الرسم العثمانيوَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا
الـرسـم الإمـلائـيوَ تَحۡسَبُهُمۡ اَيۡقَاظًا وَّهُمۡ رُقُوۡدٌ ۖ وَنُـقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ الۡيَمِيۡنِ وَ ذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلۡبُهُمۡ بَاسِطٌ ذِرَاعَيۡهِ بِالۡوَصِيۡدِ ؕ لَوِ اطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ لَوَلَّيۡتَ مِنۡهُمۡ فِرَارًا وَّلَمُلِئۡتَ مِنۡهُمۡ رُعۡبًا
تفسير ميسر:
وتظن -أيها الناظر- أهل الكهف أيقاظًا، وهم في الواقع نيام، ونتعهدهم بالرعاية، فنُقَلِّبهم حال نومهم مرة للجنب الأيمن ومرة للجنب الأيسر؛ لئلا تأكلهم الأرض، وكلبهم الذي صاحَبهم مادٌّ ذراعيه بفناء الكهف، لو عاينتهم لأدبرت عنهم هاربًا، ولَمُلِئَتْ نفسك منهم فزعًا.
ذكر بعض أهل العلم أنهم لما ضرب الله على آذانهم بالنوم لم تنطبق أعينهم لئلا يسرع إليها البلى فإذا بقيت ظاهرة للهواء كان أبقى لها ولهذا قال تعالى " وتحسبهم أيقاظا وهم رقود " وقد ذكر عن الذئب أنه ينام فيطبق عينًا ويفتح عينًا ثم يفتح هذه ويطبق هذه وهو راقد كما قال الشاعر; ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى الرزايا فهو يقظان نائم وقوله تعالى " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال " قال بعض السلف; يقلبون في العام مرتين قال ابن عباس; لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض وقوله " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد " قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة الوصيد الفناء وقال ابن عباس بالباب وقيل بالصعيد وهو التراب والصحيح أنه بالفناء وهو الباب ومنه قوله تعالى " إنها عليهم مؤصدة" أي مطبقة مغلقة ويقال وصيد وأصيد ربض كلبهم على الباب كما جرت به عادة الكلاب قال ابن جريج; يحرس عليهم الباب وهذا من سجيته وطبيعته حيث يربض ببابهم كأنه يحرسهم وكان جلوسه خارج الباب لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب كما ورد في الصحيح ولا صورة ولا جنب ولا كافر كما ورد به الحديث الحسن. وشملت كلبهم فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال وهذا فائدة صحبة الأخيار فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن وقد قيل إنه كان كلب صيد لأحدهم وهو الأشبه وقيل كلب طباخ الملك وقد كان وافقهم على الدين وصحبه كلبه فالله أعلم وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة همام ابن الوليد الدمشقي; حدثنا صدقة بن عمر الغساني حدثنا عباد المنقري سمعت الحسن البصري يقول; كان اسم كبش إبراهيم عليه الصلاة والسلام جرير واسم هدهد سليمان عليه السلام عنفز واسم كلب أصحاب الكهف قطمير واسم عجل بني إسرائيل الذي عبدوه بهموت.وهبط آدم عليه السلام بالهند وحواء بجدة وإبليس بدست بيسان والحية بأصفهان وقد تقدم عن شعيب الجبائي أنه سماه حمران واختلفوا في لونه على أقوال لا حاصل لها ولا طائل تحتها ولا دليل عليها ولا حاجة إليها بل هي مما ينهى عنه فإن مستندها رجم بالغيب وقوله تعالى " لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا " أي أنه تعالى ألقى عليهم المهابة بحيث لا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم لما ألبسوا من المهابة والذعر لئلا يدنو منهم أحد ولا تمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب أجله وتنقضي رقدتهم التي شاء تبارك وتعالى فهم لما له في ذلك من الحكمة والحجة البالغة والرحمة الواسعة.
وقال أهل التفسير ; كانت أعينهم مفتوحة وهم نائمون ; فكذلك كان الرائي يحسبهم أيقاظا . وقيل ; تحسبهم أيقاظا لكثرة تقلبهم كالمستيقظ في مضجعه . وأيقاظا جمع يقظ ويقظان ، وهو المنتبه .وهم رقود كقولهم ; وهم قوم ركوع وسجود وقعود فوصف الجمع بالمصدر .ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال قال ابن عباس ; لئلا تأكل الأرض لحومهم . قال أبو هريرة ; كان لهم في كل عام تقليبتان . وقيل ; في كل سنة مرة . وقال مجاهد ; في كل سبع سنين مرة . وقالت فرقة ; إنما قلبوا في التسع الأواخر ، وأما في الثلاثمائة فلا . وظاهر كلام المفسرين أن التقليب كان من فعل الله ، ويجوز أن يكون من ملك بأمر الله ، فيضاف إلى الله - تعالى - .قوله تعالى ; وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيدفيه أربع مسائل ;الأولى ; وكلبهم قال عمرو بن دينار ; إن مما أخذ على العقرب ألا تضر [ ص; 332 ] أحدا [ قال ] في ليله أو في نهاره ; صلى الله على نوح . وإن مما أخذ على الكلب ألا يضر من حمل عليه [ إذا قال ] ; وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد .أكثر المفسرين على أنه كلب حقيقة ، وكان لصيد أحدهم أو لزرعه أو غنمه ; على ما قال مقاتل . واختلف في لونه اختلافا كثيرا ، ذكره الثعلبي . تحصيله ; أي لون ذكرت أصبت ; حتى قيل لون الحجر وقيل لون السماء . واختلف أيضا في اسمه ; فعن علي ; ريان . ابن عباس ; قطمير . الأوزاعي ; مشير . عبد الله بن سلام ; بسيط . كعب ; صهيا . وهب ; نقيا . وقيل قطمير ; ذكره الثعلبي . وكان اقتناء الكلب جائزا في وقتهم ، كما هو عندنا اليوم جائز في شرعنا . وقال ابن عباس ; هربوا ليلا ، وكانوا سبعة فمروا براع معه كلب فاتبعهم على دينهم . وقال كعب ; مروا بكلب فنبح لهم فطردوه فعاد فطردوه مرارا ، فقام الكلب على رجليه ورفع يديه إلى السماء كهيئة الداعي ، فنطق فقال ; لا تخافوا مني أنا أحب أحباء الله - تعالى - فناموا حتى أحرسكم .الثانية ; ورد في الصحيح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان . وروى الصحيح أيضا عن أبي هريرة قال ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط . قال الزهري ; وذكر لابن عمر قول أبي هريرة فقال ; يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع . فقد دلت السنة الثابتة على اقتناء الكلب للصيد والزرع والماشية . وجعل النقص في أجر من اقتناها على غير ذلك من المنفعة ; إما لترويع الكلب المسلمين وتشويشه عليهم بنباحه ، أو لمنع دخول الملائكة البيت ، أو لنجاسته ، على ما يراه الشافعي ، أو لاقتحام النهي عن اتخاذ ما لا منفعة فيه ; والله أعلم . وقال في إحدى الروايتين قيراطان وفي الأخرى قيراط . وذلك يحتمل أن يكون في نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الآخر ، كالأسود [ ص; 333 ] الذي أمر - عليه السلام - بقتله ، ولم يدخله في الاستثناء حين نهى عن قتلها كما هو منصوص في حديث جابر ; أخرجه الصحيح . وقال ; عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان . ويحتمل أن يكون ذلك لاختلاف المواضع ، فيكون ممسكه بالمدينة مثلا أو بمكة ينقص قيراطان وبغيرها قيراط . وأما المباح اتخاذه فلا ينقص ; كالفرس والهرة . والله أعلم .الثالثة ; وكلب الماشية المباح اتخاذه عند مالك هو الذي يسرح معها ، لا الذي يحفظها في الدار من السراق . وكلب الزرع هو الذي يحفظها من الوحوش بالليل أو بالنهار لا من السراق . وقد أجاز غير مالك اتخاذها لسراق الماشية والزرع . وقد تقدم في " المائدة " من أحكام الكلاب ما فيه كفاية ، والحمد لله .الرابعة ; قال ابن عطية ; وحدثني أبي - رضي الله عنه - قال سمعت أبا الفضل الجوهري في جامع مصر يقول على منبر وعظه سنة تسع وستين وأربعمائة ; إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم ; كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله .قلت ; إذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله - تعالى - بذلك في كتابه جل وعلا فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين المحبين للأولياء والصالحين بل في هذا تسلية وأنس للمؤمنين المقصرين عن درجات الكمال ، المحبين للنبي - صلى الله عليه وسلم - وآله خير آل . روى الصحيح عن أنس بن مالك قال ; بينا أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارجان من المسجد فلقينا رجل عند سدة المسجد فقال ; يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; ما أعددت لها قال ; فكأن الرجل استكان ، ثم قال ; يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; " ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ، ولكني أحب الله ورسوله . قال ; فأنت مع من أحببت . في رواية قال أنس بن مالك ; فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فأنت مع من أحببت . قال أنس ; فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر ، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم .قلت ; وهذا الذي تمسك به أنس يشمل من المسلمين كل ذي نفس ، فكذلك تعلقت أطماعنا بذلك وإن كنا مقصرين ، ورجونا رحمة الرحمن وإن كنا غير مستأهلين ; كلب أحب [ ص; 334 ] قوما فذكره الله معهم فكيف بنا وعندنا عقد الإيمان وكلمة الإسلام ، وحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا .وقالت فرقة ; لم يكن كلبا حقيقة ، وإنما كان أحدهم ، وكان قد قعد عند باب الغار طليعة لهم كما سمي النجم التابع للجوزاء كلبا ; لأنه منها كالكلب من الإنسان ; ويقال له ; كلب الجبار . قال ابن عطية ; فسمي باسم الحيوان اللازم لذلك الموضع أما إن هذا القول يضعفه ذكر بسط الذراعين فإنها في العرف من صفة الكلب حقيقة ; ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ; ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب . وقد حكى أبو عمر المطرز في كتاب اليواقيت أنه قرئ " وكالبهم باسط ذراعيه بالوصيد " . فيحتمل أن يريد بالكالب هذا الرجل على ما روي ; إذ بسط الذراعين واللصوق بالأرض مع رفع الوجه للتطلع هي هيئة الريبة المستخفي بنفسه . ويحتمل أن يريد بالكالب الكلب . وقرأ جعفر بن محمد الصادق " كالبهم " يعني صاحب الكلب .قوله تعالى ; باسط ذراعيه أعمل اسم الفاعل وهو بمعنى المضي ; لأنها حكاية حال ولم يقصد الإخبار عن فعل الكلب . والذراع من طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى . ثم قيل ; بسط ذراعيه لطول المدة . وقيل ; نام الكلب ، وكان ذلك من الآيات . وقيل ; نام مفتوح العين .بالوصيد الوصيد ; الفناء ; قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير ، أي فناء الكهف ، والجمع وصائد ووصد . وقيل الباب . وقاله ابن عباس أيضا . وأنشد ;بأرض فضاء لا يسد وصيدها علي ومعروفي بها غير منكروقد تقدم . وقال عطاء ; عتبة الباب ، والباب الموصد هو المغلق . وقد أوصدت الباب وآصدته أي أغلقته . والوصيد ; النبات المتقارب الأصول ، فهو مشترك ، والله أعلم .قوله تعالى ; لو اطلعت عليهم قرأ الجمهور بكسر الواو . والأعمش ويحيى بن وثاب بضمها .لوليت منهم فرارا أي لو أشرفت عليهم لهربت منهم .ولملئت منهم رعبا أي لما حفهم الله - تعالى - من الرعب واكتنفهم من الهيبة . وقيل ; لوحشة مكانهم ; وكأنهم [ ص; 335 ] آواهم الله إلى هذا المكان الوحش في الظاهر لينفر الناس عنهم . وقيل ; كان الناس محجوبين عنهم بالرعب ، لا يجسر أحد منهم على الدنو إليهم . وقيل ; الفرار منهم لطول شعورهم وأظفارهم ; وذكره المهدوي والنحاس والزجاج والقشيري . وهذا بعيد ; لأنهم لما استيقظوا قال بعضهم لبعض ; لبثنا يوما أو بعض يوم . ودل هذا على أن شعورهم وأظفارهم كانت بحالها ; إلا أن يقال ; إنما قالوا ذلك قبل أن ينظروا إلى أظفارهم وشعورهم . قال ابن عطية ; والصحيح في أمرهم أن الله - عز وجل - حفظ لهم الحالة التي ناموا عليها لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية ، فلم يبل لهم ثوب ولم تغير صفة ، ولم ينكر الناهض إلى المدينة إلا معالم الأرض والبناء ، ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم . وقرأ نافع وابن كثير وابن عباس وأهل مكة والمدينة " لملئت منهم " بتشديد اللام على تضعيف المبالغة ; أي ملئت ثم ملئت . وقرأ الباقون لملئت بالتخفيف ، والتخفيف أشهر في اللغة . وقد جاء التثقيل في قول المخبل السعدي ;وإذ فتك النعمان بالناس محرما فملي من كعب بن عوف سلاسلهوقرأ الجمهور رعبا بإسكان العين . وقرأ بضمها أبو جعفر . قال أبو حاتم ; هما لغتان . وفرارا نصب على الحال ورعبا مفعول ثان أو تمييز .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; وتحسب يا محمد هؤلاء الفتية الذين قصصنا عليك قصتهم، لو رأيتهم في حال ضربنا على آذانهم في كهفهم الذي أووا إليه أيقاظا. والأيقاظ; جمع يَقِظ ، ومنه قول الراجز;وَوَجـــدُوا إخْـــوَتهُمْ أيْقاظـــاوسَــيْفَ غَيَّــاظٍ لَهُــمْ غَيَّاظــا (4)وقوله; ( وَهُمْ رُقُودٌ ) يقول; وهم نيام ، والرقود; جمع راقد، كالجلوس; جمع جالس، والقعود; جمع قاعد ، وقوله وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) يقول جل ثناؤه; ونقلب هؤلاء الفتية في رقدتهم مرّة للجنب الأيمن، ومرّة للجنب الأيسر.كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) وهذا التقليب في رقدتهم الأولى ، قال; وذكر لنا أن أبا عياض قال; لهم في كل عام تقليبتان.حُدثت عن يزيد، قال; أخبرنا سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) قال; لو أنهم لا يقلَّبون لأكلتهم الأرض.وقوله; ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بقوله; ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ ) فقال بعضهم; هو كلب من كلابهم كان معهم ، وقد ذكرنا كثيرا ممن قال ذلك فيما مضى ، وقال بعضهم; كان إنسانا (5) من الناس طباخا لهم تَبِعهم.وأما الوصيد، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم; هو الفناء.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; (بالوَصِيد) يقول; بالفِناء.حدثنا محمد بن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن بن مَهديّ، قال; ثنا محمد بن أبي الوضَّاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال; بالفناء.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (بالوَصِيد) قال; بالفناء.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (بالوَصِيد) قال; بالفناء. قال ابن جريج; يمسك باب الكهف.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) يقول; بفناء الكهف.حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله; (بالوَصِيد) قال; بفناء الكهف.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد بن سليمان، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; (بالوَصِيد) قال; يعني بالفناء.وقال آخرون; الوَصِيد; الصعيد.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) يعني فناءهم، ويقال; الوصيد; الصعيد.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا يعقوب، عن هارون، عن عنترة ، عن سعيد بن جبير، في قوله; ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال ; الوصيد; الصعيد.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا الحكم بن بشير، عن عمرو، في قوله; ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال; الوصيد; الصعيد، التراب.وقال آخرون; الوصيد الباب.* ذكر من قال ذلك;حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال; ثنا أبو عاصم ، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال; بالباب، وقالوا بالفناء.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال; الوصيد; الباب، أو فناء الباب حيث يغلق الباب، وذلك أن الباب يُوصَد، وإيصاده; إطباقه وإغلاقه من قول الله عز وجل; إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ وفيه لغتان; الأصيد، وهي لغة أهل نجد، والوصيد; وهي لغة أهل تهامة وذُكِر عن أبي عمرو بن العلاء، قال; إنها لغة أهل اليمن، وذلك نظير قولهم; ورّخت الكتاب وأرخته، ووكدت الأمر وأكدته ، فمن قال الوصيد، قال; أوصدت الباب فأنا أُوصِده، وهو مُوصَد ، ومن قال الأصيد، قال; آصدت الباب فهو مُؤْصَد، فكان معنى الكلام; وكلبهم باسط ذراعيه بفناء كهفهم عند الباب، يحفظ عليهم بابه.وقوله ; ( لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا ) يقول; لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم، لأدبرت عنهم هاربا منهم فارّا، ( وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ) يقول;ولملئت نفسُك من اطلاعك عليهم فَزَعا، لما كان الله ألبسهم من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصل، ولا تلمِسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الوقت الذي أراد أن يجعلهم عبرة لمن شاء من خلقه، وآية لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده، ليعلموا أن وعد الله حق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها.واختلفت القرّاء في قراءة قوله; ( وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ) فقرأته عامة قراء المدينة بتشديد اللام من قوله; ( وَلَمُلِّئْتَ ) بمعنى أنه كان يمتلئ مرّة بعد مرّة. وقرأ ذلك عامة قراء العراق; (وَلَمُلِئْتَ) بالتخفيف، بمعنى; لملئت مرّة، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في القراءة، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.------------------------الهوامش;(4) البيتان (في ديوان العجاج الراجز ، في الملحق بديوانه ص 81 - 82 ) من أرجوزة عدتها 19 بيتا.ورقما البيتين فيها هما 8 ، 16 . وهما من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1 ; 397 ) قال " وتحسبهم أيقاظا " ; واحدهم يقظ . ورجال أيقاظ ؛ وكذلك جمع يقظان ; أيقاظ ، يذهبون به إلى جمع يقظ.وقال رؤبة ; " ووجدوا ... البيتين" وقد نسبهما لرؤبة ، وهما في ديوان العجاج . وقد تداخلت أشعارهما على الرواة واللغويين . وغياظ ; اسم رجل.(5) قوله " كان إنسانا ... إلخ " كذا في الأصول وفي ابن كثير . قيل كلب طباخ الملك ، وقد كان وافقهم على الدين وصحبه كلبه. أ ه
{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ } أي: تحسبهم أيها الناظر إليهم [كأنهم] أيقاظ، والحال أنهم نيام، قال المفسرون: وذلك لأن أعينهم منفتحة، لئلا تفسد، فالناظر إليهم يحسبهم أيقاظا، وهم رقود، { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ } وهذا أيضا من حفظه لأبدانهم، لأن الأرض من طبيعتها، أكل الأجسام المتصلة بها، فكان من قدر الله، أن قلبهم على جنوبهم يمينا وشمالا، بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، والله تعالى قادر على حفظهم من الأرض، من غير تقليب، ولكنه تعالى حكيم، أراد أن تجري سنته في الكون، ويربط الأسباب بمسبباتها. { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ } أي: الكلب الذي كان مع أصحاب الكهف، أصابه ما أصابهم من النوم وقت حراسته، فكان باسطا ذراعيه بالوصيد، أي: الباب، أو فنائه، هذا حفظهم من الأرض. وأما حفظهم من الآدميين، فأخبر أنه حماهم بالرعب، الذي نشره الله عليهم، فلو اطلع عليهم أحد، لامتلأ قلبه رعبا، وولى منهم فرارا، وهذا الذي أوجب أن يبقوا كل هذه المدة الطويلة، وهم لم يعثر عليهم أحد، مع قربهم من المدينة جدا، والدليل على قربهم، أنهم لما استيقظوا، أرسلوا أحدهم، يشتري لهم طعاما من المدينة، وبقوا في انتظاره، فدل ذلك على شدة قربهم منها.
(الواو) عاطفة
(تحسبهم) مضارع مرفوع.. و (هم) ضمير مفعول به، والفاعل أنت
(أيقاظا) مفعول به ثان منصوبـ (الواو) حالية
(هم) ضمير مبتدأ
(رقود) خبر مرفوع
(الواو) عاطفة
(نقلّبهم) مضارع مرفوع.. و (هم) ضمير مفعول به، والفاعل نحن للتعظيم
(ذات اليمين) مثل الأولى في الآية السابقة متعلّق بـ (نقلّبهم) ،
(ذات الشمال) مثل ذات اليمين ومعطوف عليه
(الواو) عاطفة
(كلبهم) مبتدأ مرفوع.. و (هم) مضاف إليه
(باسط) خبر مرفوع ذراعيه) مفعول به لاسم الفاعل باسط ، منصوب وعلامة النصب الياء.. و (الهاء) مضاف إليه
(بالوصيد) جارّ ومجرور متعلّق بـ (باسط) ،
(لو) حرف شرط غير جازم
(اطّلعت) فعل ماض وفاعله
(على) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (اطّلعت) ،
(اللام) واقعة في جواب لو (ولّيت) مثل اطّلعت
(منهم) مثل عليهم متعلّق بـ (وليت) ،
(فرارا) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو مرادفه ،
(الواو) عاطفة
(اللام) مثل الأولى
(ملئت) فعل ماض مبنيّ للمجهول.. و (التاء) نائب الفاعلـ (منهم) مثل عليهم متعلّق بـ (ملئت) ، ومن سببيّة
(رعبا) تمييز منصوب ، منصوب. وجملة: «تحسبهم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة ترى الشمس. وجملة: «هم رقود» في محلّ نصب حال. وجملة: «نقلّبهم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة تحسبهم.. وجملة: «كلبهم باسط ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة تحسبهم.. وجملة: «اطّلعت ... » لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: «ولّيت ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
- القرآن الكريم - الكهف١٨ :١٨
Al-Kahf18:18