الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ
اَلۡحَـقُّ مِنۡ رَّبِّكَ فَلَا تَكُنۡ مِّنَ الۡمُمۡتَرِيۡنَ
تفسير ميسر:
الحق الذي لا شك فيه في أمر عيسى هو الذي جاءك -أيها الرسول- من ربك، فدل على يقينك، وعلى ما أنت عليه من ترك الافتراء، ولا تكن من الشاكِّين، وفي هذا تثبيت وطمأنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
"الحق من ربك فلا تكن من الممترين" أي هذا هو القول الحق في عيسى الذي لا محيد عنه ولا صحيح سواه وماذا بعد الحق إلا الضلال.
قال الفراء ; الحق من ربك مرفوع بإضمار هو . أبو عبيدة ; هو استئناف كلام وخبره في قوله من ربك . وقيل هو فاعل ، أي جاءك الحق .فلا تكن من الممترين الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد أمته ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن شاكا في أمرعيسى عليه السلام .
القول في تأويل قوله ; الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; الذي أنبأتك به من خبر عيسى، وأنَّ مثله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له ربه كُنْ = هو الحق من ربك، يقول; هو الخبر الذي هو من عند ربك =" فلا تكن من الممترين "، يعني; فلا تكن من الشاكين في أنّ ذلك كذلك، (29) كما;-7167 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة; " الحق من ربك فلا تكن من الممترين "، يعني; فلا تكن في شكّ من عيسى أنه كمثل آدم، عبدُ الله ورسوله، وكلمةُ الله ورُوحه.7168 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله; " الحق من ربك فلا تكن من الممترين "، يقول; فلا تكن في شكّ مما قصصنا عليك أنّ عيسى عبدُ الله ورسوله، وكلمةٌ منه ورُوحٌ، وأنّ مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تُراب ثم قال له كن فيكون.7169 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير; " الحق من ربك "، ما جاءك من الخبر عن عيسى =" فلا تكن من الممترين "، أي; قد جاءك الحق من ربك فلا تمتَرِ فيه. (30)7170 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " فلا تكن من الممترين "، قال; والممترون الشاكون.* * *" والمرية "" والشك "" والريب "، واحد سواءٌ، كهيئة ما تقول; " أعطني"" وناولني"" وهلم "، فهذا مختلف في الكلام وهو واحد.---------------الهوامش ;(29) انظر تفسير"الامتراء" ، وتفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف 3; 190 ، 191.(30) الأثر; 7169- سيرة ابن هشام 2; 231 ، 232 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها رقم; 7165 ، فانظر التعليق على هذا الأثر. وفي سيرة ابن هشام"فلا تمترين فيه" ، وهي أجود.
يخبر تعالى محتجا على النصارى الزاعمين بعيسى عليه السلام ما ليس له بحق، بغير برهان ولا شبهة، بل بزعمهم أنه ليس له والد استحق بذلك أن يكون ابن الله أو شريكا لله في الربوبية، وهذا ليس بشبهة فضلا أن يكون حجة، لأن خلقه كذلك من آيات الله الدالة على تفرد الله بالخلق والتدبير وأن جميع الأسباب طوع مشيئته وتبع لإرادته، فهو على نقيض قولهم أدل، وعلى أن أحدا لا يستحق المشاركة لله بوجه من الوجوه أولى، ومع هذا فآدم عليه السلام خلقه الله من تراب لا من أب ولا أم، فإذا كان ذلك لا يوجب لآدم ما زعمه النصارى في المسيح، فالمسيح المخلوق من أم بلا أب من باب أولى وأحرى، فإن صح إدعاء البنوة والإلهية في المسيح، فادعاؤها في آدم من باب أولى وأحرى، فلهذا قال تعالى { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك } أي: هذا الذي أخبرناك به من شأن المسيح عليه السلام هو الحق الذي في أعلى رتب الصدق، لكونه من ربك الذي من جملة تربيته الخاصة لك ولأمتك أن قص عليكم ما قص من أخبار الأنبياء عليهم السلام. { فلا تكن من الممترين } أي: الشاكين في شيء مما أخبرك به ربك، وفي هذه الآية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة وهو أن ما قامت الأدلة على أنه حق وجزم به العبد من مسائل العقائد وغيرها، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل، وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا، فلا يوجب له عجزه عن حلها القدح فيما علمه، لأن ما خالف الحق فهو باطل، قال تعالى { فماذا بعد الحق إلا الضلال } وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون ويرتبها المنطقيون، إن حلها الإنسان فهو تبرع منه، وإلا فوظيفته أن يبين الحق بأدلته ويدعو إليه.
(الحقّ) مبتدأ مرفوع ،
(من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر و (الكاف) ضمير مضاف إليه
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(لا) ناهية جازمة
(تكن) مضارع ناقص مجزوم، واسم تكن ضمير مستتر تقديره
(أنت)
(من الممترين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر تكون، وعلامة الجرّ الياء.
جملة: «الحقّ من ربّك» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لا تكن ... لا محلّ لها جواب شرط مقدّر غير جازم أي:
إذا كان الأمر كذلك فلا تكن من الممترين.