قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكّٰى
قَدۡ اَفۡلَحَ مَنۡ تَزَكّٰىۙ
تفسير ميسر:
قد فاز مَن طهر نفسه من الأخلاق السيئة، وذكر الله، فوحَّده ودعاه وعمل بما يرضيه، وأقام الصلاة في أوقاتها؛ ابتغاء رضوان الله وامتثالا لشرعه.
أي طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة وتابع ما أنزل الله على الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى ; قد أفلح من تزكىفيه;الأولى ; قوله تعالى ; قد أفلح أي قد صادف البقاء في الجنة أي من تطهر من الشرك بإيمان قاله ابن عباس وعطاء وعكرمة . وقال الحسن والربيع ; من كان عمله زاكيا [ ص; 20 ] ناميا . وقال معمر عن قتادة ; تزكى قال بعمل صالح . وعنه وعن عطاء وأبي العالية ; نزلت في صدقة الفطر . وعن ابن سيرين قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى قال ; خرج فصلى بعدما أدى . وقال عكرمة ; كان الرجل يقول أقدم زكاتي بين يدي صلاتي . فقال سفيان ; قال الله تعالى ; قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى . وروي عن أبي سعيد الخدري وابن عمر ; أن ذلك في صدقة الفطر ، وصلاة العيد . وكذلك قال أبو العالية ، وقال ; إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ، ومن سقاية الماء . وروى كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى ; قد أفلح من تزكى قال ; ( أخرج زكاة الفطر ) ، وذكر اسم ربه فصلى قال ; ( صلاة العيد ) . وقال ابن عباس والضحاك ; وذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى صلاة العيد .وقيل ; المراد بالآية زكاة الأموال كلها قال أبو الأحوص وعطاء . وروى ابن جريج قال ; قلت لعطاء ; قد أفلح من تزكى للفطر ؟ قال ; هي للصدقات كلها . وقيل ; هي زكاة الأعمال ، لا زكاة الأموال ، أي تطهر في أعماله من الرياء والتقصير ; لأن الأكثر أن يقال في المال ; زكى ، لا تزكى . وروى جابر بن عبد الله قال ; قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; " قد أفلح من تزكى أي من شهد أن لا إله إلا الله ، وخلع الأنداد ، وشهد أني رسول الله " . وعن ابن عباس تزكى قال ; لا إله إلا الله . وروى عنه عطاء قال ; نزلت في عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال ; كان بالمدينة منافق كانت له نخلة بالمدينة ، مائلة في دار رجل من الأنصار ، إذا هبت الرياح أسقطت البسر والرطب إلى دار الأنصاري ، فيأكل هو وعياله ، فخاصمه المنافق فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلى المنافق وهو لا يعلم نفاقه ، فقال ; " إن أخاك الأنصاري ذكر أن بسرك ورطبك يقع إلى منزله ، فيأكل هو وعياله ، فهل لك أن أعطيك نخلة في الجنة بدلها " ؟ فقال ; أبيع عاجلا بآجل لا أفعل . فذكروا أن عثمان بن عفان أعطاه حائطا من نخل بدل نخلته ففيه نزلت قد أفلح من تزكى . ونزلت في المنافق ويتجنبها الأشقى . وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - .الثانية ; قد ذكرنا القول في زكاة الفطر في سورة ( البقرة ) مستوفى . وقد تقدم أن هذه السورة مكية في قول الجمهور ، ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر . القشيري ; ولا يبعد أن يكون أثنى على من يمتثل أمره في صدقة الفطر وصلاة العيد ، فيما يأمر به في المستقبل .
القول في تأويل قوله تعالى ; قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)يقول تعالى ذكره; قد نجح وأدرك طلبته من تطهَّر من الكفر ومعاصي الله، وعمل بما أمره الله به، فأدّى فرائضه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) يقول; مَنْ تَزَكَّى من الشرك .حدثنا محمد بن المثنى، قال; ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال; ثنا هشام، عن الحسن، في قوله; ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) قال; من كان عمله زاكيًا .حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) قال; يعمل وَرِعًا .حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال; ثنا حفص بن عُمر العَدَنيّ، عن الحكم، عن عكرِمة، في قوله; ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) من قال; لا إله إلا الله .وقال آخرون; بل معنى ذلك; قد أفلح من أدّى زكاة ماله.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن عليّ بن الأقمر، عن أبي الأحوص ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) قال; من استطاع أن يرضَخَ فليفعل، ثم ليقم فليصلّ .حدثنا محمد بن عمارة الرازي، قال; ثنا أبو نعيم، قال; ثنا سفيان، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) قال; من رَضَخَ (5) .حدثنا محمد بن عمارة، قال; ثنا عثمان بن سعيد بن مرَّة، قال; ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، قال; إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة، فليقدّم بين يدي صلاته زكاته، فإن الله يقول; ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) فمن استطاع أن يقدّم بين يدي صلاته زكاةً فليفعل .حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) تزكى رجل من ماله، وأرضى خالقه .وقال آخرون; بل عُنِي بذلك زكاة الفطر.* ذكر من قال ذلك;حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال; ثنا مروان بن معاوية، عن أبي خلدة، قال; دخلت على أبي العالية، فقال لي; إذا غَدَوت غدًا إلى العيد فمرّ بي، قال; فمررت به، فقال; هل طَعِمت شيئا ؟ قلت; نعم، قال; أَفَضْت على نفسك من الماء؟ قلت; نعم، قال; فأخبرني ما فعلت بزكاتك؟ قلت; قد وجَّهتها، قال; إنما أردتك لهذا، ثم قرأ; (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) وقال; إن أهل المدينة لا يَرَونَ صدقة أفضل منها ومن سِقَاية الماء .----------------الهوامش ;(5) يقال ; رضخ له بشيء من ماله ; إذا أعطاه شيئا يسيرا .
{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } أي: قد فاز وربح من طهر نفسه ونقاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق.
(قد) حرف تحقيق
(من) موصول في محلّ رفع فاعلـ (الواو) عاطفة وكذلك
(الفاء) .
جملة: «أفلح من تزكّى ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «تزكّى ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة: «ذكر ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: «صلّى ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة ذكر.