الرسم العثمانيكَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ الْبَيِّنٰتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظّٰلِمِينَ
الـرسـم الإمـلائـيكَيۡفَ يَهۡدِى اللّٰهُ قَوۡمًا كَفَرُوۡا بَعۡدَ اِيۡمَانِهِمۡ وَشَهِدُوۡۤا اَنَّ الرَّسُوۡلَ حَقٌّ وَّجَآءَهُمُ الۡبَيِّنٰتُؕ وَاللّٰهُ لَا يَهۡدِى الۡقَوۡمَ الظّٰلِمِيۡنَ
تفسير ميسر:
كيف يوفق الله للإيمان به وبرسوله قومًا جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم به، وشهدوا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم حق وما جاء به هو الحق، وجاءهم الحجج من عند الله والدلائل بصحة ذلك؟ والله لا يوفق للحق والصواب الجماعة الظلمة، وهم الذين عدلوا عن الحق إلى الباطل، فاختاروا الكفر على الإيمان.
قال ابن جرير; حدثنا محمد بن عبدالله بن بزيع البصري حدثنا يزيد بن زريع حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال; كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله هل لي من توبة؟ فنزلت "كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم - إلى قوله - فإن الله غفور رحيم" فأرسل إليه قومه فأسلم وهكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان من طريق داود بن أبي هند به. وقال الحاكم; صحيح الإسناد يخرجاه. وقال عبدالرزاق أنبأنا جعفر بن سليمان حدثنا حميد الأعرج عن مجاهد قال; جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه "كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم- إلى قوله- غفور رحيم". قال; فحملها إليه رجل من قومه فقرأ عليه فقال الحارث; إنك - والله ما علمت - لصدوق وإن رسول الله لأصدق منك وإن الله لأصدق الثلاثة قال; فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه فقوله تعالى "كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات" أي قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعد ما تلبسوا به العماية؟ ولهذا قال تعالى "والله لا يهدي القوم الظالمين".
قوله تعالى ; كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين[ ص; 122 ] قال ابن عباس ; إن رجلا من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم ; فأرسل إلى قومه ; سلوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل لي من توبة ؟ فجاء قومه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا ; هل له من توبة ؟ فنزلت كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم إلى قوله ; غفور رحيم . فأرسل إليه فأسلم . أخرجه النسائي . وفي رواية أن رجلا من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين ، فأنزل الله كيف يهدي الله قوما كفروا إلى قوله ; إلا الذين تابوا فبعث بها قومه إليه ، فلما قرئت عليه قال ; والله ما كذبني قومي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أكذبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله ، والله عز وجل أصدق الثلاثة ; فرجع تائبا ، فقبل منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركه . وقال الحسن ; نزلت في اليهود لأنهم كانوا يبشرون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويستفتحون على الذين كفروا ; فلما بعث عاندوا وكفروا ، فأنزل الله عز وجل ; أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . ثم قيل ; كيف لفظة استفهام ومعناه الجحد ، أي لا يهدي الله . ونظيره قوله ; كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ; أي لا يكون لهم عهد ; وقال الشاعر ;كيف نومي على الفراش ولما يشمل القوم غارة شعواءأي لا نوم لي .والله لا يهدي القوم الظالمين يقال ; ظاهر الآية أن من كفر بعد إسلامه لا يهديه الله ومن كان ظالما ، لا يهديه الله ; وقد رأينا كثيرا من المرتدين قد أسلموا وهداهم الله ، وكثيرا من الظالمين تابوا عن الظلم . قيل له ; معناه لا يهديهم الله ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ولا يقبلون على الإسلام ; فأما إذا أسلموا وتابوا فقد وفقهم الله لذلك . والله تعالى أعلم .[ ص; 123 ]
القول في تأويل قوله ; كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)اختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية، وفيمن نـزلت.فقال بعضهم; نـزلت في الحارث بن سويد الأنصاري، وكان مسلمًا فارتدّ بعد إسلامه.ذكر من قال ذلك;7360 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع البصري قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال; كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه; أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل لي من توبة؟ قال; فنـزلت; " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم " إلى قوله; " وجاءَهم البيناتُ والله لا يهدي القوم الظالمين ... إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم "، فأرسل إليه قومه فأسلم.7361 - حدثني ابن المثنى قال، حدثني عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عكرمة بنحوه، ولم يرفعه إلى ابن عباس = إلا أنه قال; فكتب إليه قومه، فقال; ما كذَبني قومي! فرجع.7362 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حكيم بن جُميع، عن علي بن مُسْهر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال; ارتد رجل من الأنصار، فذكر نحوه. (8)7363 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا جعفر بن سليمان قال، أخبرنا حميد الأعرج، عن مجاهد قال; جاء الحارث بن سُوَيد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه، فأنـزل الله عز وجل فيه القرآن; " كيف يَهدي الله قومًا كفروا بعدَ إيمانهم " إلى " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ"، قال; فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه، فقال الحارث; إنك والله ما علمتُ لصَدُوقٌ، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدقُ منك، وإنّ الله عز وجل لأصدق الثلاثة. قال; فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه.7364 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدُوا أنّ الرسول حق "، قال; أنـزلت في الحارث بن سُوَيد الأنصاري، كفر بعد إيمانه، فأنـزل الله عز وجل فيه هذه الآيات، إلى; " أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "، &; 6-574 &; ثم تاب وأسلم، فنسخها الله عنه، فقال; " إلا الذين تابوا من بعد ذلك، وأصلحوا فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ".7365 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل; " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءَهم البينات "، قال; رجلٌ من بني عمرو بن عوف، كفر بعد إيمانه.7366 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.7367 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال; هو رجل من بني عمرو بن عوف، كفر بعد إيمانه = قال ابن جريج، أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال; لحق بأرض الرّوم فتنصَّر، ثم كتب إلى قومه; " أرسلوا، هل لي من توبة؟" قال; فحسبتُ أنه آمن، ثم رَجع = قال ابن جريج، قال عكرمة، نـزلت في أبي عامر الرّاهب، والحارث بن سويد بن الصامت، ووَحْوَح بن الأسلت = في اثني عشر رجلا رَجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش، ثم كتبوا إلى أهلهم; هل لنا من توبة؟ فنـزلت; " إلا الذين تابوا من بعد ذلك "، الآيات.* * *وقال آخرون; عنى بهذه الآية أهل الكتاب، وفيهم نـزلت.ذكر من قال ذلك;7368 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله; " كيف يهدي الله قومًا كفرُوا بعد إيمانهم "، فهم أهلُ الكتاب، عرَفوا محمدًا صلى الله عليه وسلم ثم كفروا به.7369 - حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد بن منصور، عن الحسن في قوله; " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم " الآية كلها، قال; اليهود والنصارى.7370 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال; كان الحسن يقول في قوله; " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم " الآية، هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، رأوا نعتَ محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم وأقرّوا به، وشهدوا أنه حقٌّ، فلما بُعث من غيرهم حَسدوا العربَ على ذلك فأنكروه، وكفروا بعد إقرارهم، حسدًا للعرب، حين بُعثَ من غيرهم.7371 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله; " كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم "، قال; هم أهل الكتاب، كانوا يجدون محمدًا صلى الله عليه وسلم في كتابهم، ويستفتحون به، فكفروا بعد إيمانهم.* * *قال أبو جعفر; وأشبه القولين بظاهر التنـزيل ما قال الحسن; منْ أنّ هذه الآية معنيٌّ بها أهل الكتاب على ما قال، غيرَ أنّ الأخبار بالقول الآخر أكثر، والقائلين به أعلم، بتأويل القرآن. (9) وجائز أن يكون الله عز وجل أنـزل هذه الآيات بسبب القوم الذين ذُكر أنهم كانوا ارتدّوا عن الإسلام، فجمع قصّتهم وقصة من كان سبيله سبيلهم في ارتداده عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات. ثم عرّف عباده سُنته فيهم، فيكون داخلا في ذلك كلّ من كان مؤمنًا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أنُ يبعث، ثم كفر به بعد أن بُعث، وكلّ من كان كافرًا ثم أسلم على عهده صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد وهو حيٌّ عن &; 6-576 &; إسلامه. فيكون معنيًّا بالآية جميعُ هذين الصنفين وغيرُهما ممن كان بمثل معناهما، بل ذلك كذلك إن شاء الله.* * *فتأويل الآية إذًا; " كيف يَهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم "، يعني; كيف يُرشد الله للصواب ويوفّق للإيمان، قومًا جحدُوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم =" بعد إيمانهم "، أي; بعد تصديقهم إياه، وإقرارهم بما جاءَهم به من عند ربه =" وَشهدوا أن الرسول حقّ"، يقول; وبعد أن أقرّوا أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلقه حقًّا =" وجاءهم البينات "، يعني; وجاءهم الحجج من عند الله والدلائلُ بصحة ذلك؟ =" والله لا يهدي القوم الظالمين "، يقول; والله لا يوفّق للحق والصّواب الجماعة الظَّلمة، وهم الذين بدّلوا الحق إلى الباطل، فاختارُوا الكفر على الإيمان.* * *وقد دللنا فيما مضى قبل على معنى " الظلم "، وأنه وضعُ الشيء في غير موضعه، بما أغنى عن إعادته. (10)_________________________الهوامش ;(8) الأثر; 7362-"حكيم بن جميع الكوفي" ، مترجم في الكبير 2 / 1 / 18 ، والجرح 1 / 2 / 202.(9) هذا حكم جيد فاصل في هذه الآية ، وفي غيرها مما اختلف في معانيه المختلفون.(10) انظر ما سلف 1; 523 ، 524 / ثم باقي المواضع في فهرس اللغة"ظلم" ، وانظر أيضًا فهارس اللغة في سائر ألفاظ الآية.
هذا من باب الاستبعاد، أي: من الأمر البعيد أن يهدي الله قوما اختاروا الكفر والضلال بعدما آمنوا وشهدوا أن الرسول حق بما جاءهم به من الآيات البينات والبراهين القاطعات { والله لا يهدي القوم الظالمين } فهؤلاء ظلموا وتركوا الحق بعدما عرفوه، واتبعوا الباطل مع علمهم ببطلانه ظلما وبغيا واتباعا لأهوائهم، فهؤلاء لا يوفقون للهداية، لأن الذي يرجى أن يهتدي هو الذي لم يعرف الحق وهو حريص على التماسه، فهذا بالحري أن ييسر الله له أسباب الهداية ويصونه من أسباب الغواية.
(كيف) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب حال وهو بمعنى الإنكار والاستبعاد
(يهدي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(قوما) مفعول به منصوبـ (كفروا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعلـ (بعد) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (كفروا) ،
(إيمان) مضاف إليه مجرور و (هم) ضمير مضاف اليه
(الواو) عاطفة
(شهدوا) مثل كفروا
(أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد
(الرسول) اسم أنّ منصوبـ (حقّ) خبر أنّ مرفوع.
والمصدر المؤوّلـ (أنّ الرسول حقّ) في محلّ جرّ بباء محذوفة متعلّق بـ (شهدوا) .
(الواو) عاطفة
(جاء) فعل ماض و (هم) ضمير مفعول به
(البيّنات) فاعل مرفوع.
(الواو) استئنافيّة
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(لا) نافية
(يهدي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (القوم) مفعول به منصوبـ (الظالمين) نعت للقوم منصوب مثله وعلامة النصب الياء.
جملة: «يهدي الله» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كفروا» في محلّ نصب نعت لـ (قوما) .
وجملة: «شهدوا» في محلّ نصب معطوفة على جملة كفروا » .
وجملة: «جاءهم البيّنات» في محلّ نصب معطوفة على جملة شهدوا » .
وجملة: «الله لا يهدي..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لا يهدي..» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الله) .
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :٨٦
Ali 'Imran3:86