الرسم العثمانيفَلَآ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ
الـرسـم الإمـلائـيفَلَاۤ اُقۡسِمُ بِالشَّفَقِۙ
تفسير ميسر:
أقسم الله تعالى باحمرار الأفق عند الغروب، وبالليل وما جمع من الدواب والحشرات والهوام وغير ذلك، وبالقمر إذا تكامل نوره، لتركبُنَّ- أيها الناس- أطوارا متعددة وأحوالا متباينة; من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى نفخ الروح إلى الموت إلى البعث والنشور. ولا يجوز للمخلوق أن يقسم بغير الله، ولو فعل ذلك لأشرك.
روي عن علي وابن عباس وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وشداد بن أوس وابن عمر ومحمد بن علي بن الحسين ومكحول وبكر بن عبدالله المزني وبكير بن الأشج ومالك وابن أبي ذئب وعبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون أنهم قالوا الشفق الحمرة وقال عبدالرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن ابن لبيبة عن أبي هريرة قال الشفق البياض فالشفق هو حمرة الأفق إما قبل طلوع الشمس كما قاله مجاهد وإما بعد غروبها كما هو معروف عند أهل اللغة قال الخليل بن أحمد; الشفق الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة فإذا ذهب قيل غاب الشفق. وقال الجوهري; الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة وكذا قال عكرمة الشفق الذي يكون بين المغرب والعشاء وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "وقت المغرب ما لم يغب الشفق" ففي هذا كله دليل على أن الشفق هو كما قاله الجوهري والخليل. ولكن صح عن مجاهد أنه قال في هذه الآية "فلا أقسم بالشفق" هو النهار كله وفى رواية عنه أيضا أنه قال الشفق الشمس رواهما ابن أبي حاتم.
قوله تعالى ; فلا أقسم أي فأقسم و ( لا ) صلة .بالشفق أي بالحمرة التي تكون عند مغيب الشمس حتى تأتي صلاة العشاء الآخرة . قال أشهب وعبد الله بن الحكم ويحيى بن يحيى وغيرهم ، كثير عددهم عن مالك ; الشفق الحمرة التي في المغرب ، فإذا ذهبت الحمرة فقد خرجت من وقت المغرب ووجبت صلاة العشاء . وروى ابن وهب قال ; أخبرني غير واحد عن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبي هريرة ; أن الشفق الحمرة ، وبه قال مالك بن أنس . وذكر غير ابن وهب من الصحابة ; عمر وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأنسا وأبا قتادة وجابر بن عبد الله وابن الزبير ، ومن [ ص; 237 ] التابعين ; سعيد بن جبير ، وابن المسيب وطاوسا ، وعبد الله بن دينار ، والزهري ، وقال به من الفقهاء الأوزاعي ومالك والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وأبو عبيدة وأحمد وإسحاق وقيل ; هو البياض ; روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة أيضا وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وأبي حنيفة في إحدى الروايتين عنه . وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه . وروي عن ابن عمر أيضا أنه البياض والاختيار الأول ; لأن أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء عليه ، ولأن شواهد كلام العرب والاشتقاق والسنة تشهد له . قال الفراء ; سمعت بعض العرب يقول لثوب عليه مصبوغ ; كأنه الشفق وكان أحمر ، فهذا شاهد للحمرة ; وقال الشاعر ;وأحمر اللون كمحمر الشفقوقال آخر ;قم يا غلام أعني غير مرتبك على الزمان بكأس حشوها شفقويقال للمغرة الشفق . وفي الصحاح ; الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة . قال الخليل ; الشفق ; الحمرة ، من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة ، إذا ذهب قيل ; غاب الشفق . ثم قيل ; أصل الكلمة من رقة الشيء ; يقال ; شيء شفق أي لا تماسك له لرقته . وأشفق عليه . أي رق قلبه عليه ، والشفقة ; الاسم من الإشفاق ، وهو رقة القلب ، وكذلك الشفق ; قال الشاعر ;تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا والموت أكرم نزال على الحرمفالشفق ; بقية ضوء الشمس وحمرتها فكأن تلك الرقة عن ضوء الشمس . وزعم الحكماء أن البياض لا يغيب أصلا . وقال الخليل ; صعدت منارة الإسكندرية فرمقت البياض ، فرأيته يتردد من أفق إلى أفق ولم أره يغيب . وقال ابن أبي أويس ; رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر قال علماؤنا ; فلما لم يتحدد وقته سقط اعتباره . وفي سنن أبي داود عن النعمان بن بشير قال ; أنا أعلمكم بوقت صلاة العشاء الآخرة ; كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها لسقوط القمر لثالثة . وهذا تحديد ، ثم الحكم معلق بأول الاسم . لا يقال ; فينقض عليكم بالفجر الأول ، فإنا نقول الفجر الأول لا يتعلق به حكم من صلاة ولا إمساك ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الفجر بقوله وفعله فقال ; " وليس الفجر أن تقول هكذا - فرفع يده إلى فوق - ولكن الفجر أن تقول هكذا وبسطها " وقد [ ص; 238 ] مضى بيانه في آية الصيام من سورة ( البقرة ) ، فلا معنى للإعادة . وقال مجاهد ; الشفق ; النهار كله ألا تراه قال والليل وما وسق وقال عكرمة ; ما بقي من النهار . والشفق أيضا ; الرديء من الأشياء ; يقال ; عطاء مشفق أي مقلل قال الكميت ;ملك أغر من الملوك تحلبت للسائلين يداه غير مشفق
القول في تأويل قوله تعالى ; فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)وهذا قَسَمٌ أقسم ربنا بالشفق، والشفق; الحمرة في الأفق من ناحية المغرب من الشمس في قول بعضهم.واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم; هو الحمرة كما قلنا، وممن قال ذلك جماعة من أهل العراق.وقال آخرون; هو النهار.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ، قال; ثنا محمد بن عبيد، قال; ثنا العوّام بن حوشب، قال; قلت لمجاهد; الشفق، قال; لا تقل الشفق، إن الشفق من الشمس، ولكن قل; حمرة الأفق .حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله; الشفق، قال; النهار كله .حدثنا أبو كريب، قال; ثنا وكيع، قال; ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ) قال; النهار .حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.وقال آخرون; الشفق; هو اسم للحمرة والبياض، وقالوا; هو من الأضداد.والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال; إن الله أقسم بالنهار مدبرا، والليل مقبلا. وأما الشفق الذي تَحُلّ به صلاة العشاء، فإنه للحمرة عندنا للعلة التي قد بيَّنَّاها في كتابنا كتاب الصلاة.
أقسم في هذا الموضع بآيات الليل، فأقسم بالشفق الذي هو بقية نور الشمس، الذي هو مفتتح الليل.
(الفاء) استئنافيّة
(لا) زائدة
(بالشفق) متعلّق بـ (أقسم) ،(الواو) عاطفة في المواضع الثلاثة،
(ما) مصدرية ،
(إذا) ظرف في محلّ نصب مجرّد من الشرط متعلّق بـ (أقسم) ،
(اللام) لام القسم
(تركبنّ) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون، وقد حذفت لتوالي الأمثال، و (الواو) المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل، و (النون) نون التوكيد
(عن طبق) متعلّق بنعت لـ (طبقا) ..
والمصدر المؤوّلـ (ما وسق) في محلّ جرّ معطوف على الشفق.
جملة: «لا أقسم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «وسق ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
وجملة: «اتسق ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «تركبنّ ... » لا محلّ لها جواب القسم.
- القرآن الكريم - الإنشقاق٨٤ :١٦
Al-Insyiqaq84:16