوصول إلى الله.ثم أخبره بالطريق الموصلة إلى الهلاك، ورهبه منها، وأخبره بما له إذا سلكها، وابتلاه بذلك، فانقسم الناس إلى شاكر لنعمة الله عليه، قائم بما حمله الله من حقوقه، وإلى كفور لنعمة الله عليه، أنعم الله عليه بالنعم الدينية والدنيوية، فردها، وكفر بربه، وسلك الطريق الموصلة إلى الهلاك.ثم ذكر تعالى حال الفريقين عند الجزاء فقال:
(إمّا) حرف لتفصيل الأحوالـ (شاكرا) حال من مفعول هديناه منصوبة
(الواو) عاطفة..جملة: «إنّا هديناه ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «هديناه ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
- القرآن الكريم - الانسان٧٦ :٣
Al-Insan76:3