وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصّٰلِحِينَ
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الۡمَهۡدِ وَكَهۡلًا وَّمِنَ الصّٰلِحِيۡنَ
تفسير ميسر:
ويكلم الناس في المهد بعد ولادته، وكذلك يكلمهم في حال كهولته بما أوحاه الله إليه. وهذا تكليم النبوَّة والدعوة والإرشاد، وهو معدود من أهل الصلاح والفضل في قوله وعمله.
قوله "ويكلم الناس في المهد وكهلا" أي يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له في حال صغره معجزة وآية وفي حال كهولته حين يوحى الله إليه "ومن الصالحين" أي في قوله وعمله له علم صحيح وعمل صالح قال محمد بن إسحق; عن يزيد بن عبدالله بن قسيط عن محمد بن شرحبيل عن أبي هريرة قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما تكلم أحد في صغره إلا عيسى وصاحب جريج" وقال ابن أبي حاتم; حدثنا حدثنا أبو الصقر يحيى بن محمد بن قزعة حدثنا الحسين يعني المروزي حدثنا جرير يعني ابن أبي حازم عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لم يتكلم في المهد إلا ثلاث; عيسى وصبي كان في زمن جريج وصبي آخر".
ويكلم الناس عطف على ( وجيها ) قاله الأخفش أيضا . و ( المهد ) مضجع الصبي في رضاعه . ومهدت الأمر هيأته ووطأته . وفي التنزيل فلأنفسهم يمهدون . وامتهد الشيء ارتفع كما يمتهد سنام البعير . وكهلا الكهل بين حال الغلومة وحال الشيخوخة . وامرأة كهلة . واكتهلت الروضة إذا عمها النور . يقول ; يكلم الناس في المهد آية ، ويكلمهم كهلا بالوحي والرسالة . وقال أبو العباس ; كلمهم في المهد حين برأ أمه فقال ; إني عبد الله الآية . وأما كلامه وهو كهل فإذا أنزله الله تعالى من السماء أنزله على صورة ابن ثلاث وثلاثين سنة وهو الكهل فيقول لهم ; إني عبد الله كما قال في المهد . فهاتان آيتان وحجتان . قال المهدوي ; وفائدة الآية أنه أعلمهم أن عيسى عليه السلام يكلمهم في المهد ويعيش إلى أن يكلمهم كهلا ، إذ كانت العادة أن من تكلم في المهد لم يعش . قال الزجاج ; وكهلا بمعنى ويكلم الناس كهلا . وقال الفراء والأخفش ; هو معطوف على ( وجيها ) . وقيل ; المعنى ويكلم الناس صغيرا وكهلا . وروى ابن جريج عن مجاهد قال ; الكهل الحليم . قال النحاس ; هذا لا يعرف في اللغة ، وإنما الكهل عند أهل اللغة من ناهز الأربعين . وقال بعضهم ; يقال له حدث إلى ست عشرة سنة . ثم شاب إلى اثنتين وثلاثين . ثم يكتهل في ثلاث وثلاثين ; قاله الأخفش . ( ومن الصالحين ) عطف على ( وجيها ) أي وهو من العباد الصالحين . ذكر أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس عن حصين عن هلال بن يساف . قال ; لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ; عيسى وصاحب يوسف وصاحب جريج ، كذا قال ; " وصاحب يوسف " . وهو في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ; عيسى ابن مريم وصاحب جريج وصاحب الجبار وبينا صبي يرضع من أمه وذكر الحديث بطوله . وقد جاء من حديث صهيب في قصة الأخدود أن امرأة جيء بها لتلقى في النار على إيمانها ومعها صبي . في غير كتاب مسلم [ ص; 87 ] يرضع فتقاعست أن تقع فيها فقال الغلام ; يا أمه ! اصبري فإنك على الحق . وقال الضحاك ; تكلم في المهد ستة ; شاهد يوسف ، وصبي ماشطة امرأة فرعون ، وعيسى ، ويحيى ، وصاحب جريج ، وصاحب الجبار . ولم يذكر الأخدود ، فأسقط صاحب الأخدود وبه يكون المتكلمون سبعة . ولا معارضة بين هذا وبين قوله عليه السلام ; ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ) بالحصر فإنه أخبر بما كان في علمه مما أوحي إليه في تلك الحال ، ثم بعد هذا أعلمه الله تعالى بما شاء من ذلك فأخبر به .قلت ; أما صاحب يوسف فيأتي الكلام فيه ، وأما صاحب جريج وصاحب الجبار وصاحب الأخدود ففي صحيح مسلم . وستأتي قصة الأخدود في سورة " البروج " إن شاء الله تعالى . وأما صبي ماشطة امرأة فرعون ، فذكر البيهقي عن ابن عباس قال ; قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لما أسري بي سرت في رائحة طيبة فقلت ما هذه الرائحة قالوا ماشطة ابنة فرعون وأولادها سقط مشطها من يديها فقالت ; بسم الله . قالت ابنة فرعون ; أبي ؟ قالت ; ربي وربك ورب أبيك . قالت ; أولك رب غير أبي ؟ قالت ; نعم ربي وربك ورب أبيك الله . قال ; فدعاها فرعون ، فقال ; ألك رب غيري ؟ قالت ; نعم ربي وربك الله . قال ; فأمر بنقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها لتلقى فيها قالت ; إن لي إليك حاجة قال ; ما هي ؟ قالت ; تجمع عظامي وعظام ولدي في موضع واحد . قال ; ذاك لك لما لك علينا من الحق . فأمر بهم فألقوا واحدا بعد واحد حتى بلغ رضيعا فيهم فقال قعي يا أمه ولا تقاعسي فإنا على الحق . قال ; وتكلم أربعة وهم صغار ; هذا ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم .
القول في تأويل قوله ; وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)قال أبو جعفر; وأما قوله; " ويكلمُ الناس في المهد "، فإن معناه; إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وجيهًا عند الله، ومُكلِّمًا الناسَ في المهد.= ف " يكلم "، وإن كان مرفوعًا، لأنه في صورة " يفعل " بالسلامة من العوامل فيه، فإنه في موضع نصب، وهو نظير قول الشاعر; (1)بِــتُّ أُعَشِّــيهَا بِعَضْــبٍ بَــاتِرِيَقْصِــدُ فِــي أَسْــوُقِهَا وَجَــائِرِ (2)* * *وأما " المهد "، فإنه يعني به; مضجع الصبيّ في رضاعه، كما;-7071 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس; " ويكلم الناس في المهد "، قال; مضجع الصبي في رَضَاعه.* * *وأما قوله ; " وكهلا "، فإنه; وُمحتَنِكًا فوق الغُلومة، (3) ودُون الشيخوخة، يقال منه; " رجل كهل = وامرأة كهلة "، كما قال الراجز; (4)وَلا أَعُـــودُ بَعْدَهَـــا كَرِيَّـــاأُمَـــارِسُ الكَهْلَـــةَ وَالصَّبِيَّـــا (5)* * *وإنما عنى جل ثناؤه بقوله; " ويكلم الناسَ في المهد وكهلا "، ويكلم الناس طفلا في المهد = دلالةً على براءَة أمه مما قَرَفها به المفترون عليها، (6) وحجة له على نبوّته = وبالغًا كبيرًا بعد احتناكه، (7) بوحي الله الذي يوحيه إليه، وأمره ونهيه، وما ينـزل عليه من كتابه. (8)* * *وإنما أخبر الله عز وجل عبادَه بذلك من أمر المسيح، وأنه كذلك كان، وإن كان الغالب من أمر الناس أنهم يتكلمون كهولا وشيوخًا = احتجاجًا به على القائلين فيه من أهل الكفر بالله من النصارى الباطلَ، (9) وأنه كان = [منذ أنشأه] مولودًا طفلا ثم كهلا = يتقلب في الأحداث، (10) ويتغير بمرُور الأزمنة عليه والأيام، من صِغر إلى كبر، ومن حال إلى حال = وأنه لو كان، كما قال الملحدون فيه، كان ذلك غيرَ جائز عليه. فكذّب بذلك ما قاله الوفدُ من أهل نجران الذين حاجُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، واحتج به عليهم &; 6-419 &; لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلمهم أنه كان كسائر بني آدم، إلا ما خصه الله به من الكرامة التي أبانه بها منهم، كما;-7072 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير; " ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين "; يخبرهم بحالاته التي يتقلب بها في عمره، كتقلب بني آدم في أعمارهم صغارًا وكبارًا، إلا أن الله خَصّه بالكلام في مهده آيةً لنبوته، وتعريفًا للعباد مواقع قدرته. (11)7073 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة; " ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين "، يقول; يكلمهم صغيرًا وكبيرًا.7074 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع; " ويكلم الناس في المهد وكهلا "، قال; يكلمهم صغيرًا وكبيرًا.7075 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " وكهلا ومن الصالحين "، قال; الكهلُ الحليم.7076 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال; كلمهم صغيرًا وكبيرًا وكهلا = وقال ابن جريج، وقال مجاهد; الكهل الحليم.7077 - حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله; " ويكلم الناس في المهد وكهلا "، قال; كلمهم في المهد صبيًّا، وكلمهم كبيرًا.* * *وقال آخرون; معنى قوله; " وكهلا "، أنه سيكلمهم إذا ظهر.ذكر من قال ذلك;7078 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعته - يعني ابن زيد - يقول في قوله; " ويكلم الناس في المهد وكهلا "، قال; قد كلمهم عيسى في المهد، وسيكلمهم إذا قتل الدجال، وهو يومئذ كهلٌ.* * *ونصب " كهلا "، عطفًا على موضع " ويكلم الناس ".* * *وأما قوله ; " ومن الصالحين "، فإنه يعني; من عِدَادهم وأوليائهم، لأنّ أهل الصلاح بعضهم من بعض في الدين والفضل.----------------------الهوامش ;(1) لم أعرف قائله.(2) معاني القرآن للفراء 1; 213 وأمالي ابن الشجري 2; 167 ، والخزانة 2; 345 ، واللسان (كهل). وقد ذكر البغدادي اختلاف رواية الشعر ، "ويعشيها" من العشاء ، وهو طعامها عند العشاء. يصف كرم الكريم ينحر عند مجيء الأضياف إبله في قراهم ، والعضب; السيف القاطع ، والباتر; الذي يفصم الضريبة. وأسوق جمع ساق. وقصد يقصد; توسط فلم يجاوز الحد. يقول; يضرب سوقها بسيفه لا يبالي أيقصد أم يجور ، من شدة عجلته وحفاوته بضيفه.هذا ، وانظر تفصيل ما قال أبو جعفر في معاني القرآن للفراء 1; 213 ، 214.(3) يقال; "غلام بين الغلومة والغلومية والغلامية" ، مثل; "الطفولة والطفولية".(4) هو عذافر الفقيمي.(5) الجمهرة 3; 339 ، المخصص 1; 40 أمالي ، القالي 2; 215 ، والسمط; 836 ، شرح أدب الكاتب لابن السيد; 217 ، 389 ، وللجواليقي; 295 ، واللسان (كهل) (كرا) (شعفر) (أمم) ، وغيرها ، وكان العذافر يكري إبله إلى مكة ، فأكرى معه رجل من بني حنيفة ، من أهل البصرة ، بعيرًا يركبه هو وزوجته ، وكان اسمها"شعفر" ، فقال يرجز بهما;لَــوْ شَـاءَ رَبِّـي لَـمْ أكُـنْ كَرِيَّـاوَلَـــمْ أَسُــقْ بَشَــعْفَرَ المطَّيــابَصْرِيّـــةٌ تَزَوَّجَـــتْ بَصْرِيَّــايُطْعِمُهَـــا المَـــالِحَ والطَّرِيَّـــاوَجَـــيِّدَ الـــبُرِّ لَهَــا مَقْلِيَّــاحَـــتَّى نَتَـــتْ سُــرَّتُها نَتِيَّــاوَفَعَلَــــتْ ثُنَّتُهــــا فَرِيَّـــا. . . . . . . . . . . . . . . . . . .والرجز المروي بعد هذه الأبيات ، فيما يظهر. والكري; المكاري ، الذي يستأجر الركاب دابته. وبعد البيتين اللذين رواهما أبو جعفر;وَالْعَــــزَبَ المُنَفَّـــهَ الأُمِّيَّـــاوالمنفه; الذي قد أعياه السير ونفهه ، فضعف وتساقط. والأمي; العيي الجلف الجافي القليل الكلام.(6) في المطبوعة; "قذفها" ، وانظر آنفًا; ص 413 ، تعليق; 3.(7) قوله; "وبالغًا" معطوف على قوله آنفًا; "طفلا في المهد". ثم قوله; بعد"بوحي الله" جار ومجرور متعلق بقوله آنفًا; "ويكلم الناس. .".(8) في المطبوعة; "وما تقول عليه" ، ومعاذ الله أن يكون ذلك!! والكلمة في المخطوطة سيئة الكتابة ، مستفسدة مستصلحة ، وهي على ذلك بينة لمن يدرك بعض معاني الكلام!!(9) في المطبوعة; "بالباطل" ، وهو تبديل لعبارة الطبري التي يألفها قارئ كتابه. وقوله; "الباطل" منصوب مفعول به لقوله; "القائلين..."(10) في المطبوعة; "وأنه كان في معناه أشياء مولودًا..." ، وفي المخطوطة; "وأنه كان في معانيه أشيا مولودًا..." ، ولم أستطع أن أجد لشيء من ذلك معنى أرتضيه ، وقد جهدت في معرفة تصحيفه أو تحريفه زمنًا ، حتى ضفت به ، وحتى ظننت أنه سقط من الناسخ شيء يستقيم به هذا الكلام ، مع ترجيح التصحيف والتحريف فيه. فرأيت أن أضع بين القوسين ما يستقيم به الكلام ، وأن أخلي الأصل من هذه الجملة. هذا مع اعتقادي أن"معه أشيا" هي"منذ أنشأه" كما أثبتها. والسياق; "أنه كان... يتقلب في الأحداث" ، وما بينهما فصل وضعته بين الخطين.(11) الأثر; 7072- سيرة ابن هشام 2; 230 ، وهو من تمام الآثار التي آخرها رقم; 7067.
{ ويكلم الناس فى المهد وكهلا } وهذا غير التكليم المعتاد، بل المراد يكلم الناس بما فيه صلاحهم وفلاحهم، وهو تكليم المرسلين، ففي هذا إرساله ودعوته الخلق إلى ربهم، وفي تكليمهم في المهد آية عظيمة من آيات الله ينتفع بها المؤمنون، وتكون حجة على المعاندين، أنه رسول رب العالمين، وأنه عبد الله، وليكون نعمة وبراءة لوالدته مما رميت به { ومن الصالحين } أي: يمن عليه بالصلاح، من من عليهم، ويدخله في جملتهم، وفي هذا عدة بشارات لمريم مع ما تضمن من التنويه بذكر المسيح عليه السلام.
(الواو) عاطفة
(يكلّم) مضارع مرفوع، والفاعل هو (الناس) مفعول به منصوبـ (في المهد) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من فاعل يكلّم ،
(الواو) عاطفة
(كهلا) معطوف على الحال المحذوفة منصوبـ (الواو) عاطفة
(من الصالحين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من لفظ كلمة- في الآية السابقة- وعلامة الجرّ الياء، وهذه الحال معطوفة على
(وجيها) .
جملة: «يكلّم الناس..» في محلّ جرّ معطوفة على جملة اسمه المسيح .