أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا
اَفَاَمِنۡتُمۡ اَنۡ يَّخۡسِفَ بِكُمۡ جَانِبَ الۡبَرِّ اَوۡ يُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوۡالَـكُمۡ وَكِيۡلًا
تفسير ميسر:
أغَفَلْتم -أيها الناس- عن عذاب الله، فأمنتم أن تنهار بكم الأرض خسفًا، أو يُمْطركم الله بحجارة من السماء فتقتلكم، ثم لا تجدوا أحدًا يحفظكم مِن عذابه؟
يقول تعالى أفحسبتم بخروجكم إلى البر أمنتم من انتقامه وعذابه أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا وهو المطر الذي فيه حجارة قاله مجاهد وغير واحد كما قال تعالى "إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر نعمة من عندنا" وقد قال في الآية الأخرى "وأمطرنا عليهم حجارة من طين" وقال "أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير" وقوله "ثم لا تجدوا لكم وكيلا" أي ناصرا يرد ذلك عنكم وينقذكم منه.
قوله تعالى ; أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا قوله تعالى ; أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر بين أنه قادر على هلاكهم في البر وإن سلموا من البحر . والخسف ; أن تنهار الأرض بالشيء ; يقال ; بئر خسيف إذا انهدم أصلها . وعين خاسف أي غارت حدقتها في الرأس . وعين من الماء خاسفة أي غار ماؤها . وخسفت الشمس أي غابت عن الأرض . وقال أبو عمرو ; والخسيف البئر التي تحفر في الحجارة فلا ينقطع ماؤها كثرة . والجمع خسف . وجانب البر ; ناحية الأرض ; وسماه جانبا لأنه يصير بعد الخسف جانبا . وأيضا فإن البحر جانب والبر جانب . وقيل ; إنهم كانوا على ساحل البحر ، وساحله جانب البر ، وكانوا فيه آمنين من أهوال البحر ، فحذرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر .أو يرسل عليكم حاصبا يعني ريحا شديدة ، وهي التي ترمي بالحصباء ، وهي الحصى الصغار ; قاله أبو عبيدة والقتبي . وقال قتادة ; يعني حجارة من السماء تحصبهم ، كما فعل بقوم لوط . ويقال للسحابة التي ترمي بالبرد ; حاصب ، وللريح التي تحمل التراب والحصباء حاصب وحصبة أيضا . قال لبيد ;جرت عليها أن خوت من أهلها أذيالها كل عصوف حصبهوقال الفرزدق ;مستقبلين شمال الشام يضربنا بحاصب كنديف القطن منثورثم لا تجدوا لكم وكيلا أي حافظا ونصيرا يمنعكم من بأس الله .
يقول تعالى ذكره (أَفَأَمِنْتُمْ) أيها الناس من ربكم، وقد كفرتم نعمته بتنجيته إياكم من هول ما كنتم فيه في البحر، وعظيم ما كنتم قد أشرفتم عليه من الهلاك، فلما نجاكم وصرتم إلى البرّ كفرتم، وأشركتم في عبادته غيره ( أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ ) يعني ناحية البر ( أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) يقول; أو يمطركم حجارة من السماء تقتلكم، كما فعل بقوم لوط ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا ) يقول; ثم لا تجدوا لكم ما يقوم بالمدافعة عنكم من عذابه وما يمنعكم منه.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد ، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) يقول; حجارة من السماء ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا ) أي منعة ولا ناصرا.حدثنا القاسم، قال ; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله ( أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) قال; مطر الحجارة إذا خرجتم من البحر.وكان بعض أهل العربية يوجه تأويل قوله ( أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) إلى; أو يرسل عليكم ريحا عاصفا تحصب، ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر;مُسْــتَقْبِلِينَ شَـمالَ الشَّـامِ تَضْرِبُنَـابِحــاصِبٍ كنَـدِيفِ القُطْـنِ مَنْثُـورِ (1)وأصل الحاصب; الريح تحصب بالحصباء؛ الأرض فيها الرمل والحصى الصغار. يقال في الكلام; حصب فلان فلانا; إذا رماه بالحصباء، وإنما وُصفت الريح بأنها تحصب لرميها الناس بذلك، كما قال الأخطل;ولَقَـدْ عَلمْـتُ إذَا العِشـارُ تَرَوَّحَـتْهــدْجَ الرّئــالِ تَكــبُّهُنَّ شَـمالاتَـرْمي العضَـاهُ بِحـاصِبٍ مِنْ ثَلْجهاحـتى يَبِيـتُ عَـلى العِضَـاهِ جِفـالا (2)-----------------------الهوامش ;(1) البيت للفرزدق من قصيدة يمدح بها يزيد بن عبد الملك، ويهجو يزيد بن المهلب، (ديوانه طبعة الصاوي 262-267). استشهد به المؤلف على أن الحاصب; الريح التي تحمل الحصباء وهي صغار الحصى، والبيت شاهد على أن الحاصب مطر الحجارة، وأن أصل الحاصب الريح تحصب بالحصباء، والحصباء الأرض فيها الرمل والحصى الصغار، كما أوضحه المؤلف.(2) البيتان للأخطل (ديوانه طبع بيروت سنة 1891) من قصيدة يهجوا بها جريرا، ويفتخر على قيس.والعشار; جمع عشراء من الإبل، وهي التي قد أتى عليها عشرة أشهر وهي حامل. وتروحت; أي ذهبت في الرواح وهو المشي إلى حظائرها. والرئال; جمع رأل، وهو ولد النعامة. والهدج; عدو متقارب. وتكبهن; تسقطهن، يريد تكبهن الريح وهي هابة شمالا. والحاصب; ما تناثر من دقاق الثلج. والضمير في ترمي; راجع إلى ريح الشمال. والعضاه; كل شجر له شوك، أو كل شجرة واسعة الظل، كثيرة الأفنان، واحدته; عضة. والجفال; ما تراكم من الثلج وتراكب. وهذا الشاهد في معنى الذي قبله.
{ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } أي: فهو على كل شيء قدير إن شاء أنزل عليكم عذابا من أسفل منكم بالخسف أو من فوقكم بالحاصب وهو العذاب الذي يحصبهم فيصبحوا هالكين، فلا تظنوا أن الهلاك لا يكون إلا في البحر.
(الهمزة) للاستفهام التوبيخيّ
(الفاء) استئنافيّة ،
(أمنتم) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و (تم) ضمير فاعلـ (أن) حرف مصدريّ ونصبـ (يخسف) مضارع منصوب، والفاعل هو (الباء) حرف جر و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بحال من جانب البرّ ،
(جانب) مفعول به منصوب ،
(البرّ) مضاف إليه مجرور والمصدر المؤوّلـ (أن يخسف..) في محلّ نصب مفعول به
(الواو) عاطفة
(يرسل عليكم حاصبا) مثل يخسف بكم جانب ومعطوف عليه
(ثمّ) حرف عطف
(لا) نافية
(تجدوا) مضارع منصوب معطوف على
(يرسل) المنصوب، وعلامة النصب حذف النون.. و (الواو) فاعلـ (لكم) مثل بكم متعلّق بمحذوف مفعول به ثان
(وكيلا) مفعول أوّل منصوب.
جملة: «أمنتم ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «يخسف ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) وجملة: «يرسل ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يخسف وجملة: «تجدوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يرسل 69-
(أم) هي المنقطعة بمعنى بل والهمزة
(أمنتم أن يعيدكم) مثل أمنتم أن يخسف.. و (كم) ضمير مفعول به،
(في) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يعيدكم) ،
(تارة) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو مرادفه
(أخرى) نعت لتارة منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف.والمصدر المؤوّلـ (أن يعيدكم..) في محلّ نصب مفعول به
(الفاء) عاطفة
(يرسل عليكم قاصفا) مثل يرسل عليكم حاصبا، والفعل معطوف على
(يعيدكم) ،
(من الريح) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لـ (قاصفا) ،
(الفاء) عاطفة
(يغرقكم) مضارع منصوب معطوف على يرسل..
و (كم) ضمير مفعول به والفاعل هو (الباء) حرف جرّ سببيّة
(ما) حرف مصدريّ
(كفرتم) مثل أمنتم.
والمصدر المؤوّلـ (ما كفرتم..) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بـ (يغرقكم)
(ثمّ لا تجدوا لكم ... تبيعا) مثل ثمّ لا تجدوا لكم وكيلا، والفعل معطوف على يغرقكم
(على) حرف جرّ و (نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (تبيعا) ،
(به) مثل بكم متعلّق بـ (تجدوا) .
وجملة: «أمنتم
(الثانية) ... » لا محلّ لها استئنافيّة ، وجملة: «يعيدكم ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) وجملة: «يرسل ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة نعيدكم وجملة: «يغرقكم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يرسل وجملة: «كفرتم ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) وجملة: «لا تجدوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يغرقكم