الرسم العثمانيوَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا
الـرسـم الإمـلائـيوَرَدَّ اللّٰهُ الَّذِيۡنَ كَفَرُوۡا بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُوۡا خَيۡرًا ؕ وَكَفَى اللّٰهُ الۡمُؤۡمِنِيۡنَ الۡقِتَالَ ؕ وَكَانَ اللّٰهُ قَوِيًّا عَزِيۡزًا
تفسير ميسر:
وردَّ الله أحزاب الكفر عن "المدينة" خائبين خاسرين مغتاظين، لم ينالوا خيرًا في الدنيا ولا في الآخرة، وكفى الله المؤمنين القتال بما أيدهم به من الأسباب. وكان الله قويًا لا يُغالَب ولا يُقْهَر، عزيزًا في ملكه وسلطانه.
يقول تعالى مخبرا عن الأحزاب لما أجلاهم عن المدينة بما أرسل عليهم من الريح والجنود الإلهية ولو أن الله جعل رسوله رحمة للعالمين لكانت هذه الريح عليهم أشد من الريح العقيم التي أرسلها على عاد ولكن قال تعالى "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "سلط عليهم هواء فرق شملهم كما كان سبب اجتماعهم من الهوى وهم أخلاط من قبائل شتى أحزاب وآراء فناسب أن يرسل عليهم الهواء الذي فرق جماعتهم وردهم خائبين خاسرين بغيظهم وحنقهم لم ينالوا خيرا لا في الدنيا مما كان في أنفسهم من الظفر والمغنم ولا في الآخرة بما تحملوه من الآثام في مبارزة الرسول صلى الله عليه وسلم بالعداوة وهمهم بقتله واستئصال جيشه ومن هم بشيء وصدق همه بفعله فهو في الحقيقة كفاعله. وقوله تبارك وتعالى "وكفى الله المؤمنين القتال "أي لم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم حتى يجلوهم عن بلادهم بل كفى الله وحده ونصر عبده وأعز جنده ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فلا شيء بعده "أخرجاه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال; دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم "وفي قوله عز وجل "وكفى الله المؤمنين القتال "إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش وهكذا وقع بعدها لم يغزهم المشركون بل غزاهم المسلمون في بلادهم قال محمد بن إسحاق لما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا "لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم "فلم تغز قريش بعد ذلك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يغزوهم بعد ذلك حتى فتح الله تعالى مكة. وهذا الحديث الذي ذكره محمد بن إسحاق حديث صحيح كما قال الإمام أحمد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني أبو إسحاق قال سمعت سليمان بن صرد رضي الله عنه يقول; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب "الآن نغزوهم ولا يغزونا "وهكذا رواه البخاري في صحيحه حديث الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق به وقوله تعالى "وكان الله قويا عزيزا "أي بحوله وقوته ردهم خائبين لم ينالوا خيرا وأعز الله الإسلام وأهله وصدق وعده ونصر رسوله وعبده فله الحمد والمنة.
قوله تعالى ; ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا .قوله تعالى ; ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا قال محمد بن عمرو يرفعه إلى عائشة ; قالت ; ( الذين كفروا ) هاهنا أبو سفيان وعيينة بن بدر ، رجع أبو سفيان إلى تهامة ، ورجع عيينة إلى نجد وكفى الله المؤمنين القتال بأن أرسل عليهم ريحا وجنودا حتى رجعوا ورجعت بنو قريظة إلى صياصيهم ، فكفي أمر قريظة - بالرعب . وكان الله قويا أمره عزيزا لا يغلب .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)يقول تعالى ذكره (ورَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفُروا) به وبرسوله من قُرَيش وغطفان (بغَيْظِهِمْ) يقول; بكربهم وغمهم، بفوتهم ما أمَّلوا من الظفر، وخيبتهم مما كانوا طَمِعوا فيه من الغَلَبة (لَمْ ينَالوا خَيْرًا) يقول; لم يصيبوا من المسلمين مالا ولا إسارا(وكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنينَ القِتالَ) بجنود من الملائكة والريح التي بعثها عليهم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا) الأحزاب.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله; (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا) وذلك يوم أبي سفيان والأحزاب، ردّ الله أبا سفيان وأصحابه بغيظهم لم ينالوا خيرا(وكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنينَ القِتالَ) بالجنود من عنده، والريح التي بعث عليهم.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال; ثني يزيد بن رومان (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا) ; أي; قريش وغطفان.حدثني الحسين بن عليّ الصُّدائي، قال; ثنا شبابة، قال; ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال; حُبسنا يوم الخندق عن الصلاة، فلم نصلّ الظهر، ولا العصر، ولا المغرب، ولا العشاء، حتى كان بعد العشاء بهويّ كفينا، وأنـزل الله (وكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنينَ القِتالَ وكان اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام الصلاة، وصلى الظهر، فأحسن صلاتها، كما كان يصليها في وقتها، ثم صلى العصر كذلك، ثم صلى المغرب كذلك، ثم صلى العشاء كذلك، جعل لكل صلاة إقامة، وذلك قبل أن تنـزل صلاة الخوف فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا .حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال; ثنا ابن أبي فديك، قال; ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري قال; حُبسنا يوم الخندق، فذكر نحوه.وقوله; (وكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) يقول; وكان الله قويا على فعل ما يشاء فعله بخلقه، فينصر من شاء منهم على من شاء أن يخذله، لا يغلبه غالب؛(عزيزا); يقول; هو شديد انتقامه ممن انتقم منه من أعدائه.كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة (وكانَ اللَّهُ قَويًّا عَزيزًا) ; قويا في أمره، عزيزا في نقمته.
{ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } أي: ردهم خائبين، لم يحصل لهم الأمر الذي كانوا حنقين عليه، مغتاظين قادرين ]عليه[ جازمين، بأن لهم الدائرة، قد غرتهم جموعهم، وأعجبوا بتحزبهم، وفرحوا بِعَدَدِهمْ وعُدَدِهِمْ.فأرسل اللّه عليهم، ريحًا عظيمة، وهي ريح الصبا، فزعزعت مراكزهم، وقوَّضت خيامهم، وكفأت قدورهم وأزعجتهم، وضربهم اللّه بالرعب، فانصرفوا بغيظهم، وهذا من نصر اللّه لعباده المؤمنين.{ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } بما صنع لهم من الأسباب العادية والقدرية، { وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا } لا يغالبه أحد إلا غُلِبَ، ولا يستنصره أحد إلا غَلَبَ، ولا يعجزه أمر أراده، ولا ينفع أهل القوة والعزة، قوتهم وعزتهم، إن لم يعنهم بقوته وعزته.
(الواو) استئنافيّة
(بغيظهم) متعلّق بحال من الموصول أي متلبّسين بغيظهم
(القتال) مفعول به ثان منصوبـ (كان الله قويّا عزيزا) مثل كان غفورا رحيما .
جملة: «ردّ الله ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كفروا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «لم ينالوا ... » في محلّ نصب حال ثانية من الموصول.وجملة: «كفى الله المؤمنين....» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «كان الله قويا ... » لا محلّ لها استئناف اعتراضي.
(26)
(الواو) عاطفة
(من أهل) متعلّق بحال من فاعل ظاهروهم
(من صياصيهم) متعلّق بـ (أنزل) ،
(في قلوبهم) متعلّق بـ (قذف) ،
(فريقا) مفعول به مقدّم عامله تقتلون ...وجملة: «أنزل....» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «ظاهروهم ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الثاني.
وجملة: «قذف....» لا محلّ لها معطوفة على جملة أنزل .
وجملة: «تقتلون ... » في محلّ نصب حال من ضمير الغائب في قلوبهم..
وجملة: «تأسرون ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة تقتلون..
(27)
(الواو) عاطفة في المواضع الأربعة، أما الخامسة فاستئنافيّة
(أرضهم) مفعول به ثان منصوبـ (على كلّ) متعلّق بـ (قديرا) .
وجملة: «أورثكم ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «لم تطؤوها ... » في محلّ نصب نعت لـ (أرضا) .
وجملة: «كان الله.. قديرا..» لا محلّ لها استئنافيّة.
- القرآن الكريم - الأحزاب٣٣ :٢٥
Al-Ahzab33:25