الرسم العثمانيإِذْ تَلَقَّوْنَهُۥ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِۦ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُۥ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ
الـرسـم الإمـلائـياِذۡ تَلَـقَّوۡنَهٗ بِاَ لۡسِنَتِكُمۡ وَتَقُوۡلُوۡنَ بِاَ فۡوَاهِكُمۡ مَّا لَـيۡسَ لَـكُمۡ بِهٖ عِلۡمٌ وَّتَحۡسَبُوۡنَهٗ هَيِّنًا ۖ وَّهُوَ عِنۡدَ اللّٰهِ عَظِيۡمٌ
تفسير ميسر:
حين تتلقفون الإفك وتتناقلونه بأفواهكم، وهو قول باطل، وليس عندكم به علم، وهما محظوران; التكلم بالباطل، والقول بلا علم، وتظنون ذلك شيئًا هيِّنًا، وهو عند الله عظيم. وفي هذا زجر بليغ عن التهاون في إشاعة الباطل.
وقرأ آخرون "إذ تلقونه بألسنتكم" وفي صحيح البخاري عن عائشة أنها كانت تقرؤها كذلك وتقول هي من ولق اللسان يعني الكذب الذي يستمر صاحبه عليه تقول العرب ولق فلان في السير إذا استمر فيه والقراءة الأولى أشهر وعليها الجمهور ولكن الثانية مروية عن أم المؤمنين عائشة قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن نافع عن ابن عمر عن عائشة أنها كانت تقرأ "إذ تلقونه" وتقول هي ولق القول قال ابن أبي مليكة; هي أعلم به من غيرها. وقوله تعالى "وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم" أي تقولون ما لا تعلمون. ثم قال تعالى "وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم" أي تقولون ما تقولون فى شأن أم المؤمنين وتحسبون ذلك يسيرا سهلا ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا فكيف وهي زوجة النبي الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين فعظيم عند الله أن يقال في زوجة نبيه ورسوله ما قيل فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا وهو سبحانه وتعالى لا يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك حاشا وكلا ولما لم يكن ذلك فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء وزوجه سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة ولهذا قال تعالى "وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم" وفي الصحيحين "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدري ما تبلغ يهوي بها في النار أبعد مما بين السماء والأرض" وفي رواية "لا يلقي لها بالا".
قوله تعالى ; إذ تلقونه بألسنتكم قراءة محمد بن السميقع بضم التاء وسكون اللام وضم القاف ؛ من الإلقاء ، وهذه قراءة بينة . وقرأ أبي ، وابن مسعود ( إذ تتلقونه ) من التلقي ، بتاءين . وقرأ جمهور السبعة بحرف التاء الواحدة وإظهار الذال دون إدغام ؛ وهذا أيضا من التلقي . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي بإدغام الذال في التاء . وقرأ ابن كثير بإظهار الذال [ ص; 188 ] وإدغام التاء في التاء ؛ وهذه قراءة قلقة ؛ لأنها تقتضي اجتماع ساكنين ، وليست كالإدغام في قراءة من قرأ ( فلا تناجوا ) ( ولا تنابزوا ) لأن دونه الألف الساكنة ، وكونها حرف لين حسنت هنالك ما لا تحسن مع سكون الذال . وقرأ ابن يعمر ، وعائشة - رضي الله عنهما - وهم أعلم الناس بهذا الأمر - إذ تلقونه بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف ؛ ومعنى هذه القراءة من قول العرب ; ولق الرجل يلق ولقا إذا كذب واستمر عليه ؛ فجاءوا بالمتعدي شاهدا على غير المتعدي . قال ابن عطية ; وعندي أنه أراد إذ تلقون فيه ؛ فحذف حرف الجر فاتصل الضمير . وقال الخليل ، وأبو عمرو ; أصل الولق الإسراع ؛ يقال ; جاءت الإبل تلق ؛ أي تسرع .قال ;لما رأوا جيشا عليهم قد طرق جاءوا بأسراب من الشأم ولقإن الحصين زلق وزملق جاءت به عنس من الشأم تلقيقال ; رجل زلق وزملق ؛ مثال هدبد ، وزمالق وزملق ( بتشديد الميم ) وهو الذي ينزل قبل أن يجامع ؛ قال الراجز ;إن الحصين زلق وزملقوالولق أيضا أخف الطعن . وقد ولقه يلقه ولقا . يقال ; ولقه بالسيف ولقات ، أي ضربات ؛ فهو مشترك .قوله تعالى ; وتقولون بأفواهكم مبالغة ، وإلزام ، وتأكيد . والضمير في تحسبونه عائد على الحديث والخوض فيه والإذاعة له . و هينا أي شيئا يسيرا لا يلحقكم فيه إثم . وهو عند الله في الوزر عظيم . وهذا مثل قوله - عليه السلام - في حديث القبرين ; إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أي بالنسبة إليكم .
يقول تعالى ذكره; لمسَّكم فيما أفضتم فيه من شأن عائشة عذاب عظيم، حين تلَقَّونه بألسنتكم، و " إذ " من صلة قوله " لمسَّكم " ويعني بقوله; ( تَلَقَّوْنَهُ ) تتلقون الإفك الذي جاءت به العصبة من أهل الإفك، فتقبلونه، ويرويه بعضكم عن بعض يقال; تلقيت هذا الكلام عن فلان، بمعنى أخذته منه، وقيل ذلك؛ لأن الرجل منهم فيما ذُكِرَ يَلْقى آخر، فيقول; أوَمَا بلغك كذا وكذا عن عائشة؟ ليُشيع عليها بذلك الفاحشة. وذكر أنها في قراءة أُبيّ; " إذ تَتَلقَّوْنه " بتاءين، وعليها قراءة الأمصار، غير أنهم قرءوها; ( تَلَقَّوْنَهُ ) بتاء واحدة؛ لأنها كذلك في مصاحفهم.وقد رُوي عن عائشة في ذلك، ما حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكَم، قال; ثنا خالد بن نـزار، عن نافع، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقرأ هذه الآية; " إذْ تَلِقُونَهُ بِألْسِنَتكُمْ" تقول; إنما هو وَلْق الكذب، وتقول; إنما كانوا يلقون الكذب. قال ابن أبي مليكة; وهي أعلم بما فيها أنـزلت، قال نافع; وسمعت بعض العرب (9) يقول; اللَّيق; الكذب.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا يحيى بن واضح، قال; ثنا نافع بن عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الجمحِيّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، أنها كانت تقرأ; " إذْ تَلِقُونَهُ بألْسِنَتِكم " وهي أعلم بذلك وفيها أنـزلت، قال ابن أبي مليكة; هو من وَلْق الكذب.قال أبو جعفر; وكأن عائشة وجَّهت معنى ذلك بقراءتها " تَلِقُونَهُ" بكسر اللام وتخفيف القاف، إلى; إذ تستمرّون في كذبكم عليها، وإفككم بألسنتكم، كما يقال; ولق فلان في السير فهو يَلِق; إذا استمرّ فيه; وكما قال الراجز;إنَّ الجُـــلَيْدَ زَلِـــقٌ وَزُمَلِـــقْجـاءتْ بِـهِ عَنْسٌ مِـنَ الشَّـأمِ تَلِـقْمُجَوَّعُ البَطْنِ كِلابيُّ الخُلُقْ (10)وقد رُوي عن العرب في الوَلْق; الكذب; الألْق، والإلِق; بفتح الألف وكسرها، ويقال في فعلت منه; ألقت، فأنا ألق، وقال بعضهم;مَــنْ لِــيَ بــالمُزَرَّرِ اليَلامِــقِصــاحِبِ أدْهــانٍ وألــقٍ آلِــقِ (11)والقراءة التي لا أستجيز غيرها; ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ ) على ما ذكرت من قراءة الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء عليها.وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد; ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ) قال; تَرْوُونه بعضُكم عن بعض.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ ) قال; تَرْوُونه بعضكم عن بعض.قوله; ( وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ) يقول تعالى ذكره; وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم من الأمر الذي تَرْوُونه، فتقولون; سمعنا أن عائشة فعلت كذا وكذا، ولا تعلمون حقيقة ذلك ولا صحته، ( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا ) وتظنون أن قولكم ذلك وروايتكموه بألسنتكم، وتلقِّيكموه بعضكم عن بعض هين سهل، لا إثم عليكم فيه ولا حرج، ( وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) يقول; وتلقِّيكم ذلك كذلك وقولُكموه بأفواهكم، عند الله عظيم من الأمر; لأنكم كنتم تؤذون به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليلته.-------------------------الهوامش ;(9) لم نقف عليه فيما بأيدينا من كتب اللغة ، فلعله مصحف .(10) هذه الأبيات ثلاثة من مشطور الرجز ، للقلاخ بن حزن المنقري نقلها صاحب ( اللسان ; زلق ) . قال ; رجل زلق و زملق مثال هديد و زمالق و زملق ( بتشديد الميم ) ، وهو الذي ينزل قبل أن يجامع . قال القلاخ بن حزن المنقري .. . الأبيات ; ثم قال ; والجليد ; هو الجليد الكلابي . التهذيب ; والعرب تقول ; زلق و زملق ، وهو الشكاز ، الذي ينزل إذا حدث المرأة من غير جماع . قال ويقال للخفيف الطياش ; زمل و زملوق و زمالق وفي ( اللسان ; ولق ) . قال ; وولق في سيره ولقا ; أسرع . ونسب أبيات الشاهد للشماخ ، ولم أجدها في ديوان الشماخ المطبوع بمصر سنة 1327 . 1 هـ .(11) هذان بيتان من الرجز أنشدها الأزهري عن بعضهم ( اللسان ; ولق ) . وألق الكلام ; متابعته في سرعة . والألق ; الاستمرار في الكذب وألق يألق ألقا مثال ضرب يضرب ضربا . واليلامق ; جمع يلمق ، وهو القباء ( فارسي معرب ) .. . واستشهد المؤلف بالبيتين على أن بعضهم قرأ قوله تعالى ; { إذ تلقونه بألسنتكم } بكسر اللام ، وتخفيف القاف ، على أنه بمعنى الاستمرار في الكذب
{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } أي: تلقفونه، ويلقيه بعضكم إلى بعض، وتستوشون حديثه، وهو قول باطل. { وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } والأمران محظوران، التكلم بالباطل، والقول بلا علم، { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا } فلذلك أقدم عليه من أقدم من المؤمنين الذين تابوا منه، وتطهروا بعد ذلك، { وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ } وهذا فيه الزجر البليغ، عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئا، ولا يخفف من عقوبة الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته مرة أخرى.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - النور٢٤ :١٥
An-Nur24:15