وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُۥ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا
وَاِنۡ كَادُوۡا لَيَـفۡتِنُوۡنَكَ عَنِ الَّذِىۡۤ اَوۡحَيۡنَاۤ اِلَيۡكَ لِتَفۡتَرِىَ عَلَيۡنَا غَيۡرَهٗ ۖ وَاِذًا لَّاتَّخَذُوۡكَ خَلِيۡلًا
تفسير ميسر:
ولقد قارب المشركون أن يصرفوك -أيها الرسول- عن القرآن الذي أنزله الله إليك؛ لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك، ولو فعلت ما أرادوه لاتخذوك حبيبًا خالصًا.
يخبر تعالى عن تأييده رسوله صلوات الله عليه وسلامه وتثبيته وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره ومظهر دينه على من عاداه وخالفه وناوأه في مشارق الأرض ومغاربها صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
قوله تعالى ; وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا قال سعيد بن جبير ; كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلم الحجر الأسود في طوافه ، فمنعته قريش وقالوا ; لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا . فحدث نفسه وقال ; ما علي أن ألم بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر والله يعلم أني لها كاره فأبى الله - تعالى - ذلك وأنزل عليه هذه الآية ; قاله مجاهد وقتادة . وقال ابن عباس في رواية عطاء ; نزلت في وفد ثقيف ، أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه شططا وقالوا ; متعنا بآلهتنا سنة حتى نأخذ ما يهدى لها ، فإذا أخذناه كسرناها وأسلمنا ، وحرم وادينا كما حرمت مكة ، حتى تعرف العرب فضلنا عليهم ; فهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيهم ذلك فنزلت هذه الآية . وقيل ; هو قول أكابر قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - ; اطرد عنا هؤلاء السقاط والموالي حتى [ ص; 269 ] نجلس معك ونسمع منك ; فهم بذلك حتى نهي عنه . وقال قتادة ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ، ويسودونه ويقاربونه ; فقالوا ; إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس ، وأنت سيدنا يا سيدنا ; وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون ، ثم عصمه الله من ذلك ، وأنزل الله - تعالى - هذه الآية . ومعنى ليفتنونك أي يزيلونك . يقال ; فتنت الرجل عن رأيه إذا أزلته عما كان عليه ; قاله الهروي . وقيل يصرفونك ، والمعنى واحد .عن الذي أوحينا إليك أي حكم القرآن ; لأن في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن .لتفتري علينا غيره أي لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك ، وهو قول ثقيف ; وحرم وادينا كما حرمت مكة ، شجرها وطيرها ووحشها ، فإن سألتك العرب لم خصصتهم فقل الله أمرني بذلك حتى يكون عذرا لك .وإذا لاتخذوك خليلا أي لو فعلت ما أرادوا لاتخذوك خليلا ، أي والوك وصافوك ; مأخوذ من الخلة ( بالضم ) وهي الصداقة لممايلته لهم . وقيل ; لاتخذوك خليلا أي فقيرا . مأخوذ من الخلة ( بفتح الخاء ) وهي الفقر لحاجته إليهم .
اختلف أهل التأويل في الفتنة التي كاد المشركون أن يفتنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بها عن الذي أوحى الله إليه إلى غيره، فقال بعضهم; ذلك الإلمام بالآلهة، لأن المشركين دعوه إلى ذلك، فهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا يعقوب القُمِّي، عن جعفر، عن سعيد، قال; كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود، فمنعته قريش، وقالوا; لا ندَعُه حتى يلم بآلهتنا، فحدّث نفسه، وقال; ما عَلَيَّ أنْ أُلِمَّ بِها بَعْدَ أنْ يَدَعُونِي أسْتَلِمُ الحَجَرَ، وَالله يَعْلَمُ أنّي لَهَا كارهٌ، فَأَبى الله، فَأَنـزلَ الله ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ) الآية.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسوّدونه ويقاربونه، وكان في قولهم أن قالوا; إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس، وأنت سيدنا وابن سيدنا، فما زالوا يكلِّمونه حتى كاد أن يقارفهم (4) ثم منعه الله وعصمه من ذلك، فقال وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا .حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال; ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ) قال; أطافوا به ليلة، فقالوا; أنت سيدنا وابن سيدنا، فأرادوه على بعض ما يريدون فهم أن يقارفهم (5) في بعض ما يريدون، ثم عصمه الله، فذلك قوله لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا الذي أرادوا فهم أن يقارفهم فيه.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسن، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال; قالوا له; ائت آلهتنا فامْسَسْها، فذلك قوله شَيْئًا قَلِيلا .وقال آخرون; إنما كان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أن ينظر قوما بإسلامهم إلى مدة سألوه الإنظار إليها.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا ) وذلك أن ثقيفا كانوا قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم; يا رسول الله أجِّلنا سنة حتى يُهْدَى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يُهْدى لآلهتنا أخذناه، ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم، وأن يؤجِّلهم، فقال الله وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا .والصواب من القول في ذلك أن يقال; إن الله تعالى ذكره أخبر عن نبيّه صلى الله عليه وسلم، أن المشركين كادوا أن يفتنوه عما أوحاه الله إليه ليعمل بغيره، وذلك هو الافتراء على الله، وجائز أن يكون ذلك كان ما ذكر عنهم من ذكر أنهم دعوه أن يمسّ آلهتهم، ويلمّ بها، وجائز أن يكون كان ذلك ما ذُكر عن ابن عباس من أمر ثقيف، ومسألتهم إياه ما سألوه مما ذكرنا، وجائز أن يكون غير ذلك، ولا بيان في الكتاب ولا في خبر يقطع العذر أيّ ذلك كان، والاختلاف فيه موجود على ما ذكرنا ، فلا شيء فيه أصوب من الإيمان بظاهره، حتى يأتي خبر يجب التسليم له ببيان ما عُني بذلك منه.وقوله ( وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا ) يقول تعالى ذكره; ولو فعلت ما دَعَوْك إليه من الفتنة عن الذي أوحينا إليك لاتخذوك إذا لأنفسهم خليلا وكنت لهم وكانوا لك أولياء.--------------------------الهوامش ;(4) يقارفهم; يقاربهم ويدانيهم (اللسان).(5) يقارفهم; يقاربهم ويدانيهم (اللسان).
يذكر تعالى منته على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق، فقال: { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا } أي: قد كادوا لك أمرًا لم يدركوه، وتحيلوا لك، على أن تفتري على الله غير الذي أنزلنا إليك، فتجيء بما يوافق أهواءهم، وتدع ما أنزل الله إليك. { وَإِذَا } لو فعلت ما يهوون { لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا } أي حبيبًا صفيًا، أعز عليهم من أحبابهم، لما جبلك الله عليه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، المحببة للقريب والبعيد، والصديق والعدو. ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك وينابذوك العداوة، إلا للحق الذي جئت به لا لذاتك، كما قال الله تعالى { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }
(الواو) استئنافيّة
(إن) مخفّفة من الثقيلة مهملة وجوبا
(كادوا) فعل ماض ناقص مبنيّ على الضمّ.. و (الواو) اسم كاد
(اللام) هي الفارقة
(يفتنون) مضارع مرفوع.. و (الواو) فاعل و (الكاف) ضمير مفعول به
(عن) حرف جرّ
(الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (يفتنون) بتضمينه معنى يصرفونك
(أوحينا) فعل ماض وفاعله
(إلى) حرف جرّ و (الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (أوحينا) ،
(اللام) للتعليلـ (تفتري) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والفاعل أنت
(على) حرف جرّ و (نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (تفتري) ،
(غيره) مفعول به منصوب، و (الهاء) مضاف إليه..
والمصدر المؤوّلـ (أن تفتري..) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (يفتنونك) .
(الواو) عاطفة
(إذاً) - بالتنوين- حرف جواب لا عمل له
(اللام) واقعةفي جواب شرط مقدّر
(اتّخذوك) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. و (الواو) فاعل، و (الكاف) مثل الأول في الآية
(خليلا) مفعول به ثان منصوب.
جملة: «كادوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يفتنونك ... » في محلّ نصب خبر كادوا.
وجملة: «أوحينا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «تفتري ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «اتّخذوك ... » لا محلّ لها جواب شرط مقدّر أي لو فعلت ذلك لاتّخذوك خليلا، وجملة الشرط لا محلّ لها معطوفة على استئنافيّة.
74-
(الواو) عاطفة
(لولا) حرف شرط غير جازم
(أن) حرف مصدريّ
(ثبّتناك) مثل أوحينا.. و (الكاف) ضمير مفعول به
(اللام) واقعة في جواب لولا
(قد) حرف توقّع- أو تقليل-
(كدت) فعل ماض ناقص.. و (التاء) ضمير في محلّ رفع اسم كاد
(تركن) مضارع مرفوع، والفاعل أنت
(إليهم) مثل إليك متعلّق بـ (تركن) ،
(شيئا) مفعول مطلق نائب عن المصدر منصوبـ (قليلا) نعت لـ (شيئا) منصوب..
والمصدر المؤوّلـ (أن ثبّتناك..) في محلّ رفع مبتدأ، والخبر محذوف وجوبا تقديره موجود.
وجملة: «لولا تثبيتنا إيّاك بالعصمة ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة كادوا.
وجملة: «ثبّتناك ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .وجملة: «كدت تركن ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «تركن ... » في محلّ نصب خبر كدت.
75-
(إذا لأذقناك) مثل إذا لاتّخذوك
(ضعف) مفعول به ثان منصوبـ (الحياة) مضاف إليه مجرور وفي الكلام حذف مضاف أي: ضعف عذاب الحياة
(الواو) عاطفة
(ضعف الممات) مثل ضعف الحياة ومعطوف عليه
(ثمّ) حرف عطف
(لا) نافية
(تجد) مضارع مرفوع، والفاعل أنت
(اللام) حرف جرّ و (الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول ثان
(على) حرف جرّ و (نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (نصيرا) وهو مفعول به أوّل منصوب.
وجملة: «أذقناك ... » لا محلّ لها جواب شرط مقدّر أي: لو فعلت- أو ركنت- لأذقناك..
وجملة: «لا تجد ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة أذقناك.
76-
(الواو) عاطفة
(إن كادوا ليستفزّونك من الأرض) مثل إن كادوا ليفتنونك عن الذي..
(اللام) للتعليلـ (يخرجوك) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة النصب حذف النون.. و (الواو) فاعل، و (الكاف) مفعول به
(من) حرف جرّ و (ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يخرجوك) ..
والمصدر المؤوّلـ (أن يخرجوك..) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (يستفزّونك) .
(الواو) عاطفة
(إذاً) بالتنوين، مثل الأولـ (لا) نافية
(يلبثون) مثل يفتنون
(خلافك) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (يلبثون) ، و (الكاف) مضاف إليه
(إلّا) للحصر
(قليلا) نائب عن المصدر مفعول مطلق منصوب .وجملة: «إن كادوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة كادوا الأولى.
وجملة: «يستفزّونك ... » في محلّ نصب خبر كادوا.
وجملة: «يلبثون ... » لا محلّ لها جواب شرط مقدّر أي لو أخرجوك لا يلبثون ... وجملة الشرط المقدّرة لا محلّ لها معطوفة على جملة إن كادوا
(الثانية) .