الرسم العثمانيأَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عٰقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوٓا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنٰتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلٰكِن كَانُوٓا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
الـرسـم الإمـلائـياَوَلَمۡ يَسِيۡرُوۡا فِى الۡاَرۡضِ فَيَنۡظُرُوۡا كَيۡفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِيۡنَ مِنۡ قَبۡلِهِمۡؕ كَانُوۡۤا اَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةً وَّاَثَارُوا الۡاَرۡضَ وَعَمَرُوۡهَاۤ اَكۡثَرَ مِمَّا عَمَرُوۡهَا وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُمۡ بِالۡبَيِّنٰتِ ؕ فَمَا كَانَ اللّٰهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلٰـكِنۡ كَانُوۡۤا اَنۡفُسَهُمۡ يَظۡلِمُوۡنَ
تفسير ميسر:
أولم يَسِرْ هؤلاء المكذبون بالله الغافلون عن الآخرة في الأرض سَيْرَ تأمل واعتبار، فيشاهدوا كيف كان جزاء الأمم الذين كذَّبوا برسل الله كعاد وثمود؟ وقد كانوا أقوى منهم أجسامًا، وأقدر على التمتع بالحياة حيث حرثوا الأرض وزرعوها، وبنَوْا القصور وسكنوها، فعَمَروا دنياهم أكثر مما عَمَر أهل "مكة" دنياهم، فلم تنفعهم عِمارتهم ولا طول مدتهم، وجاءتهم رسلهم بالحجج الظاهرة والبراهين الساطعة، فكذَّبوهم فأهلكهم الله، ولم يظلمهم الله بذلك الإهلاك، وإنما ظلموا أنفسهم بالشرك والعصيان.
قال تعالى "أولم يسيروا في الأرض" أي بأفهامهم وعقولهم ونظرهم وسماعهم أخبار الماضين ولهذا قال "فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة" أي كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم قوة أيها المبعوث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم وأكثر أموالا وأولادا وما أوتيتم معشار ما أوتوا ومكنوا في الدنيا تمكينا لم تبلغوا إليه وعمروا فيها أعمارا طوالا فعمروها أكثر منكم واستغلوها أكثر من استغلالكم ومع هذا فلما جاءتهم رسلهم بالبينات وفرحوا بما أوتوا أخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ولا حالت أموالهم وأولادهم بينهم وبين بأس الله ولا دفعوا عنهم مثقال ذرة وما كان الله ليظلمهم فيما أحل بهم من العذاب والنكال "ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" أي وإنما أوتوا من أنفسهم حيث كذبوا بآيات الله واستهزءوا بها وما ذاك إلا بسبب ذنوبهم السالفة وتكذيبهم المتقدم.
قوله تعالى ; أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .قوله تعالى ; أولم يسيروا في الأرض فينظروا ببصائرهم وقلوبهم . كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض أي قلبوها للزراعة ; لأن أهل مكة لم يكونوا أهل حرث ; قال الله تعالى ; تثير الأرض . وعمروها أكثر مما عمروها أي وعمروها أولئك أكثر مما عمروها هؤلاء فلم تنفعهم عمارتهم ولا طول مدتهم . وجاءتهم رسلهم بالبينات أي بالمعجزات . وقيل ; بالأحكام ، فكفروا ولم يؤمنوا . فما كان الله ليظلمهم بأن أهلكهم بغير ذنب ولا رسل ولا حجة . ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بالشرك والعصيان .
القول في تأويل قوله تعالى ; أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)يقول تعالى ذكره; أولم يسر هؤلاء المكذّبون بالله، الغافلون عن الآخرة من قريش في البلاد التي يسلكونها تجرا، فينظروا إلى آثار الله فيمن كان قبلهم من الأمم المكذّبة، كيف كان عاقبة أمرها في تكذيبها رسلها، فقد كانوا أشدّ منهم قوّة، (وَأَثَارُوا الأرْضَ); يقول; واستخرجوا الأرض، وحرثوها وعمروها أكثر مما عمر هؤلاء، فأهلكهم الله بكفرهم وتكذيبهم رسلهم، فلم يقدروا على الامتناع، مع شدّة قواهم مما نـزل بهم من عقاب الله، ولا نفعتهم عمارتهم ما عمروا من الأرض، إذ (جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَينَاتِ) من الآيات، فكذّبوهم، فأحلّ الله بهم بأسه، (فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ) بعقابه إياهم على تكذيبهم رسله، وجحودهم آياته، (وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بمعصيتهم ربهم.وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله; (وَأَثَارُوا الأرْضَ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله; ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ) قال; ملكوا الأرض وعمروها.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَأَثَارُوا الأرْضَ) قال; حرثوها.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة (أَولَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضَ ...) إلى قوله; (وَأَثَارُوا الأرْضَ وَعَمَرُوها) كقوله; وَآثَارًا فِي الأَرْضِ ، وقوله; (وَعَمَرُوها) أكثر مما عمر هؤلاء (وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالْبَيِّناتِ).
نبههم على السير في الأرض والنظر في عاقبة الذين كذبوا رسلهم وخالفوا أمرهم ممن هم أشد من هؤلاء قوة وأكثر آثارا في الأرض من بناء قصور ومصانع ومن غرس أشجار ومن زرع وإجراء أنهار، فلم تغن عنهم قوتهم ولا نفعتهم آثارهم حين كذبوا رسلهم الذين جاءوهم بالبينات الدالات على الحق وصحة ما جاءوهم به، فإنهم حين ينظرون في آثار أولئك لم يجدوا إلا أمما بائدة وخلقا مهلكين ومنازل بعدهم موحشة وذم من الخلق عليهم متتابع. وهذا جزاء معجل نموذج للجزاء الأخروي ومبتدأ له.وكل هذه الأمم المهلكة لم يظلمهم اللّه بذلك الإهلاك وإنما ظلموا أنفسهم وتسببوا في هلاكها.
(أولم يسيروا) ومثل أولم يتفكّروا ،
(في الأرض) متعلّق بـ (يسيروا) ،
(الفاء) عاطفة
(كيف) اسم استفهام في محلّ نصب خبر كان
(من قبلهم) متعلّق بمحذوف صلة الموصولـ (الذين) ،
(منهم) متعلّق بأشدّ
(قوّة) تمييز منصوب، والضمير الفاعل في(أثاروا، عمروها) يعود على الأقدمين
(أكثر) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته، والضمير في(عمروها) الثاني يعود على أهل مكّة
(بالبيّنات) متعلّق بحالمن الرسلـ (الفاء) استئنافيّة
(ما) نافية
(اللام) لام الجحود
(يظلمهم) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود.
والمصدر المؤوّلـ (أن يظلمهم ... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بمحذوف خبر كان.
(الواو) عاطفة
(لكن) حرف استدراك
(أنفسهم) مفعول به مقدّم منصوب.
جملة: «لم يسيروا ... » لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي أقعدوا ولم يسيروا.
وجملة: «ينظروا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يسيروا المنفية.
وجملة: «كان عاقبة ... » في محلّ نصب مفعول به لفعل النظر بمعنى
(التفكّر) المعلّق بالاستفهام كيف.
وجملة: «كانوا أشدّ ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «أثاروا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة كانوا .
وجملة: «عمروها ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة أثاروا ...وجملة: «عمروها
(الثانية) » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الحرفيّ .
وجملة: «جاءتهم رسلهم..» لا محلّ لها معطوفة على جملة عمروها
(الأولى) .
وجملة: «ما كان الله ليظلمهم..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يظلمهم..» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن)المضمر.
وجملة: «كانوا ... يظلمون..» لا محلّ لها معطوفة على جملة ما كان..
وجملة: «يظلمون..» في محلّ نصب خبر كانوا.
(10)
(ثمّ) حرف عطف
(عاقبة) خبر كان منصوب مقدم
(السوءى) اسم كان مؤخّر مرفوع، وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف ،
(أن) حرف مصدريّ
(بآيات) متعلّق بـ (كذّبوا) ،
(بها) متعلّق بـ (يستهزئون) .
والمصدر المؤول:
(أن كذّبوا) في محلّ جر بحرف جرّ محذوف هو اللام أو الباء متعلّق بعاقبة .
وجملة: «كان عاقبة..» لا محلّ لها معطوفة على جملة ما كان الله ليظلمهم.
وجملة: «أساؤوا..» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «كذّبوا..» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة: «كانوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة كذّبوا..
وجملة: «يستهزئون..» في محلّ نصب خبر كانوا.
- القرآن الكريم - الروم٣٠ :٩
Ar-Rum30:9