قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا
قَالَ مَا مَكَّنِّىۡ فِيۡهِ رَبِّىۡ خَيۡرٌ فَاَعِيۡنُوۡنِىۡ بِقُوَّةٍ اَجۡعَلۡ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُمۡ رَدۡمًا
تفسير ميسر:
قال ذو القرنين; ما أعطانيه ربي من الملك والتمكين خير لي مِن مالكم، فأعينوني بقوة منكم أجعل بينكم وبينهم سدًا.
" ما مكني فيه ربي خير " أي إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه كما قال سليمان عليه السلام" أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم" الآية وهكذا قال ذو القرنين الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه ولكن ساعدوني بقوة أي بعملكم وآلات البناء.
قوله تعالى ; قال ما مكني فيه ربي خير فيه مسألتان ;[ الأولى ] قوله - تعالى - ; قال ما مكني فيه ربي خير المعنى قال لهم ذو القرنين ; ما بسطه الله - تعالى - لي من القدرة والملك خير من خرجكم وأموالكم ولكن أعينوني بقوة الأبدان ، أي برجال وعمل منكم بالأبدان ، والآلة التي أبني بها الردم وهو السد وهذا تأييد من الله - تعالى - لذي القرنين في هذه المحاورة فإن القوم لو جمعوا له خرجا لم يعنه أحد ولوكلوه إلى البنيان ، ومعونته بأنفسهم أجمل به وأسرع في انقضاء هذا العمل وربما أربى ما ذكروه له على الخرج . وقرأ ابن كثير وحده " ما مكنني " بنونين . وقرأ الباقون ما مكني فيه ربي[ الثانية ] في هذه الآية دليل على أن الملك فرض عليه أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم ، وسد فرجتهم ، وإصلاح ثغورهم ، من أموالهم التي تفيء عليهم ، وحقوقهم التي [ ص; 431 ] تجمعها خزانتهم تحت يده ونظره ، حتى لو أكلتها الحقوق ، وأنفذتها المؤن ، لكان عليهم جبر ذلك من أموالهم ، وعليه حسن النظر لهم ; وذلك بثلاثة شروط ; الأول ; ألا يستأثر عليهم بشيء . الثاني ; أن يبدأ بأهل الحاجة فيعينهم الثالث أن يسوي في العطاء بينهم على قدر منازلهم ، فإذا فنيت بعد هذا وبقيت صفرا فأطلعت الحوادث أمرا بذلوا أنفسهم قبل أموالهم ، فإن لم يغن ذلك فأموالهم تؤخذ منهم على تقدير ، وتصريف بتدبير ; فهذا ذو القرنين لما عرضوا عليه المال في أن يكف عنهم ما يحذرونه من عادية يأجوج ومأجوج قال ; لست أحتاج إليه وإنما أحتاج إليكم فأعينوني بقوة أي اخدموا بأنفسكم معي ، فإن الأموال عندي والرجال عندكم ، ورأى أن الأموال لا تغني عنهم ، فإنه إن أخذها أجرة نقص ذلك مما يحتاج إليه ، فيعود بالأجر عليهم ، فكان التطوع بخدمة الأبدان أولى . وضابط الأمر أنه لا يحل مال أحد إلا لضرورة تعرض ، فيؤخذ ذلك المال جهرا لا سرا ، وينفق بالعدل لا بالاستئثار ، وبرأي الجماعة لا بالاستبداد بالأمر . والله - تعالى - الموفق للصواب .
القول في تأويل قوله تعالى ; قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)يقول تعالى ذكره; قال ذو القرنين; الذي مكنني في عمل ما سألتموني من السدّ بينكم وبين هؤلاء القوم ربي، ووطأه لي، وقوّانى عليه، خير من جُعلكم، والأجرة التي تعرضونها عليّ لبناء ذلك، وأكثر وأطيب، ولكن أعينوني منكم بقوة، أعينوني بفَعَلة وصناع يُحسنون البناء والعمل.كما حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ) قال; برجال ( أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ) وقال ما مكني، فأدغم إحدى النونين في الأخرى، وإنما هو ما مكنني فيه. وقوله; ( أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ) يقول; أجعل بينكم وبين يأجوج ومأجوج ردما. والردم; حاجز الحائط والسدّ، إلا أنه أمنع منه وأشدّ، يقال منه; قد ردم فلان موضع كذا يَردِمه رَدْما ورُدَاما (5) ويقال أيضا; رَدَّم ثوبه يردمه، وهو ثوب مُرَدّم; إذا كان كثير الرقاع ، ومنه قول عنترة;هَـلْ غَـادَرَ الشُّـعَرَاءُ مِـنْ مُـتَرَدَّمِأَمْ هَـلْ عَـرَفْتَ الـدَّارَ بَعْـدَ تَـوَهْمِ (6)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال ; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ) قال; هو كأشد الحجاب.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قال; " ذكر لنا أن رجلا قال; يا نبي الله قد رأيت سدّ يأجوج ومأجوج، قال انْعَتْهُ لي قال; كأنه البرد المحبَّر، طريقة سوداء، وطريقة حمراء، قالَ قَدْ رأيتَهُ".------------------------الهوامش;(5) الردام ; مصدر ردم يردم ( بالضم في المضارع ) رداما ; ضراط . ( عن اللسان ) .(6) البيت لعنترة بن عمرو بن شداد العبسي ، من معلقته المشهورة ( انظره في شرح الزوزني للمعلقات السبع ، وشرح التبريزي للقصائد العشر ، ومختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا ، طبعة الحلبي ص 369 ) قال شارحه ; متردم ; موضع يسترقع ويستفلح لوهنه ووهيه ، من قولهم ; ردمت الشيء إذا أصلحته ، وقويت ما وهي منه . ويروى ; مترنم ، من الترنم ، وهو ترجيع الصوت مع تحزين . يقول ; هل ترك الشعراء موضعا مسترقعا إلا وقد أصلحوه ، أو هل تركت الشعراء شيئًا إلا رجعوا نغماته بإنشاء الشعر في وصفه ؟ والمعنى ; لم يترك الأول للآخر شيئا . ثم أضرب عن ذلك ، وسأل نفسه ; هل عرفت دار عشيقتك ، بعد شكك فيها ؟ وفي ( اللسان ; ردم ) ; والمتردم الموضع الذي يرقع . ويقال ; تردم الرجل ثوبه ; أي رقعه يتعدى ، ولا يتعدى . ابن سيده ; ثوب مردم ، ومرتدم ، ومتردم ، وملوم ; خلق مرقع ؛ قال عنترة ; * هـل غـادر الشعراء من متردم *. . . البيت " . معناه أي مستصلح . قال ابن سيده ; أي من كلام يلصق بعضه ويلبق ; أي قد سبقونا إلى القلم فلم يدعوا مقالا لقائل .
فقال لهم: { مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ْ} أي: مما تبذلون لي وتعطوني، وإنما أطلب منكم أن تعينوني بقوة منكم بأيديكم { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ْ} أي: مانعا من عبورهم عليكم.
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(فيه) متعلّق بـ (مكّنّي) ، و (الياء) مفعول به في الفعل، ومضاف إليه في الاسم
(خير) خبر المبتدأ ما ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(بقوّة) متعلّق بـ (أعينوا) ،
(أجعل) مضارع مجزوم جواب الطلب، والفاعل أنا
(بينكم) ظرف منصوب متعلّق بمفعول به ثان لـ (أجعل) ،
(ردما) مفعول به أوّل.
جملة: «قال ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «ما مكّنّي فيه ربّي ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «مكّني فيه ربّي ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «أعينوني ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن طلبت العون فأعينوني.وجملة: «أجعل ... » لا محلّ لها جواب شرط مقدّر غير مقترنة بالفاء أي إن تعينوني أجعل..
96-
(زبر) مفعول به ثان عامله آتوني
(حتّى) حرف غاية وابتداء
(بين) ظرف متعلّق بـ (ساوى) ،
(نارا) مفعول به ثان عامله جعله
(أفرغ) مضارع مثل أجعلـ (قطرا) مفعول به عامله أفرغ ومتنازع عليه من فعل آتوني لأنّه المفعول الثاني في المعنى .
وجملة: «آتوني زبر ... » لا محلّ لها استئناف في حيّز القول .
وجملة: «ساوى ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «قال ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «انفخوا ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «جعله ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «قالـ (الثانية) » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «آتوني أفرغ ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «أفرغ ... » لا محلّ لها جواب شرط مقدّر غير مقترنة بالفاء أي: إن تأتوني قطرا أفرغه عليه.
97-
(الفاء) عاطفة..والمصدر المؤوّلـ (أن يظهروه) في محلّ نصب مفعول به عامله اسطاعوا
(له) متعلّق بـ (نقبا) وهو مفعول به عامله استطاعوا.
وجملة: «ما اسطاعوا ... » لا محلّ لها معطوفة على محذوف مستأنف أي: فجاء القوم يقصدون ثقبه فما استطاعوا.
وجملة: «يظهروه ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة: «ما استطاعوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة ما اسطاعوا.