الرسم العثمانيوَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِمْ ۚ فَسْـَٔلُوٓا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَمَاۤ اَرۡسَلۡنَا مِنۡ قَبۡلِكَ اِلَّا رِجَالًا نُّوۡحِىۡۤ اِلَيۡهِمۡ فَسۡـــَٔلُوۡۤا اَهۡلَ الذِّكۡرِ اِنۡ كُنۡتُمۡ لَا تَعۡلَمُوۡنَۙ
تفسير ميسر:
وما أرسلنا في السابقين قبلك -أيها الرسول- إلا رسلا من الرجال لا من الملائكة، نوحي إليهم، وإن كنتم -يا مشركي قريش- لا تصدقون بذلك فاسألوا أهل الكتب السابقة، يخبروكم أن الأنبياء كانوا بشرًا، إن كنتم لا تعلمون أنهم بشر. والآية عامة في كل مسألة من مسائل الدين، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها أن يسأل من يعلمها من العلماء الراسخين في العلم.
قال الضحاك عن ابن عباس لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم وقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فأنزل الله "أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس" الآية وقال "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" يعني أهل الكتب الماضية أبشرا كانت الرسل إليهم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا. قال تعالى "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى" ليسوا من أهل السماء كما قلتم وكذا روي عن مجاهد عن ابن عباس أن المراد بأهل الذكر أهل الكتاب وقاله مجاهد والأعمش وقول عبدالرحمن بن زيد الذكر القرآن واستشهد بقوله "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" صحيح لكن ليس هو المراد ههنا لأن المخالف لا يرجع في إثباته بعد إنكاره إليه وكذا قول أبي جعفر الباقر نحن أهل الذكر ومراده أن هذه الأمة أهل الذكر صحيح فإن هذه الأمة أعلم من جميع الأمم السالفة. وعلماء أهل بيت رسول الله عليهم السلام والرحمة من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة كعلي وابن عباس وابني علي الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية وعلي بن الحسين زين العابدين وعلي بن عبدالله بن عباس وأبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين وجعفر ابنه وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ممن هو متمسك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم وعرف لكل ذي حق حقه ونزل كل المنزل الذي أعطاه الله ورسوله واجتمعت عليه قلوب عباده المؤمنين والغرض أن هذه الآية الكريمة أخبرت بأن الرسل الماضين قبل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا بشرا كما هو بشر كما قال تعالى "قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا" وقال تعالى "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق" وقال تعالى "وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين" وقال "قل ما كنت بدعا من الرسل" وقال تعالى "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي" ثم أرشد الله تعالى من شك في كون الرسل كانوا بشرا إلى سؤال أصحاب الكتب المتقدمة عن الأنبياء الذين سلفوا هل كان أنبياؤهم بشرا أو ملائكة.
قوله ; وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمونقوله تعالى ; وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم قراءة العامة " يوحى " بالياء وفتح الحاء . وقرأ حفص عن عاصم نوحي إليهم بنون العظمة وكسر الحاء . نزلت في مشركي مكة حيث أنكروا نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقالوا ; الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فهلا بعث إلينا ملكا ; فرد الله - تعالى - عليهم بقوله ; وما أرسلنا من قبلك إلى الأمم الماضية يا محمد إلا رجالا آدميين .فاسألوا أهل الذكر قال سفيان ; يعني مؤمني أهل الكتاب . وقيل ; المعنى فاسألوا أهل [ ص; 98 ] الكتاب فإن لم يؤمنوا فهم معترفون بأن الرسل كانوا من البشر . روي معناه عن ابن عباس ومجاهد . وقال ابن عباس ; أهل الذكر أهل القرآن . وقيل ; أهل العلم ، والمعنى متقارب .إن كنتم لا تعلمون يخبرونكم أن جميع الأنبياء كانوا بشرا .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلى أمة من الأمم، للدعاء إلى توحيدنا ، والانتهاء إلى أمرنا ونهينا، إلا رجالا من بني آدم نوحي إليهم وحينا لا ملائكة، يقول; فلم نرسل إلى قومك إلا مثل الذي كنا نرسل إلى من قَبلهم من الأمم من جنسهم وعلى منهاجهم ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) يقول لمشركي قريش; وإن كنتم لا تعلمون أن الذين كنا نرسل إلى من قبلكم من الأمم رجال من بني آدم مثل محمد صلى الله عليه وسلم وقلتم; هم ملائكة; أي ظننتم أن الله كلمهم قبلا فاسألوا أهل الذكر ، وهم الذين قد قرءوا الكتب من قبلهم; التوراة والإنجيل، وغير ذلك من كتب الله التي أنـزلها على عباده.وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا المحاربي، عن ليث، عن مجاهد ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) قال; أهل التوراة.حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا المحاربي، عن سفيان، قال; سألت الأعمش، عن قوله ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) قال; سمعنا أنه من أسلم من أهل التوراة والإنجيل.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) قال; هم أهل الكتاب.حدثنا أبو كريب، قال; ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) قال; قال لمشركي قريش; إن محمدا في التوراة والإنجيل.حدثنا أبو كريب، قال; ثنا عثمان بن سعيد، قال; ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال; لما بعث الله محمدا رسولا أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، وقالوا; الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد ، قال; فأنـزل الله أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ وقال; وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ فاسألوا أهل الذكر; يعني أهل الكتب الماضية، أبشرا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم ، وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد رسولا قال; ثم قال وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم.وقال آخرون في ذلك ما حدثنا به ابن وكيع، قال; ثنا ابن يمان، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) قال; نحن أهل الذكر.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) قال; الذكر; القرآن ، وقرأ إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ وقرأ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ... الآية.
تفسير الآيتين 43 و44 :ـ يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا ْ} أي: لست ببدع من الرسل، فلم نرسل قبلك ملائكة بل رجالا كاملين لا نساء. { نُوحِي إِلَيْهِمْ ْ} من الشرائع والأحكام ما هو من فضله وإحسانه على العبيد من غير أن يأتوا بشيء من قبل أنفسهم، { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ْ} أي: الكتب السابقة { إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ْ} نبأ الأولين، وشككتم هل بعث الله رجالا؟ فاسألوا أهل العلم بذلك الذين نزلت عليهم الزبر والبينات فعلموها وفهموها، فإنهم كلهم قد تقرر عندهم أن الله ما بعث إلا رجالا يوحي إليهم من أهل القرى، وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل. فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال. وأفضل أهل الذكر أهل هذا القرآن العظيم، فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم، ولهذا قال تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ْ} أي: القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج إليه العباد من أمور دينهم ودنياهم الظاهرة والباطنة، { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ْ} وهذا شامل لتبيين ألفاظه وتبيين معانيه، { وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ْ} فيه فيستخرجون من كنوزه وعلومه بحسب استعدادهم وإقبالهم عليه.
(الواو) استئنافيّة
(ما) نافية
(أرسلنا) فعل ماض وفاعله
(من قبلك) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أرسلنا) .. و (الكاف) ضمير مضاف إليه
(إلّا) أداة حصر
(رجالا) مفعول به منصوبـ (نوحي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء.. والفاعل نحن للتعظيم
(إلى) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (نوحي) ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(اسألوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. و (الواو) فاعلـ (أهل) مفعول به منصوبـ (الذّكر) مضاف إليه مجرور
(إن) حرف شرط جازم
(كنتم) فعل ماض ناقص مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط.. و (تم) ضمير اسم كان
(لا) نافية
(تعلمون) مضارع مرفوع.. و (الواو) فاعل. جملة: «أرسلنا..» لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: «نوحي ... » في محلّ نصب نعت لـ (رجالا) . وجملة: «اسألوا ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن كنتم لا تعلمون إرسالنا الرجال أنبياء فاسألوا ... وجملة: «إن كنتم لا تعلمون» لا محلّ لها اعتراضيّة بين الجارّ- بالبيّنات- ومتعلّقة. وجملة: «لا تعلمون» في محلّ نصب خبر كنتم.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله .
- القرآن الكريم - النحل١٦ :٤٣
An-Nahl16:43