الرسم العثمانيوَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا ۖ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ۗ وَسَيَعْلَمُ الْكُفّٰرُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ
الـرسـم الإمـلائـيوَقَدۡ مَكَرَ الَّذِيۡنَ مِنۡ قَبۡلِهِمۡ فَلِلّٰهِ الۡمَكۡرُ جَمِيۡعًاؕ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍؕ وَسَيَـعۡلَمُ الۡـكُفّٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى الدَّارِ
تفسير ميسر:
ولقد دبَّر الذين من قبلهم المكايد لرسلهم، كما فعل هؤلاء معك، فلله المكر جميعًا، فيبطل مكرهم، ويعيده عليهم بالخيبة والندم، يعلم سبحانه ما تكسب كل نفس من خير أو شر فتجازى عليه. وسيعلم الكفار -إذا قدموا على ربهم- لمن تكون العاقبة المحمودة بعد هذه الدنيا؟ إنها لأتباع الرسل. وفي هذا تهديد ووعيد للكافرين.
يقول تعالى " وقد مكر الذين من قبلهم " برسلهم وأرادوا إخراجهم من بلادهم فمكر الله بهم وجعل العاقبة للمتقين كقوله " وقد يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " وقوله تعالى " ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا " الآيتين وقوله " يعلم ما تكسب كل نفس " أي أنه تعالى عالم بجميع السرائر والضمائر وسيجزي كل عامل بعمله " وسيعلم الكافر " والقراءة الأخرى الكفار " لمن عقبى الدار " لمن تكون الدائرة والعاقبة لهم أو لأتباع الرسل ؟ كلا; بل هي لأتباع الرسل في الدنيا والآخرة ولله الحمد والمنة.
قوله ; وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدارقوله تعالى ; وقد مكر الذين من قبلهم أي من قبل مشركي مكة ، مكروا بالرسل وكادوا لهم وكفروا بهم .فلله المكر جميعا أي هو مخلوق له مكر الماكرين ، فلا يضر إلا بإذنه . وقيل ; فلله خير المكر ; أي يجازيهم به .يعلم ما تكسب كل نفس من خير وشر ، [ ص; 293 ] فيجازي عليه .وسيعلم الكافر كذا قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو . الباقون ; " الكفار " على الجمع . وقيل ; عني به أبو جهل .لمن عقبى الدار أي عاقبة دار الدنيا ثوابا وعقابا ، أو لمن الثواب والعقاب في الدار الآخرة ; وهذا تهديد ووعيد .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; قد مكر الذين من قَبْل هؤلاء المشركين من قُرَيشٍ من الأمم التي سلفت بأنبياء الله ورُسله (فلله المكر جميعًا) ، يقول; فلله أسبابُ المكر جميعًا, وبيده وإليه, لا يضرُّ مكرُ من مَكَر منهم أحدًا إلا من أراد ضرَّه به, يقول; فلم يضرَّ الماكرون بمكرهم إلا من شاء الله أن يضرَّه ذلك, وإنما ضرُّوا به أنفسهم لأنهم أسخطوا ربَّهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم, ونجَّى رُسُلَه; يقول; فكذلك هؤلاء المشركون من قريش يمكرون بك، يا محمد, والله منَجّيك من مكرهم, ومُلْحِقٌ ضُرَّ مكرهم بهم دونك . (66)وقوله; (يعلم ما تكسب كلّ نفس) ، يقول; يعلم ربك، يا محمد ما يعمل هؤلاء المشركون من قومك، وما يسعون فيه من المكر بك, ويعلم جميعَ أعمال الخلق كلهم, لا يخفى عليه شيء منها (67) (وسيعلَم الكفار لمن عقبى الدار) ، يقول; وسيعلمون إذا قَدموا على ربهم يوم القيامة لمن عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار, ويدخلُ المؤمنون بالله ورسوله الجَنَّة. (68)* * *قال أبو جعفر; واختلفت القرأة في قراءة ذلك;فقرأته قرأة المدينة وبعضُ البَصْرة; " وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُ" على التوحيد . (69)* * *وأما قرأة الكوفة فإنهم قرءوه; (وَسَيَعْلَمُ الكُفَّار) ، على الجمع .* * *قال أبو جعفر; والصوابُ من القراءة في ذلك، القراءةُ على الجميع; ( وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ ) لأن الخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم, وأتبع بعَده الخبر عنهم, وذلك قوله; وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ وبعده قوله; وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا . وقد ذُكر أنها في قراءة ابن مسعود; " وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُونَ", وفى قراءة أبيّ; ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وذلك كله دليلٌ على صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك .------------------------الهوامش;(66) انظر تفسير" المكر" فيما سلف ; 466 ، تعليق ; 3 ،والمراجع هناك .(67) انظر تفسير" الكسب" فيما سلف من فهارس اللغة .(68) انظر تفسير" العقبى" فيما سلف قريبًا ; 472 ، تعليق ; 5 ، والمراجع هناك .(69) في المطبوعة ;" بعض أهل البصرة" ، زاد في الكلام ما يستقيم بإسقاطه وبإثباته .
يقول تعالى: { وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } برسلهم وبالحق الذي جاءت به الرسل، فلم يغن عنهم مكرهم ولم يصنعوا شيئا فإنهم يحاربون الله ويبارزونه، { فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا } أي: لا يقدر أحد أن يمكر مكرا إلا بإذنه، وتحت قضائه وقدره، فإذا كانوا يمكرون بدينه فإن مكرهم سيعود عليهم بالخيبة والندم، فإن الله { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } أي: هومها وإراداتها وأعمالها الظاهرة والباطنة. والمكر لا بد أن يكون من كسبها فلا يخفى على الله مكرهم، فيمتنع أن يمكروا مكرا يضر الحق وأهله ويفيدهم شيئا، { وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ } أي: ألهم أو لرسله؟ ومن المعلوم أن العاقبة للمتقين لا للكفر وأعماله.
(الواو) استئنافيّة
(قد) حرف تحقيق
(مكر) فعل ماض
(الذين) موصول في محلّ رفع فاعلـ (من قبلهم) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف صلة الموصول ... و (هم) مضاف إليه
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(لله) جارّ ومجرور متعلّق بخبر مقدّم
(المكر) مبتدأ مرفوع
(جميعا) حال منصوبة
(يعلم) مضارع مرفوع، والفاعل هو (ما) حرف مصدريّ
(تكسب) مثل يعلم
(كلّ) فاعل مرفوع
(نفس) مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة
(السين) حرف استقبالـ (يعلم) مثل الأولـ (الكفّار) فاعل مرفوع
(اللام) حرف جرّ
(من) اسم استفهام مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(عقبى) مبتدأ مؤخّر مرفوع، وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف
(الدار) مضاف إليه مجرور.
جملة: «مكر الذين ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لله المكر ... » في محلّ جواب شرط مقدّر أي إن يمكروا فلله المكر .
وجملة: «يعلم ... » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «تكسب كلّ ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ.
والمصدر المؤوّلـ (ما تكسب ... ) في محلّ نصب مفعول به.
وجملة: «سيعلم الكفّار ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة قد مكر الذين ...وجملة: «لمن عقبى الدار ... » في محلّ نصب مفعول به لفعل العلم المعلّق بالاستفهام
(من) .
- القرآن الكريم - الرعد١٣ :٤٢
Ar-Ra'd13:42