وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسٰى
وَمَا تِلۡكَ بِيَمِيۡنِكَ يٰمُوۡسٰى
تفسير ميسر:
وما هذه التي في يمينك يا موسى؟
هذا برهان من الله تعالى لموسى عليه السلام ومعجزة عظيمة وخرق للعادة باهر دل على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل وقوله وما تلك بيمينك يا موسى قال بعض المفسرين إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له وقيل إنما قال له ذلك على وجه التقرير أي أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها فسترى ما نصنع بها الآن "وما تلك بيمنك يا موسى" استفهام تقرير.
قوله ; وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرىقوله تعالى ; وما تلك بيمينك قيل ; كان هذا الخطاب من الله تعالى لموسى وحيا ؛ لأنه قال ; فاستمع لما يوحى ولا بد للنبي في نفسه من معجزة يعلم بها صحة نبوة نفسه ، فأراه في العصا وفي نفسه ما أراه لذلك . ويجوز أن يكون ما أراه في الشجرة آية كافية له في نفسه ، ثم تكون اليد والعصا زيادة توكيد ، وبرهانا يلقى به قومه . واختلف في ما في قوله وما تلك فقال الزجاج والفراء ; هي اسم ناقص وصلت ب ( يمينك ) أي ما التي بيمينك ؟ وقال أيضا ; تلك بمعنى هذه ؛ ولو قال ; ما ذلك لجاز ؛ أي ما ذلك الشيء ; ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى ; هي عصاي ؛ ليثبت الحجة عليه بعد ما اعترف ، وإلا فقد علم الله ما هي في الأزل . وقال ابن الجوهري وفي بعض الآثار أن الله تعالى عتب على موسى إضافة العصا إلى نفسه في ذلك الموطن ، فقيل له ; ألقها لترى منها العجب فتعلم أنه لا ملك عليها ولا تنضاف إليك . وقرأ ابن أبي إسحاق ( عصي ) على لغة هذيل ؛ ومثله ( يا بشرى ) و ( محيي ) وقد تقدم . وقرأ الحسن ( عصاي ) بكسر الياء لالتقاء الساكنين . ومثل هذا قراءة حمزة ( وما أنتم بمصرخي ) . وعن ابن أبي إسحاق سكون الياء .في هذه الآية دليل على جواب السؤال بأكثر مما سئل ؛ لأنه لما قال وما تلك بيمينك يا موسى ذكر معاني أربعة وهي إضافة العصا إليه ، وكان حقه أن يقول عصا ؛ والتوكؤ ؛ والهش ، والمآرب المطلقة . فذكر موسى من منافع عصاه عظمها وجمهورها وأجمل سائر ذلك . وفي الحديث سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ماء البحر فقال ; هو الطهور ماؤه الحل ميتته . وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت ; ألهذا حج ؟ قال ; نعم ولك أجر . ومثله في الحديث كثير .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)يقول تعالى ذكره; وما هذه التي في يمينك يا موسى؟ فالباء في قوله (بِيَمِينكَ) من صلة تلك، والعرب تصل تلك وهذه كما تصل الذي، ومنه قول يزيد بن مفرع;عَــدسْ مــا لِعَبَّـادٍ عَلَيْـكِ إمـارَةٌأمِنْــتِ وَهَــذَا تَحْــملِينَ طَلِيــقُ (11)كأنه قال; والذي تحملين طليق.ولعل قائلا أن يقول; وما وجه استخبار الله موسى عما في يده؟ ألم يكن عالما بأن الذي في يده عصا؟ قيل له; إن ذلك على غير الذي ذهبت إليه، وإنما قال ذلك عزّ ذكره له إذا أراد أن يحوّلها حية تسعى، وهي خشبة، فنبهه عليها، وقرّره بأنها خشبة يتوكأ عليها، ويهشّ بها على غنمه، ليعرّفه قُدرته على ما يشاء، وعظم سلطانه، ونفاذ أمره فيما أحبّ بتحويله إياها حيَّة تسعى، إذا أراد ذلك به ليجعل ذلك لموسى آية مع سائر آياته إلى فرعون وقومه.-----------------------الهوامش ;(11) البيت لزيد بن مفرغ الحميري ، يخاطب بغلته حين هرب من عبيد الله بن زياد وأخيه عباد ، وكان ابن مفرغ يهجوهما إذا تأخر عليه العطاء ، وله قصة مشهورة . وعدس ; زجر للبغل ، أو اسم له . ويروى نجوت في مكان ; أمنت ( اللسان ; عدس ) . وهذا ; اسم إشارة ، وقد وصل بجملة تحملين ، فصار من الأسماء الموصولة في قول بعض النحويين . هذا ; مبتدأ وجملة تحملين ; صلة ؛ وطليق ; خبر المبتدأ . أي والذي تحملينه طليق ، ليس لأحد عليه سلطان .
لما بين الله لموسى أصل الإيمان، أراد أن يبين له ويريه من آياته ما يطمئن به قلبه، وتقر به عينه، ويقوي إيمانه، بتأييد الله له على عدوه فقال: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى } هذا، مع علمه تعالى، ولكن لزيادة الاهتمام في هذا الموضع، أخرج الكلام بطريق الاستفهام .
(الواو) استئنافيّة
(ما) اسم استفهام مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ، وهي للتقرير
(تلك) اسم إشارة مبنيّ على السكون الظاهر على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين في محلّ رفع خبر
(بيمينك) متعلّق بمحذوف حال عامله الإشارة.
جملة: «ما تلك ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «يا موسى ... » لا محلّ لها اعتراضيّة، أو استئنافيّة لتأكيد النداء.